الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وقد جابه فرعون بأنه يخاطبه بالحق الذي لا ريب فيه، وأنه يطالب برفع الظلم عن قومه بني إسرائيل، قال له: حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق (حقيق): فعيل من الحق، وفيها مبالغة في التمسك، أي حقا علي ألا أقول على الله إلا الحق، أي أنه حق علي ألا أقول على الله إلا أنه رب العالمين، وإني لا أعترف لك بشيء مما تدعيه لنفسك، وهذه مجابهة لمن هو في حال فرعون [ ص: 2920 ] الذي يقول: ما علمت لكم من إله غيري فهذا صدع بالحق من غير أي مواربة، وقال ذلك موسى ولم ينتظره حتى يطلب دليلا، بل قال له موقنا مفحما: قد جئتكم ببينة من ربكم أي: قد جئتكم بحجة مثبتة مبينة من ربكم، وخاطبه بقوله: من ربكم سالبا منه كل معاني الربوبية، وقاصرا لها على رب العالمين، فهو ربي وربكم، وأول طلب طلبه رفع الظلم القائم، وابتدأ بما يخصه فقال: فأرسل معي بني إسرائيل الفاء للإفصاح عن شرط، أي: إن كنت قد أرسلت إليك وملئك من رب العالمين - فأطلق معي بني إسرائيل من الذل الذي هم فيه.

                                                          ونلاحظ بعض إشارات بيانية:

                                                          الأولى - أنه حصر الألوهية في الله تعالى وأن فرعون ليس بإله، وأن الله وحده هو الإله الحق في قوله: أن لا أقول على الله إلا الحق أي في ألوهيته وعدله، ولتكن أنت ما تكون.

                                                          الثانية - أنه أفرد الخطاب لفرعون في قوله: يا فرعون إني رسول وجمع في قوله: قد جئتكم ببينة من ربكم وأفرده في قوله: فأرسل معي بني إسرائيل لأنه بسلطانه أسرهم، وما كان ملؤه له إلا معاونين، وجمعهم في قوله: قد جئتكم لأن الدعوة الموسوية لهم جميعا؛ ولأنهم أعوانه المشاركون له في ظلمه.

                                                          الثالثة - الإشارة بالرسالة بأنه حق عليه أن يبلغها صادقا.

                                                          أجابه فرعون، ولم يفرط عليه أو يطغ، كما توقع أولا؛ لأنه أحس برهبة الحق؛ ولأن الله تعالى ألقى في روع فرعون مع طغيانه رهبة الحق، أجابه بقوله:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية