الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال رحمه الله ) : وإذا كان للرجل خمس بنين فأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم وثلث ما بقي من الثلث فالفريضة من أحد وخمسين سهما لصاحب النصيب ثمانية أسهم ولصاحب ثلث ما بقي ثلاثة ولكل ابن ثمانية فتخريج المسألة على طريق الكتاب أن نقول : السبيل [ ص: 51 ] أن يأخذ كل واحد من الخمسة البنين ثمانية ، وتزيد على ذلك سهما بثمانية ; لأنه أوصى له بمثل نصيب أحدهم ، ومثل الشيء غيره ، ثم يضرب بعد ذلك في ثلاثة لأجل وصيته له بثلث ما بقي من الثلث فيكون ثمانية عشر ، ثم تطرح السهم الذي زدته بقي سبعة عشر فهو الثلث والثلثان ضعف ذلك فيكون جميع المال أحدا وخمسين ، إنما طرحنا هذا السهم الزائد لتبيين مقدار الثلث والثلثين ، ولا وصية في الثلثين فلا يمكن اعتبار السهم الزائد فيه ; فلهذا طرحناه فإذا عرفت أن ثلث المال سبعة عشر فطريق معرفة النصيب من ذلك أن تأخذ النصيب ، وهو واحد وتضربه في ثلاثة ، ثم في ثلاثة فيكون تسعة ، ثم تطرح من ذلك سهما كما طرحت في الابتداء يبقى ثمانية ، فهو النصيب فإذا رفعت ذلك من سبعة عشر يبقى تسعة فللموصى له ثلث ما يبقى ، وثلث ذلك ثلاثة يبقى ستة نضيفها إلى ثلثي المال ، وذلك أربعة وثلاثون فيكون أربعين بين خمسة بنين لكل ابن ثمانية مثل النصيب فاستقام ، والعامة يسمون هذا طريق الحشو على معنى أن محمدا رحمه الله حشا به كتبه والحساب يسمونه طريق اليتم ، واليتم هو الأصل ولكن كل ما يعتمدونه في كتب الحساب لكثرة ما يقع فيه من الاختلاف ، ويحتاج إلى تغيير بعض الشرط في كل نوع فزعموا أن الطريق الذي أحكم فيه شرط واحد يخرج عليه أنواع المسائل أولى بالتأمل ، وأرادوا بذلك الطريق الجبر .

فأما المتقدمون من أصحابنا فاختاروا هذا الطريق ; لأنه أليق بكلام الفقهاء وطريق الدينار والدرهم يعتمده أهل الحساب ، وهو في المعنى مثل طريق الجبر ولكنه أقرب إلى فهم من يكون مبتدئا في علم الحساب ، وبيان تخريج المسألة عليه : أن يجعل ثلث المال دينارا أو ثلاثة دراهم لحاجتك إلى الحساب إذا رفعت منه النصيب يكون لما بقي ثلث صحيح فيعطي بالوصية بالنصيب دينارا وبالوصية بثلث ما يبقى درهما يبقي من الثلاثة درهما يضم ذلك إلى ثلثي المال ، وهو دينار أو ستة دراهم فحصل في يدك ديناران وثلاثة دراهم وحاجتك إلى خمسة دنانير ; لأنك جعلت النصيب دينارا فينبغي أن يكون لكل ابن دينار فتجعل الدنانير مثلها قصاصا يبقى في يدك ثمانية دراهم تعدل بعدل ثلاثة دنانير فاقلب الفضة فاجعل آخر الدراهم آخر الدنانير ، وآخر الدنانير آخر الدراهم ، فصار كل دينار بمعنى ثمانية ، وكل درهم بمعنى ثلاثة ، ثم عد إلى الأصل ، وقل قد جعلت الثلث دينارا وذلك ثمانية وثلاثة دراهم فجملته سبعة عشر أعطينا بالنصيب دينارا ، وهو ثمانية وثلث فثلث يبقى درهم ، وهو ثلاثة ، وحصل في يد الورثة ديناران كل دينار ثمانية فذلك ستة عشر وثمانية دراهم كل درهم بثلاثة فذلك أربعة وعشرون إذا جمعت بينهما يكون الكل أربعين بين خمسة بنين لكل [ ص: 52 ] ابن ثمانية مثل النصيب .

وأما طريق الجبر والمقابلة ، وهو الذي يعتمده الحساب فهي أن تأخذ ثلث مال مجهول فتعطي بالوصية بالنصيب شيئا يبقى معك ثلث مال إلا شيء فتعطي بالوصية بثلث ما بقي ثلث ذلك ، وذلك تسع مال إلا ثلث شيء يبقى من الثلث في يدك تسعا مال إلا ثلثا شيء يضم ذلك إلى ثلثي المال فيصير ثمانية أتساع مال إلا ثلثي شيء ، وذلك يعدل خمسة أشياء ; لأنا جعلنا النصيب شيئا فينبغي أن يكون لكل ابن شيء فاجبر ثمانية أتساع مال بثلثي شيء ، وزد على ما يقابله ، وهو خمسة أشياء ثلثي شيء فصار معنا ثمانية أتساع مال يعدل خمسة أشياء وثلث شيء غير أن المال ناقص تسعه ، وهو ثمن ما معنا فزيد عليه مثل ثمنه ويزيد على خمسة أشياء وثلثي شيء مثل ثمنه أيضا ، وليس لذلك ثمن صحيح فانكسر بالأثمان فاضرب خمسة أشياء وثلثي شيء في ثمانية فيكون خمسة ، وأربعين وثلثا ; لأن خمسة في ثمانية بأربعين وثلثين في ثمانية بخمسة وثلث زد على ذلك مثل ثمنه وذلك خمسة وثلثان فيكون أحدا وخمسين فظهر أن المال الكامل أحد وخمسون فالثلث من ذلك سبعة عشر ، ومعرفة النصيب أنا جعلنا النصيب شيئا وضربنا كل شيء في ثمانية فتبين أن النصيب ثمانية إذا رفعتها من سبعة عشر بقي تسعة للموصى له بثلث ما يبقى ثلاثة بقي ستة تضمها إلى ثلثي المال أربعة وثلاثين فيكون أربعين بين خمسة بنين لكل ابن ثمانية مثل النصيب .

فأما بيان طريق الخطائين وتسمى طريق التقدير أيضا أن يجعل الثلث أربعة أسهم ، ويعطي بالوصية بالنصيب سهما ، وبالوصية بثلث ما يبقى سهما يبقى سهمان يضمهما إلى ثلثي المال ثمانية يكون عشرة وحاجة البنين إلى خمسة ; لأنا جعلنا النصيب سهما فظهر الخطأ بالزيادة خمسا فعد إلى الأصل واجعل الثلث خمسة أسهم ، ثم أعط بالنصيب سهمين وبثلث ما يبقى سهما يبقى من الثلث سهمان ضمهما إلى ثلثي المال عشرة كان اثني عشر وحاجتنا إلى عشرة إلا أنا جعلنا النصيب سهمين فظهر الخطأ الثاني بزيادة سهمين وكان الخطأ الأول بالزيادة خمسا فلما زدنا سهما أذهب الخطأ بثلثه وبقي من الخطأ سهمان ، وقد علمنا أن كل سهم يؤثر في ثلثه فالسبيل أن يزيد ما يذهب الخطأ سهمين وذلك ثلثا سهم فيجعل الثلث خمسة وثلاثين يعطي بالنصيب سهمين وثلثين وثلث ما يبقى سهم ويضم السهمين الباقيين إلى ثلثي المال ، وهو أحد عشر وثلث فيصير ثلاثة عشر وثلث بين خمسة بنين لكل ابن سهمان وثلثان مثل النصيب فإن أردت تصحيح الحساب قلت قد انكسر بالأثلاث والسبيل أن يضرب خمسة وثلاثين في ثلثه فيصير سبعة عشر فهو الثلث ، وقد كان النصيب سهمين وثلثين ضربت ذلك في ثلثه فهو [ ص: 53 ] ثمانية وكان المقسوم بين البنين الخمسة ثلاثة عشر وثلثا ضربت ذلك في ثلاثة فيكون أربعة بين خمسة بنين لكل ابن ثمانية مثل النصيب وطريق الجامع الأصغر ، وهو من فروع الخطأين ، وهو أنه لما ظهر أن الخطأ الأول كان بزيادة خمسة والخطأ الثاني كان بزيادة سهمين فاضرب المال الأول ، وهو أربعة في الخطأ الثاني ، وهو سهمان فذلك ثمانية ، واضرب المال الثاني ، وذلك خمسة في الخطأ الأول ، وهو خمسة فيكون خمسة وعشرين ، ثم اطرح الأقل من الأكثر ، فإذا طرحت ثمانية من خمسة وعشرين بقي سبعة عشر فهو ثلث المال .

ومعرفة النصيب أن يأخذ النصيب الأول ، وهو واحد ويضربه في الخطأ الثاني فيكون اثنين ويأخذ النصيب الثاني ، وذلك اثنان يضربهما في الخطأ الأول ، وهو خمسة يكون عشرة ، ثم اطرح الأقل من الأكثر يبقى ثمانية ، وهو النصيب والتخريج إلخ كما بينا وطريق الجامع الأكبر ، وهو من فروع الخطأين أيضا أنه لما ظهر أن الخطأ الأول كان بزيادة خمسة فالسبيل أن تضعف المال سوى النصيب فيكون الثلث سبعة أعط بالنصيب سهما يبقى ستة للموصى له بثلث ما يبقى ثلث ذلك سهمان يبقى أربعة يضم ذلك إلى ثلثي المال أربعة عشر فيكون ثمانية عشر ، وحاجتنا إلى خمسة ; لأنا جعلنا النصيب سهما فظهر الخطأ الثاني بزيادة ثلاثة عشر فيضرب المال الأول ، وهو الأربعة في الخطأ الثاني ، وهو ثلاثة عشر فيكون اثنين وخمسين فيضرب المال الثاني ، وهو سبعة في الخطأ الأول وخمسة فيكون خمسة وثلاثين ، ثم اطرح الأقل من الأكثر فإذا طرحت خمسة وثلاثين من اثنين وخمسين يبقى سبعة عشر فهو ثلث المال .

ومعرفة النصيب أن يطرح أقل الخطأين من أكثرهما بلا ضرب ، وأقل الخطأين خمسة ، وأكثرهما ثلاثة عشر فإذا طرحت خمسة من ثلاثة عشر بقي ثمانية فهو النصيب والتخريج إلى آخره كما ذكرنا .

وطريق السطوح ، وهو برهان الجبر بعمل المهندسين أن تأخذ مربعا مستوي الأضلاع والزوايا فتخط في طوله خطين فيصير ثلاثة سطوح ، ثم في عرضه ثلاثة خطوط فيصير في كل سطح أربعة ، ثم تبدأ بالسطح الذي على يمينك وتدفع البيت الأول من النصيب وتتم ذلك وتدفع البيت الثاني منه بثلث ما يبقى وسم ذلك قطعة بقي من هذا السطح بيتان هما قطعتان ، وتجمعهما إلى السطحين الآخرين فيكون ذلك نصيبين وثمان قطاع وحاجتنا إلى خمسة أنصباء فيعطي نصيبين إلى اثنين ، ويبقي ثمان قطاع بين ثلاثة بنين لكل ابن قطعتان وثلثا قطعة فظهر أن النصيب بمعنى قطعتين وثلثي قطعة ، وإنا حين أعطينا الموصى له النصيب بيتا كان ذلك بمعنى قطعتين وثلثي قطعة ، وإن الذي [ ص: 54 ] حصل في يد الورثة نصيبان كل نصيب قطعتان وثلثا قطعة فذلك خمسة قطاع مع ثمان قطاع فيكون ثلاثة عشر قطعة وثلث قطعة بين خمسة بنين لكل ابن قطعتان وثلثا قطعة مثل ما أعطينا بالنصيب فاستقام ، وهذا صورته ، ثم الحاصل بعد هذا أن تخرجها على طريق الكتاب وعلى طريق الجبر ، وهو الأصل عند أهل الحساب وتدع ما سوى ذلك للتحرز عن التطول والاشتغال بما ليس فيه كبير فائدة

التالي السابق


الخدمات العلمية