الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء لا صلاة قبل العيد ولا بعدها

                                                                                                          537 حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود الطيالسي قال أنبأنا شعبة عن عدي بن ثابت قال سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين ثم لم يصل قبلها ولا بعدها قال وفي الباب عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وأبي سعيد قال أبو عيسى حديث ابن عباس حديث حسن صحيح والعمل عليه عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحق وقد رأى طائفة من أهل العلم الصلاة بعد صلاة العيدين وقبلها من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم والقول الأول أصح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب لا صلاة قبل العيدين ولا بعدها ) كذا في النسخ الموجودة . والظاهر أن يكون : ولا بعدهما بتثنية الضمير .

                                                                                                          قوله : ( لم يصل قبلها ولا بعدها ) أي قبل صلاة العيد ولا بعدها . قال الشيخ ابن الهمام : هذا النفي محمول على المصلى لخبر أبي سعيد الخدري : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يصلي قبل العيد شيئا فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين انتهى . قلت : حديث أبي سعيد هذا أخرجه ابن ماجه . وقد حسن الحافظ ابن حجر إسناده في فتح الباري ، وقال : صححه الحاكم . وقال الشوكاني في النيل بعد نقل تحسين الحافظ وتصحيح الحاكم ما لفظه : في إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل وفيه مقال انتهى .

                                                                                                          قلت : قال الذهبي في الميزان بعد ذكر ما فيه من كلام أئمة الجرح والتعديل ما لفظه : حديثه في مرتبة الحسن . وقال محمد بن عثمان العبسي الحافظ : سألت علي بن المديني عنه فقال : كان ضعيفا ، وقال البخاري في تاريخه : كان أحمد وإسحاق يحتجان به . انتهى . وقال الخزرجي في الخلاصة : قال الترمذي : صدوق ، سمعت محمدا يقول : كان أحمد وإسحاق والحميدي يحتجون بحديث ابن عقيل انتهى . فالظاهر ما قال الذهبي من أن حديث عبد الله بن محمد بن عقيل في مرتبة الحسن ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وأبي سعيد ) أما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه ابن ماجه بنحو حديث ابن عباس المذكور . وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أيضا ابن ماجه وقد تقدم ذكره آنفا ، وفي الباب أيضا عن علي عند البزار وعن ابن مسعود عند الطبراني في الكبير بلفظ : ليس من السنة الصلاة قبل خروج الإمام يوم العيد ، ورجاله ثقات . وعن كعب بن عجرة عند الطبراني في الكبير أيضا . وعن ابن أبي أوفى عنده فيه أيضا . وقد ذكر الشوكاني في النيل أحاديث هؤلاء مع الكلام عليها .

                                                                                                          [ ص: 73 ] قوله : ( حديث ابن عباس حديث حسن صحيح ) أخرجه الجماعة كذا في المنتقى .

                                                                                                          قوله : ( والعمل عليه عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم ، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق ) قال ابن قدامة : وهو مذهب ابن عباس وابن عمر . قال : وروي ذلك عن علي وابن مسعود وحذيفة وبريدة وسلمة بن الأكوع وجابر وابن أبي أوفى ، وقال به شريح وعبد الله بن مغفل ومسروق والضحاك والقاسم وسالم ومعمر وابن جريج والشعبي ومالك ، وروي عن مالك أنه قال : لا يتطوع في المصلى قبلها ولا بعدها . وله في المسجد روايتان ، وقال الزهري : لم أسمع أحدا من علمائنا يذكر أن أحدا من سلف هذه الأمة كان يصلي قبل تلك الصلاة ولا بعدها . قال ابن قدامة : وهو إجماع كما ذكرنا عن الزهري وعن غيره . انتهى كذا في النيل .

                                                                                                          قلت : يرد دعوى الإجماع ما حكى الترمذي بقوله : ( وقد رأى طائفة من أهل العلم الصلاة بعد صلاة العيدين وقبلها من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم ) روى ذلك العراقي عن أنس بن مالك وبريدة بن الحصيب ورافع بن خديج وسهل بن سعد وعبد الله بن مسعود وعلي بن أبي طالب وأبي برزة . قال : وبه قال من التابعين إبراهيم النخعي وسعيد بن جبير والأسود بن يزيد والحسن البصري وأخوه سعيد بن أبي الحسن وسعيد بن المسيب وصفوان بن محرز وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعروة بن الزبير وعلقمة والقاسم بن محمد ومحمد بن سيرين ومكحول وأبو بردة ، ثم ذكر من روى ذلك عن الصحابة المذكورين من أئمة الحديث ، قال : وأما أقوال التابعين فرواها ابن أبي شيبة وبعضها في المعرفة للبيهقي .

                                                                                                          ( والقول الأول أصح ) فإنه يدل عليه أحاديث الباب . وروى أحمد من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا : " لا صلاة يوم العيد قبلها ولا بعدها " . قال الشوكاني في النيل : إن صح هذا كان دليلا على المنع مطلقا ؛ لأنه نفي في قوة النهي . وقد سكت عليه الحافظ فينظر فيه انتهى .

                                                                                                          قلت : ويؤيده حديث أبي مسعود -رضي الله عنه- قال : ليس من السنة الصلاة قبل خروج الإمام يوم العيد ، رواه الطبراني في [ ص: 74 ] الكبير . قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد : رجاله ثقات .




                                                                                                          الخدمات العلمية