الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 243 ] 968 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في اكتتابه على كل بطن عقوله .

5986 - حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن أبي الزبير .

عن جابر قال : كتب النبي صلى الله عليه وسلم على كل بطن عقوله ، وقال : لا يتولى مولى قوم إلا بإذنهم قال : ووجدت في صحيفته : ولعن .

[ ص: 244 ] قال أبو جعفر : فتأملنا هذا الحديث ، فوجدنا فيه كتاب النبي - عليه السلام - عقول جنايات كل بطن على ذلك البطن ، فمعقول أن فيه من قرابته من الجاني خلاف قرابة غيره من أهل ذلك البطن من البعد منه ومن القرب ، فكتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جميع بطنه الذين هذه صفتهم ، ولم يقصد في ذلك إلى أقربهم منه دون أبعدهم منه ، بل قصد بذلك إلى البطن الذي هو منه ، فجعل عقول جنايات أهله على ذلك البطن .

وفيما ذكرنا من ذلك ما قد دل على أنه لا يجب أن يقصد في ذلك بالعقل للجناية من الجاني إلى أحد من البطن الذي هو منه دون أحد من بطنه ذلك ، وهذا يدل على ما كان فقهاء الأمصار أهل الكوفة وأهل المدينة يذهبون إليه في تحميلهم أروش عواقل الجناة الذين تجمعهم وإياهم البطن الذي هم منه إلا أن يعجزوا عن ذلك ، فيضم إليهم أقرب البطون إليهم فيه حتى يعقلوا الواجب في تلك الجناية .

وعلى خلاف ما قاله غيرهم منهم الشافعي : أن معرفة العاقلة أن ينظر إلى إخوة الجاني لأبيه ، فيحملون أرش جنايته ، فإن لم يحملوها [ ص: 245 ] رفعت إلى بني جده ، فإن لم يحتملوها رفعت إلى بني جد أبيه ، ثم هكذا يرتفع إلى ابن أب حين يعجز من هو أقرب منه عما تحمل عن الجاني من ذلك ; لأن هؤلاء جميعا ، وإن تباينوا في القرابة من الجاني بالقرب والبعد ، فهم من أهل البطن الذي هو منه ، وإنما كتب النبي صلى الله عليه وسلم عقل كل بطن على ذلك البطن ، ولم يكتبه على أقرب ذلك البطن إلى الجاني دون من سواهم من أهل ذلك البطن ممن هو أبعد منهم .

وقد روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ما يدل على هذا المعنى أيضا .

كما حدثنا محمد بن علي بن داود ، حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي ، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، حدثنا سعد بن طارق ، عن نعيم بن أبي هند

عن سلمة بن نعيم قال : شهدت مع خالد بن الوليد يوم اليمامة ، فلما شددنا على القوم جرحت رجلا منهم ، فلما وقع قال : اللهم على ملتك وملة رسولك ، وإني بريء مما عليه مسيلمة ، فعقدت في رجله خيطا ، ومضيت مع القوم ، فلما رجعت ناديت من يعرف هذا الرجل ؟ فمر بي أناس من أهل اليمن ، فقالوا : هذا رجل من أهل اليمن من المسلمين ، فرجعت إلى المدينة زمن عمر ، فحدثته هذا الحديث ، فقال : قد أحسنت ، اذهب ، فإن عليك وعلى قومك الدية ، وعليك تحرير رقبة مؤمنة .

[ ص: 246 ] أولا ترى أن عمر في هذا الحديث قد قال لسلمة بن نعيم : عليك وعلى قومك الدية ؟ ولم يقل : على أقرب قومك إليك ممن هو عصبتك الدية .

وقد ذكر الشافعي فيما حكاه لنا المزني في مختصره قوله : إن عمر بعث إلى امرأة ففزعت ، وأجهضت ذا بطنها ، فاستشار عمر في ذلك عليا - رضي الله عنه - فقال : عليك ديته ، فقال : عزمت عليك أن تقوم حتى تقسمها على قومك ، وقوم علي بنو هاشم ، وقوم عمر بنو عدي .

فدل ذلك أنه أراد بتحميل الواجب في ذلك من كان من بني عدي ، وممن سواهم ، وفي ذلك ما قد دل على ما ذكرنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية