الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب نكاح من أسلم من المشركات وعدتهن

                                                                                                                                                                                                        4982 حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام عن ابن جريج وقال عطاء عن ابن عباس كان المشركون على منزلتين من النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين كانوا مشركي أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه ومشركي أهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه وكان إذا هاجرت امرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر فإذا طهرت حل لها النكاح فإن هاجر زوجها قبل أن تنكح ردت إليه وإن هاجر عبد منهم أو أمة فهما حران ولهما ما للمهاجرين ثم ذكر من أهل العهد مثل حديث مجاهد وإن هاجر عبد أو أمة للمشركين أهل العهد لم يردوا وردت أثمانهم وقال عطاء عن ابن عباس كانت قريبة بنت أبي أمية عند عمر بن الخطاب فطلقها فتزوجها معاوية بن أبي سفيان وكانت أم الحكم بنت أبي سفيان تحت عياض بن غنم الفهري فطلقها فتزوجها عبد الله بن عثمان الثقفي [ ص: 328 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 328 ] قوله ( باب نكاح من أسلم من المشركات وعدتهن ) أي قدرها ، والجمهور على أنها تعتد عدة الحرة ، وعن أبي حنيفة يكفي أن تستبرأ بحيضة .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( أنبأنا هـشام ) هو ابن يوسف الصنعاني .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وقال عطاء ) هو معطوف على شيء محذوف ، كأنه كان في جملة أحاديث حدث بها ابن جريج عن عطاء ثم قال " وقال عطاء " كما قال بعد فراغه من الحديث " قال وقال عطاء " فذكر الحديث الثاني بعد سياقه ما أشار إليه من أنه مثل حديث مجاهد . وفي هذا الحديث بهذا الإسناد علة كالتي تقدمت في تفسير سورة نوح ، وقد قدمت الجواب عنها ، وحاصلها أنأبا مسعود الدمشقي ومن تبعه جزموا بأن عطاء المذكور هو الخراساني ، وأن ابن جرير لم يسمع منه التفسير وإنما أخذه عن أبيه عثمان عنه ، وعثمان ضعيف ، وعطاء الخراساني لم يسمع من ابن عباس وحاصله الجواب جواز أن يكون الحديث عند ابن جريج بالإسنادين ، لأن مثل ذلك لا يخفى على البخاري مع تشدده في شرط الاتصال ، مع كون الذي نبه على العلة المذكورة هو علي بن المديني شيخ البخاري المشهور به ، وعليه يعول غالبا في هذا الفن خصوصا علل الحديث . وقد ضاق مخرج هذا الحديث على الإسماعيلي ثم على أبي نعيم فلم يخرجاه إلا من طريق البخاري نفسه .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( لم تخطب ) بضم أوله ( حتى تحيض وتطهر ) تمسك بظاهره الحنفية ، وأجاب الجمهور بأن المراد تحيض ثلاث حيض ، لأنها صارت بإسلامها وهجرتها من الحرائر بخلاف ما لو سبيت . وقوله " فإن هاجر زوجها معها " يأتي الكلام عليه في الباب الذي بعده .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وإن هاجر عبد منهم ) أي من أهل الحرب .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( ثم ذكر من أهل العهد مثل حديث مجاهد ) يحتمل أن يعني بحديث مجاهد الذي وصفه بالمثلية الكلام المذكور بعد هذا وهو قوله " وإن هاجر عبد أو أمة للمشركين إلخ " ، ويحتمل أن يريد به كلاما آخر يتعلق بنساء أهل العهد وهو أولى ، لأنه قسم المشركين إلى قسمين : أهل حرب ، وأهل عهد . وذكر حكم نساء أهل الحرب ثم حكم أرقائهم ، فكأنه أحال بحكم نساء أهل العهد على حديث مجاهد ، ثم عقبه بذكر حكم أرقائهم . وحديث مجاهد في ذلك وصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عنه في قوله وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم أي إن أصبتم مغنما من قريش فأعطوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا عوضا ، وسيأتي بسط هذا في الباب الذي يليه .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وقال عطاء عن ابن عباس ) هو موصول بالإسناد المذكور أولا عن ابن جريج كما بينته قبل .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( كانت قريبة ) بالقاف والموحدة مصغرة في أكثر النسخ ، وضبطها الدمياطي بفتح القاف وتبعه الذهبي ، وكذلك هو في نسخة معتمدة من طبقات ابن سعد . وكذا للكشميهني في حديث عائشة الماضي في الشروط . وللأكثر بالتصعير كالذي هنا ، وحكى ابن التين في هذا الاسم الوجهين ، وقال شيخنا في القاموس بالتصغير وقد تفتح .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( ابنة أبي أمية ) أي ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وهي أخت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا ظاهر في أنها لم تكن أسلمت في هذا الوقت ، وهو ما بين عمرة الحديبية وفتح مكة ، وفيه نظر لأنه ثبت في النسائي بسند صحيح من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أم سلمة في قصة تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بها ففيه " وكانت أم سلمة ترضع زينب بنتها فجاء عمار فأخذها ، فجاء [ ص: 329 ] النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أين زناب ؟ فقالت قريبة بنت أبي أمية صادفها عندها : أخذها عمار " الحديث فهذا يقتضي أنها هـاجرت قديما لأن تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة كان بعد أحد وقبل الحديبية بثلاث سنين أو أكثر ، لكن يحتمل أن تكون جاءت إلى المدينة زائرة لأختها قبل أن تسلم ، أو كانت مقيمة عند زوجها عمر على دينها قبل أن تنزل الآية ، وليس في مجرد كونها كانت حاضرة عند تزويج أختها أن تكون حينئذ مسلمة . لكن يرده أن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري لما نزلت ولا تمسكوا بعصم الكوافر فذكر القصة وفيها " فطلق عمر امرأتين كانتا له بمكة " فهذا يرد أنها كانت مقيمة ولا يرد أنها جاءت زائرة ، ويحتمل أن يكون لأم سلمة أختان كل منهما تسمى قريبة تقدم إسلام إحداهما وهي التي كانت حاضرة عند تزويج أم سلمة وتأخر إسلام الأخرى وهي المذكورة هنا ، ويؤيد هذا الثاني أن ابن سعد قال في " الطبقات " قريبة الصغرى بنت أبي أمية أخت أم سلمة تزوجها عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق فولدت له عبد الله وحفصة وأم حكيم ، وساق بسند صحيح أن قريبة قالت لعبد الرحمن وكان في خلقه شدة " لقد حذروني منك ، قال : فأمرك بيدك ، قالت : لا أختار على ابن الصديق أحدا ، فأقام عليها " وتقدم في الشروط من وجه آخر في هذه القصة في آخر حديث الزهري عن عروة عن مروان والمسور فذكر الحديث ثم قال " وبلغنا أن عمر طلق امرأتين كانتا له في الشرك قريبة وابنة أبي جرول ، فتزوج قريبة معاوية وتزوج الأخرى أبو جهم بن حذيفة " وهو مطابق لما هـنا وزائد عليه ، وتقدم من وجه آخر مثله لكن قال " وتزوج الأخرى صفوان بن أمية " فيمكن الجمع بأن يكون أحدهما تزوج قبل الآخر وأما بنت أبي جرول فوقع في المغازي الكبرى لابن إسحاق " حدثني الزهري عن عروة أنها أم كلثوم بنت عمرو بن جرول " فكأن أباها كنى باسم والده ، وجرول بفتح الجيم ، وقد بينت في آخر الحديث الطويل في الشروط أن القائل " وبلغنا " هو الزهري وبينت هناك من وصله عنه من الرواة وأخرج ابن أبي حاتم بسند حسن من رواية بني طلحة مسلسلا بهم عن موسى بن طلحة عن أبيه قال " لما نزلت هذه الآية ولا تمسكوا بعصم الكوافر طلقت امرأتي أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وطلق عمر قريبة وأم كلثوم بنت جرول " وقد روى الطبري من طريق سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق قال " قال الزهري : لما نزلت هذه الآية طلق عمر قريبة وأم كلثوم وطلق طلحة أروى بنت ربيعة فرق بينهما الإسلام ، حتى نزلت ولا تمسكوا بعصم الكوافر ثم تزوجها بعد أن أسلمت خالد بن سعيد بن العاصي " .

                                                                                                                                                                                                        واختلف في ترك رد النساء إلى أهل مكة مع وقوع الصلح بينهم وبين المسلمين في الحديبية على أن من جاء منهم إلى المسلمين ردوه ومن جاء من المسملين إليهم لم يردوه هل نسخ حكم النساء من ذلك فمنع المسلمون من ردهن أو لم يدخلن في أصل الصلح أو هو عام أريد به الخصوص وبين ذلك عند نزول الآية ؟ وقد تمسك من قال بالثاني بما وقع في بعض طرقه " على أن لا يأتيك منا رجل إلا رددته " فمفهومه أن النساء لم يدخلن وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق مقاتل بن حيان أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : رد علينا من هاجر من نسائنا ، فإن شرطنا أن من أتاك منا أن ترده علينا . فقال : كان الشرط في الرجال ولم يكن في النساء وهذا لو ثبت كان قاطعا للنزاع ، لكن يؤيد الأول والثالث ما تقدم في أول الشروط أن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط لما هـاجرت جاء أهلها يسألون ردها فلم يردها لما نزلت إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات الآية ، والمراد قوله فيها فلا ترجعوهن إلى الكفار وذكر ابن الطلاع في أحكامه أن سبيعة الأسلمية هاجرت فأقبل زوجها في طلبها ، فنزلت الآية ، فرد على زوجها مهرها والذي أنفق عليها ولم يردها ، واستشكل هذا بما في الصحيح أن سبيعة الأسلمية مات عنها سعد بن خولة وهو ممن شهد بدرا في حجة الوداع ، فإنه دال على أنها تقدمت هجرتها وهجرة زوجها ، ويمكن الجمع بأن يكون سعد بن خولة إنما تزوجها بعد أن هاجرت ، ويكون الزوج الذي جاء في طلبها ولم ترد عليه آخر لم يسلم يومئذ ، وقد ذكرت في أول [ ص: 330 ] الشروط أسماء عدة ممن هاجر من نساء الكفار في هذه القصة




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية