الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              1580 (باب في التكبير على الجنازة)

                                                                                                                              وأورده النووي في: (كتاب الجنائز) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 21 ج 7 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه. فخرج بهم إلى المصلى. وكبر أربع تكبيرات ) ].

                                                                                                                              [ ص: 338 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 338 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي هريرة ) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعى للناس النجاشي، في اليوم الذي مات فيه) .

                                                                                                                              واسمه: "أصحمة". بفتح الهمزة وإسكان الصاد، على الأصح.

                                                                                                                              قال أهل العلم: "النجاشي" لقب لكل من ملك الحبشة.

                                                                                                                              وأما "أصحمة"، فهو اسم علم، لهذا الملك الصالح، الذي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                              قال المطرزي، وابن خالويه، وآخرون من الأئمة: كلاما متداخلا، حاصله:

                                                                                                                              أن كل من ملك المسلمين، يقال له: " أمير المؤمنين". ومن ملك الحبشة: " النجاشي". ومن ملك الروم: "قيصر". ومن ملك الفرس: "كسرى". ومن ملك الترك: " خاقان ". ومن ملك القبط: " فرعون". ومن ملك مصر: "العزيز". ومن ملك اليمن: "تبع ". ومن ملك حمير: "القل" بفتح القاف. وقيل: "القل" أقل درجة من الملك.

                                                                                                                              (فخرج بهم إلى المصلى، وكبر أربع تكبيرات) .

                                                                                                                              فيه: إثبات الصلاة على الميت. وأجمعوا على أنها: "فرض كفاية ".

                                                                                                                              [ ص: 339 ] قال النووي : والصحيح، أن فرضها يسقط بصلاة رجل واحد.

                                                                                                                              وقيل: يشترط اثنان. وقيل: ثلاثة. وقيل: أربعة.

                                                                                                                              قلت: الثابت عنه صلى الله عليه وسلم، وفي زمنه: التجميع.

                                                                                                                              ولكن الأصل في كل صلاة: أن تصح فرادى، وإن كانت الجماعة أفضل.

                                                                                                                              ويؤيد ذلك: صلاة الصحابة على النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إذا فرغوا، أدخلوا النساء. حتى إذا فرغن، أدخلوا الصبيان.

                                                                                                                              ولم يؤمهم أحد. وهذا هو الثابت في كتب السير، والتواريخ.

                                                                                                                              قال ابن عبد البر : صلاة الناس عليه صلى الله عليه وسلم فرادى، مجمع عليها عند أهل السير، وجماعة أهل النقل، لا يختلفون فيه. انتهى.

                                                                                                                              وأما ما روي: أن صلاتهم عليه فرادى، كان بوصية منه، فلم يصح في ذلك شيء.

                                                                                                                              قال النووي : وفيه: أن تكبيرات الجنائز أربع. وهو مذهبنا، ومذهب الجمهور.

                                                                                                                              قال: وفيه: دليل للشافعي، وموافقيه، في الصلاة على الميت الغائب.

                                                                                                                              وفيه: معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لإعلامه بموت النجاشي وهو في الحبشة، في اليوم الذي مات فيه.

                                                                                                                              [ ص: 340 ] وفيه: استحباب الإعلام بالميت، لا على صورة نعي الجاهلية، بل مجرد إعلام الصلاة عليه، وتشييعه، وقضاء حقه في ذلك.

                                                                                                                              والذي جاء من النهي عن النعي، ليس المراد به هذا، وإنما المراد: نعي الجاهلية، المشتمل على ذكر المفاخر وغيرها.

                                                                                                                              قال: وقد يحتج أبو حنيفة، في أن صلاة الجنائز لا تفعل في المسجد، بقوله: "خرج إلى المصلى".

                                                                                                                              قال: ومذهبنا، ومذهب الجمهور: جوازها فيه.

                                                                                                                              ويحتج بحديث سهل بن بيضاء. ويتأول هذا، على أن الخروج إلى المصلى، أبلغ في إظهار أمره، المشتمل على هذه المعجزة.

                                                                                                                              وفيه أيضا: إكثار المصلين؛ وليس فيه دلالة أصلا؛ لأن الممتنع عندهم: إدخال الميت المسجد، لا مجرد الصلاة.

                                                                                                                              قال: وفي هذا الحديث: "كبر أربع تكبيرات ". وكذا في حديث ابن عباس : "كبر أربعا". وفي حديث زيد بن أرقم بعد هذا: " خمسا". قال عياض : اختلف الآثار في ذلك؛ فجاء من رواية ابن أبي خيثمة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر أربعا، وخمسا، وستا، وسبعا، وثمانيا، حتى مات النجاشي: فكبر عليه أربعا. وثبت على ذلك حتى توفي) ، [ ص: 341 ] قال: واختلف الصحابة في ذلك؛ من ثلاث تكبيرات، إلى تسع.

                                                                                                                              وروي عن علي: أنه كان يكبر على أهل بدر "ستا"، وعلى سائر الصحابة "خمسا"، وعلى غيرهم "أربعا".

                                                                                                                              قال ابن عبد البر : وانعقد الإجماع بعد ذلك على أربع.

                                                                                                                              وأجمع الفقهاء، وأهل الفتوى بالأمصار: على أربع. على ما جاء في الأحاديث الصحاح. وما سوى ذلك عندهم شذوذ، لا يلتفت إليه.

                                                                                                                              قال: ولا نعلم أحدا من فقهاء الأمصار " بخمس "، إلا ابن أبي ليلى. ولم يذكر في روايات مسلم: " السلام ". وقد ذكره الدارقطني في "سننه".

                                                                                                                              وأجمع العلماء عليه. ثم قال جمهورهم: يسلم تسليمة واحدة.

                                                                                                                              وقال الثوري، وأبو حنيفة، والشافعي، وجماعة من السلف: تسليمتين.

                                                                                                                              واختلفوا؛ هل يجهر الإمام بالتسليم، أم يسر؟

                                                                                                                              وأبو حنيفة، والشافعي، يقولان: يجهر.

                                                                                                                              وعن مالك روايتان.

                                                                                                                              قلت: واختلفوا في رفع الأيدي، في هذه التكبيرات.

                                                                                                                              ومذهب الشافعي : " الرفع " في جميعها. وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر، وعمر بن عبد العزيز، وعطاء، وسالم بن عبد الله، وقيس بن أبي حازم، والزهري، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق. واختاره ابن المنذر .

                                                                                                                              [ ص: 342 ] وقال الثوري، وأبو حنيفة، وأصحاب الرأي: لا يرفع إلا في التكبيرة الأولى.

                                                                                                                              وعن مالك: ثلاث روايات: الرفع في الجميع. وفي الأولى فقط.

                                                                                                                              وعدمه في كلها.

                                                                                                                              هذا آخر كلام النووي (رحمه الله) .




                                                                                                                              الخدمات العلمية