الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال رحمه الله ) وإذا أوصى بعتق عبده بعد موته أو قال : أعتقوه أو قال : هو حر بعد موتي بيوم وأوصى لإنسان بألف درهم تحاصا في الثلث ، وليس هذا من العتق الذي يبدأ به ، وإنما يبدأ به إذا قال : هو حر بعد موتي عنهما أو أعتقه في مرضه ألبتة أو قال : إن حدث لي حدث من مرضى هذا فهو حر فهذا يبدأ به قبل الوصية ، وكذلك كل عتق يقع بعد الموت بغير وقت ، فإنه يبدأ به قبل الوصية بلغنا عن ابن عمر وإبراهيم قالا : إذا كان وصية وعتق فإنه يبدأ بالعتق ، وكان المعنى فيه أن العتق الذي يقع بنفس الموت سببه يلزمه في حالة الحياة على وجه لا يحتمل الرجوع عنه بخلاف الوصية بالعتق فإنه يحتمل الرجوع عنه ، ولكن هذا لا يستقيم في قوله إن حدث لي حدث من مرضي هذا ، فإن هذا يحتمل الفسخ ببيع الرقبة .

ولو قال هو حر بعد موتي بيوم فإن سببه لا يحتمل الفسخ بالرجوع عنه ومع ذلك لا يكون مقدما على سائر الوصايا ، ولكن الحرف الصحيح أن يقول : ما يكون منفذا عقيب الموت من غير حاجة إلى التنفيذ فهو في المعنى أسبق مما يحتاج إلى تنفيذه بعد الموت ; لأن هذا بنفس [ ص: 7 ] الموت يتم والآخر لا يتم إلا بتنفيذ من الموصى بعد موت الموصي والترجيح يقع بالسبق يوضحه أن العتق المنفذ بعد الموت مستحق استحقاق الديون ، فإن صاحب الحق ينفرد باستيفاء دينه إذا ظفر بحبس حقه ، وههنا يصير مستوفيا حقه بنفس الموت ، والدين مقدم على الوصية فالعتق الذي هو في معنى الدين يقدم أيضا فأما ما يحتاج إلى تنفيذه بعد الموت ، فهو ليس في معنى الدين فيكون بمنزلة سائر الوصايا .

ولو أعتق أمته في مرضه فولدت بعد العتق قبل أن يموت الرجل أو بعد ما مات لم يدخل ولدها في الوصية ; لأنها ولدت ، وهي حرة ، وهذا التعليل مستقيم على أصلهما ; لأن المستسعاة عندهما حرة عليها دين ، والعتق في المرض نافذ عندهما كسائر التصرفات ، وكذلك عند أبي حنيفة إن كانت تخرج من ثلثه ، وإن كان الثلث أكثر من قيمتها فعليها السعاية فيما زاد على الثلث وتكون بمنزلة المكاتبة ما دامت تسعى وحق الغرماء والورثة لا يثبت في ولد المكاتبة ; لأن الثلث والثلثين لا يعتبر من رقبتها إنما يعتبر من بدل الكتابة فلا يثبت حق المولى في ولدها حتى يعتبر خروج الولد من الثلث ، فإن ماتت قبل أن تؤدي ما عليها من السعاية كان على ولدها أن يسعى فيما على أمه في قياس قول أبي حنيفة بمنزلة ولد المكاتبة وعندهما لا شيء على الولد ; لأنه حر فلا يلزمه السعاية في دين أمه بعد موتها .

ولو دبر عبدا له قال : إن حدث لي حدث من مرضي هذا فأنت حر ، ثم مات من مرضه تحاصا في الثلث ; لأنهما استويا في معنى الاستحقاق بعد الموت على معنى أن كل واحد منهما في مرض موته فيتحاصان في الثلث .

ولو أوصى لعبده بدراهم مسماة أو بشيء من ماله مسمى لم تجز كما لو وهب له في حال حياته ، وهذا ; لأن الكسب يملك الرقبة ففي حياته الملك له في الموصى به ، والموصى له بعد موته الملك لورثته في جميع ذلك فهذه الوصية لا تفيد شيئا ، والعقود الشرعية لا تنعقد خالية عن فائدة .

قال : ولو أوصى له ببعض رقبته عتق ذلك المقدار ، وسعى في الباقي في قول أبي حنيفة بمنزلة ما لو وهب له بعض رقبته في حياته ; لأن العتق عند أبي حنيفة يتجزأ .

ولو أوصى له برقبته كلها عتق من الثلث وكذلك لو وهب له رقبته أو تصدق بها عليه في مرضه عتق من الثلث .

ولو أوصى له بثلث ماله جاز ; لأن هذه الوصية تتناول ثلث رقبته فإن رقبته من ماله فيعتق ذلك القدر منه بالموت ويصير عندهما حرا ، وعند أبي حنيفة بمنزلة المكاتب فتصح الوصية له بالمال فإذا بقي له من الثلث شيء أكمل له ذلك من رقبته ، وأعطي ما فضل على ذلك إن كان في المال ، وإن كان في قيمته فضل على الثلث سعى فيه للورثة بعد موته

التالي السابق


الخدمات العلمية