الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5790 [ ص: 533 ] 88 - باب: قول الضيف لصاحبه لا آكل حتى تأكل

                                                                                                                                                                                                                              فيه حديث أبي جحيفة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              6141 - حدثني محمد بن المثنى، حدثنا ابن أبي عدي عن سليمان، عن أبي عثمان، قال عبد الرحمن بن أبي بكر - رضي الله عنهما - جاء أبو بكر بضيف له أو بأضياف له، فأمسى عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما جاء قالت أمي: احتبست عن ضيفك - أو أضيافك - الليلة. قال: ما عشيتهم؟ فقالت عرضنا عليه - أو عليهم فأبوا أو - فأبى، فغضب أبو بكر فسب وجدع وحلف لا يطعمه، فاختبأت أنا، فقال يا غنثر. فحلفت المرأة لا تطعمه حتى يطعمه، فحلف الضيف - أو الأضياف - أن لا يطعمه أو - يطعموه - حتى يطعمه، فقال أبو بكر: كأن هذه من الشيطان، فدعا بالطعام فأكل وأكلوا، فجعلوا لا يرفعون لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها، فقال: يا أخت بني فراس، ما هذا؟ فقالت: وقرة عيني إنها الآن لأكثر قبل أن نأكل. فأكلوا، وبعث بها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فذكر أنه أكل منها. [انظر: 602 - مسلم: 2057 - فتح: 10 \ 535].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              قد سلف مسندا قريبا في باب صنع الطعام.

                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر حديث عبد الرحمن بن أبي بكر، المذكور في الباب قبله بزيادة: فجعلوا لا يرفعون لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها. إلى آخره.

                                                                                                                                                                                                                              ولا شك أن صاحب المنزل في منزله كالأمير لا ينبغي لأحد أن يتقدم عليه في أمر، يدل على ذلك الحديث الصحيح: "لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه"، وهو من أفراد مسلم من حديث أبي مسعود الأنصاري .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 534 ] فكان هذا الحديث أصلا لهذا المعنى.

                                                                                                                                                                                                                              ودل هذا أنه ينبغي للضيف المصير إلى ما (يحثه) عليه ضيفه، ويشهد لهذا المعنى حديث أنس - رضي الله عنه - أن غلاما خياطا دعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للطعام فقدمه بين يديه فأكل، وأقبل الخياط على عمله، وقد ترجم البخاري فيما سلف باب: من أضاف رجلا إلى طعام وأقبل هو على عمله، ثم ذكر حديث أنس السالف فيه ، فدل هذا الحديث أن أكل صاحب الطعام مع الضيف ليس من الواجبات، إلا أنه جاء في حديث ضيف أبي بكر معنى يختص بخلاف هذا الأصل المتقدم، وذلك أن أضيافه أقسموا ألا يفطروا حتى ينصرف من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأحبس عنده إلى هوى من الليل فبقوا دون أكل، وقد كان ينبغي على ظاهر الأصل السالف من أن صاحب المنزل لا ينبغي لأحد التسور عليه في منزله في أمرهم أن يفطروا حين عرض عليهم الأكل ولا يأتونه، فلما امتنعوا من ذلك وبقوا غير مفطرين إلى إقباله، ثم حنث نفسه في يمينه التي بدرت منه; إيثارا لموافقتهم; لأن ذلك أنه يجوز للضيف أن يخالف صاحب المنزل في تأخير الطعام وشبهه; إذا رأى لذلك وجها من وجوه المصلحة، وأنه لا حرج عليه في ذلك، ألا ترى أن الصديق وإن كان غضب لتأخر قراهم إلى وقت قدومه لم ينكر عليهم يمينهم ولا قال لهم: أتيتم ما لا يجوز لكم فعله. ولا شك أن الصديق أعلم بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حمل إليه بقية الطعام ولم يعنف القوم ولا خطأهم في يمينهم، وهذا الذي يغلب على الوهم; لأن أصحابه كانوا لا يخفون عنه كل ما يعرض لهم ليسن لهم فيه.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 535 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (فسب وجدع). (معنى: جدع) مثل سب; لأن الجدع: الخصام [قال] ابن فارس: جادعته مجادعة: خاصمته . وقال الداودي: معناه سب ابنه ودعاه (بلعنه) .

                                                                                                                                                                                                                              وفي "الصحاح": جدعه إذا قال: جدعا لك. والجدع: قطع الأنف . وللشيخ أبي الحسن: وجذع والجذع نقيض الصبر أي: لم يصبر من الغيظ.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (وجعلوا لا يرفعون لقمة إلا ربت من أسفلها) كذا وقع غير مهموز، وربا إذا كان غير مهموز معناه: زاد.

                                                                                                                                                                                                                              وفي "الصحاح": ربا يربو إذا أخذه الربو، قال: وربوت الرابية: علوتها . قال: ومعنى المهموز أي: لأربأ بك عن هذا الأمر، أي: أرفعك عنه . والمعنى على هذا: ارتفع ما كان تحت اللقمة، وعلى الأول ربا وزاد، فالمعنيان متقاربان.

                                                                                                                                                                                                                              وقولها: (وقرة عيني) لعل هذا كان قبل النهي عن الحلف بغير الله، أو لم تعلمه.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (فحلفت المرأة لا تطعمه حتى يطعمه) قال الداودي: يعني: حلفت للأضياف. قال: وقد يكون هذا قبل مجيء أبي بكر، والظاهر أنها حلفت على بعلها أبي بكر - رضي الله عنه - .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية