الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله : إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ؛ هذا وعيد شديد في التخلف عن الجهاد؛ وأعلم أنه يستبدل لنصر دينه ونبيه قوما غير مثاقلين عن النصر إلى أعدائه؛ إذ أعلمهم الله - عز وجل - أنهم إن تركوا نصره فلن يضره ذلك شيئا؛ كما لم يضرره إذ كان بمكة لا ناصرين له؛ فقال - عز وجل - : إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار ؛ وكان المشركون قد أجمعوا على قتله - صلى الله عليه وسلم -؛ فمضى هو وأبو بكر الصديق هاربا منهم في الليل؛ وترك عليا على فراشه ليروا شخصه على الفراش؛ فلا يعلموا وقت مضيه؛ وأطلعا أسماء بنت أبي بكر على مكانهما في الغار؛ ومر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ثمامة؛ وهي شجرة صغيرة ضعيفة؛ فأمر أبا بكر أن يأخذها معه؛ فلما صارا إلى الغار؛ أمر أبا بكر فجعلها على باب الغار؛ ثم سبق أبو بكر إلى دخول الغار فانبطح فيه؛ وألقى نفسه؛ فقال رسول الله : " لم فعلت ذلك؟ " ؛ فقال : " لأن هذه الغيران تكون فيها الهوام المؤذية؛ والسباع؛ فأحببت إن كان فيها شيء أن أقيك بنفسي يا رسول الله " ؛ ونظر أبو بكر إلى جحر في الغار فسده برجله؛ وقال : " إن خرج منه ما يؤذي وقيتك منه " ؛ فلما أصبح المشركون اجتازوا بالغار؛ فبكى أبو بكر الصديق؛ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما يبكيك؟ " ؛ فقال : " أخاف أن تقتل فلا يعبد الله بعد اليوم " ؛ فقال له رسول الله : " لا تحزن إن الله معنا " ؛ أي : إن الله (تعالى) يمنعهم منا؛ وينصرنا؛ [ ص: 449 ] فقال : " أهكذا يا رسول الله؟ " ؛ قال : " نعم " ؛ فرقأ دمع أبي بكر؛ وسكن؛ وقال المشركون - حين اجتازوا بالغار - : لو كان فيه أحد لم تكن ببابه هذه الثمامة؛ فأنـزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها ؛ أيده بملائكة يصرفون وجوه الكفار وأبصارهم عن أن يروه؛ وقوله : " سكينته عليه " ؛ يجوز أن تكون الهاء التي في عليه لأبي بكر؛ وجائز أن تكون ترجع على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الله - جل ثناؤه - ألقى في قلبه ما سكن به؛ وعلم أنهم غير واصلين إليه؛ فأعلم الله أنهم إن تركوا نصره؛ نصره كما نصره في هذه الحال؛ و " ثاني اثنين " ؛ منصوب على الحال؛ المعنى : " فقد نصره الله أحد اثنين " ؛ أي : نصره منفردا؛ إلا من أبي بكر - رضي الله عنه.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية