الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول الآيتين . أخرج ابن جرير ، وابن المنذر وأبو الشيخ ، عن جابر بن عبد الله، أن أبا [ ص: 90 ] سفيان خرج من مكة، فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أبا سفيان بمكان كذا وكذا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا، فاخرجوا إليه واكتموا" . فكتب رجل من المنافقين إلى أبي سفيان : إن محمدا يريدكم، فخذوا حذركم فأنزل الله : لا تخونوا الله والرسول الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن عبد الله بن أبي قتادة قال : نزلت هذه الآية : لا تخونوا الله والرسول في أبي لبابة بن عبد المنذر، سألوه يوم قريظة : ما هذا الأمر؟ فأشار إلى حلقه أنه الذبح، فنزلت . قال أبو لبابة : ما زالت قدماي حتى علمت أني خنت الله ورسوله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سنيد، وابن جرير ، عن الزهري في قوله : لا تخونوا الله والرسول الآية . قال : نزلت في أبي لبابة، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إلى حلقه أنه الذبح، فقال أبو لبابة : لا والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب الله علي . فمكث سبعة أيام لا يذوق طعاما ولا شرابا، حتى خر مغشيا [ ص: 91 ] عليه، ثم تاب الله عليه، فقيل له : يا أبا لبابة، قد تيب عليك . قال : لا والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني . فجاءه فحله بيده .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن الكلبي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا لبابة إلى قريظة، وكان حليفا لهم، فأومأ بيده؛ أي الذبح، فأنزل الله : يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة أبي لبابة : "ما شأنه؟ أيصلي، ويصوم، ويغتسل من الجنابة؟" . فقالت : إنه ليصلي، ويصوم، ويغتسل من الجنابة، ويحب الله ورسوله . فبعث إليه فأتاه فقال : يا رسول الله، والله إني لأصلي، وأصوم، وأغتسل من الجنابة، وإنما بهشت إلى النساء والصبيان فرققت لهم، ما زالت في قلبي حتى عرفت أني خنت الله ورسوله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ عن السدي : يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول قال : نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر، نسختها الآية التي في "براءة" : وآخرون اعترفوا بذنوبهم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ التوبة : 102] . وأخرج ابن مردويه عن عكرمة قال : لما كان شأن بني قريظة بعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم عليا فيمن كان عنده من الناس، فلما انتهى إليهم وقعوا في [ ص: 92 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس أبلق، فقالت عائشة : فلكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الغبار عن وجه جبريل، فقلت : هذا دحية يا رسول الله؟ قال : "هذا جبريل" . فقال : يا رسول الله، ما يمنعك من بني قريظة أن تأتيهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فكيف لي بحصنهم؟" . فقال جبريل : إني أدخل فرسي هذا عليهم . فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا معرورى، فلما رآه علي قال : يا رسول الله، لا عليك ألا تأتيهم فإنهم يشتمونك . فقال : "كلا إنها ستكون تحية" . فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال : "يا إخوة القردة والخنازير"، فقالوا : يا أبا القاسم، ما كنت فحاشا . فقالوا : لا ننزل على حكم محمد، ولكنا ننزل على حكم سعد بن معاذ . فنزل، فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بذلك طرقني الملك سحرا . فنزل فيهم : يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون نزلت في أبي لبابة، أشار إلى بني قريظة - حين قالوا : ننزل على حكم سعد بن معاذ- : لا تفعلوا فإنه الذبح . وأشار بيده إلى حلقه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : لا تخونوا الله قال : بترك فرائضه، والرسول بترك سنته وارتكاب [ ص: 93 ] معصيته : وتخونوا أماناتكم يقول : لا تنقضوها، والأمانة الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن المغيرة بن شعبة قال : نزلت هذه الآية في قتل عثمان .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ عن يزيد بن أبي حبيب في قوله : لا تخونوا الله والرسول هو الإخلال بالسلاح في المغازي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن مسعود قال : ما منكم من أحد إلا وهو يشتمل على فتنة؛ لأن الله يقول : إنما أموالكم وأولادكم فتنة [التغابن : 15] فمن استعاذ منكم فليستعذ بالله من مضلات الفتن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله : واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة قال : فتنة الاختبار؛ اختبرهم . وقرأ قول الله : ونبلوكم بالشر والخير فتنة [الأنبياء : 35] [ ص: 94 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية