الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب القسط للحادة عند الطهر

                                                                                                                                                                                                        5027 حدثني عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن حفصة عن أم عطية قالت كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ولا نكتحل ولا نطيب ولا نلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب وقد رخص لنا عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نبذة من كست أظفار وكنا ننهى عن اتباع الجنائز

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله ( باب القسط للحادة عند الطهر ) أي عند طهرها من المحيض إذا كانت ممن تحيض .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( كنا ننهى ) بضم أوله ، وقد صرح برفعه في الباب الذي بعده .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( ولا نلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ) بمهملتين مفتوحة ثم ساكنة ثم موحدة وهو بالإضافة وهي برود اليمن يعصب غزلها أي يربط ثم يصبغ ثم ينسج معصوبا فيخرج موشى لبقاء ما عصب به أبيض لم ينصبغ ، وإنما يعصب السدى دون اللحمة . وقال صاحب " المنتهى " العصب هو المفتول من برود اليمن . وذكر أبو موسى المدني في " ذيل الغريب " عن بعض أهل اليمن أنه من دابة بحرية تسمى فرس فرعون يتخذ منها الخرز وغيره ويكون أبيض ، وهذا غريب ، وأغرب منه قول السهيلي : إنه نبات لا ينبت إلا باليمن وعزاه لأبي حنيفة الدينوري ، وأغرب منه قول الداودي : المراد بالثوب العصب الخضرة وهي الحبرة ، وليس له سلف في أن العصب الأخضر ، قال ابن المنذر : أجمع العلماء على أنه لا يجوز للحادة لبس الثياب المعصفرة ولا المصبغة ، إلا ما صبغ بسواد فرخص فيه مالك والشافعي لكونه لا يتخذ للزينة بل هو من لباس الحزن ، وكره عروة العصب أيضا ، وكره مالك غليظه . قال النووي : الأصح عند أصحابنا تحريمه مطلقا ، وهذا الحديث حجة لمن أجازه ، وقال ابن دقيق العيد : يؤخذ من مفهوم الحديث جواز ما ليس بمصبوغ وهي الثياب البيض ، ومنع بعض المالكية المرتفع منها الذي يتزين به ، وكذلك الأسود إذا كان مما يتزين به ، قال النووي : ورخص أصحابنا فيما لا يتزين به ولو كان مصبوغا . واختلف في الحرير فالأصح عند الشافعية منعه مطلقا مصبوغا أو غير مصبوغ ، لأنه أبيح للنساء للتزين به والحادة ممنوعة من التزين فكان في حقها كالرجال ، وفي التحلي بالذهب والفضة وباللؤلؤ ونحوه وجهان الأصح جوازه ، وفيه نظر من جهة المعنى في المقصود بلبسه ، وفي المقصود بالإحداد ، فإنه عند تأملها يترجح المنع والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وقد رخص لنا ) بضم أوله أيضا وقد صرح برفعه في الباب الذي بعده .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها ) في رواية الكشميهني " حيضها " وفي الذي بعده " ولا تمس طيبا إلا أدنى طهرها إذا طهرت " .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( في نبذة ) بضم النون وسكون الموحدة بعدها معجمة أي قطعة ، وتطلق على الشيء اليسير .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 402 ] قوله ( من كست أظفار ) كذا فيه بالكاف وبالإضافة ، وفي الذي بعده " من قسط وأظفار " بقاف وواو عاطفة وهو أوجه ، وخطأ عياض الأول ، وقد تقدم بيانه في كتاب الحيض . وقال بعده " قال أبو عبد الله " وهو البخاري " القسط والكست مثل الكافور والقافور " أي يجوز في كل منهما الكاف والقاف وزاد القسط أنه يقال بالتاء المثناة بدل الطاء ، فأراد المثلية في الحرف الأول فقط . قال النووي : القسط والأظفار نوعان معروفان من البخور وليسا من مقصود الطيب ، رخص فيه للمغتسلة من الحيض لإزالة الرائحة الكريهة تتبع به أثر الدم لا للتطيب . قلت : المقصود من التطيب بهما أن يخلطا في أجزاء أخر من غيرهما ثم تسحق فتصير طيبا ، والمقصود بهما هـنا كما قال الشيخ أن تتبع بهما أثر الدم لإزالة الرائحة لا للتطيب ، وزعم الداودي أن المراد أنها تسحق القسط وتلقيه في الماء آخر غسلها لتذهب رائحة الحيض ، ورده عياض بأن ظاهر الحديث يأباه ، وأنه لا يحصل منه رائحة طيبة إلا من التبخر به ، كذا قال وفيه نظر ، واستدل به على جواز استعمال ما فيه منفعة لها من جنس ما منعت منه إذا لم يكن للتزين أو التطيب كالتدهن بالزيت في شعر الرأس أو غيره .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية