الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 280 ] 975 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله لسائله إنه سعى قبل أن يطوف : لا حرج .

6015 - حدثنا موسى بن هارون البردي ، حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن أبي إسحاق يعني الشيباني ، عن زياد بن علاقة . عن أسامة بن شريك قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم حاجا ، فكان ناس يأتونه ، فمن قائل له : يا رسول الله ، سعيت قبل أن أطوف ، وأخرت شيئا ، وقدمت شيئا ، فكان يقول : لا حرج ، لا حرج ، إلا رجل اقترض عرض مسلم ، وهو ظالم له ، فذلك إلى حرج وهلك .

[ ص: 281 ] وهذه مسألة من الفقه أكثر أهلها يقولون فيها : إن السعي بين الصفا والمروة قبل الطواف بالبيت لا يجزئ الساعي ، وإنه كمن لم يسع [ ص: 282 ] وهذا قول عامة فقهاء الأمصار من أهل الحجاز ، وأهل المدينة ، ومن أهل العراق ، ولا نعلم لهم مخالفا في ذلك غير الأوزاعي ، فإنه قد روي عنه في ذلك : أن السعي يجزئ الذي سعاه ، وأنه ليس عليه أن يعيده بعد طوافه بالبيت ، وقد روي مثل ذلك ، عن عطاء بن أبي رباح .

ثم رجعنا إلى فقهاء الأمصار الذين ذكرنا غير عطاء ، وغير الأوزاعي ، فوجدناهم يختلفون في القارن إذا حلق رأسه قبل أن يذبح هديه الذي يجزئه عن قرانه ; فيقول أبو حنيفة ، ومالك ، وزفر : إن عليه لما فعل ذلك الفدية ; لأنه حلق قبل أن يحل له الحلق .

وكان أكثرهم كأبي يوسف ، ومحمد ، والشافعي يقولون : لا شيء عليه في ذلك ، ويحتجون لقولهم في ذلك بما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك .

6016 - كما حدثنا بكار بن قتيبة ، حدثنا أبو أحمد ، حدثنا سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، عن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ربيعة ، عن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن أبي رافع .

عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل ، فقال : يا رسول الله إني أفضت قبل أن أحلق . قال : فاحلق ولا حرج . قال : وجاءه آخر فقال : إني ذبحت قبل أن أرمي قال : ارم ولا حرج .

[ ص: 283 ]

6017 - وكما حدثنا علي بن شيبة ، حدثنا يحيى بن يحيى ، حدثنا هشيم ، عن منصور يعني ابن زاذان ، عن عطاء .

عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عمن حلق قبل أن يذبح ، أو ذبح قبل أن يحلق قال : لا حرج ، لا حرج .

[ ص: 284 ]

6018 - وحدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا المعلى بن أسد ، حدثنا وهيب بن خالد ، عن ابن طاووس ، عن أبيه .

عن ابن عباس - رضي الله عنه - ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له يوم النحر ، وهو بمنى في النحر ، والحلق ، والرمي ، والتقديم ، والتأخير ، فقال : لا حرج .

6019 - وحدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا حبان بن هلال ، حدثنا [ ص: 285 ] وهيب ، عن ابن طاووس ، عن أبيه .

عن ابن عباس قال : ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ عمن قدم شيئا قبل شيء إلا قال : لا حرج ، لا حرج .

6020 - وما قد حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب : أن مالكا ، ويونس حدثاه عن ابن شهاب ، عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله .

عن عبد الله بن عمرو أنه قال : وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع للناس يسألونه ، فجاءه رجل ، فقال : يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح قال : اذبح ولا حرج ، فجاءه آخر ، فقال : يا رسول الله لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي قال : ارم ولا حرج قال : فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال : افعل ولا حرج .

[ ص: 286 ]

6021 - وكما حدثنا يونس ، حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن عيسى بن طلحة .

عن عبد الله بن عمرو قال : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : حلقت قبل أن أذبح قال : اذبح ولا حرج ، وقال آخر : ذبحت قبل أن أرمي قال : ارم ولا حرج .

6022 - وما قد حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني أسامة بن زيد : أن عطاء بن أبي رباح حدثه .

أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله يعني [ ص: 287 ] أنه وقف للناس عام حجة الوداع يسألونه ، فجاء رجل ، فقال : لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي قال : ارم ولا حرج ، قال آخر : يا رسول الله لم أشعر حلقت قبل أن أذبح . قال : اذبح ولا حرج . فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال : افعل ولا حرج .

قال أبو جعفر : فكان ما في هذه الآثار لا حجة للمحتج بها على من خالفه ممن يقول : على القارن إذا حلق قبل أن يذبح الفدية ; إذ كان الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك قد يكون غير قارن ، فيكون ذلك الذبح ذبحا غير واجب ، ويكون ما فعل من ذلك قد فعله ولا شيء [ ص: 288 ] يمنعه منه ، ويكون قول النبي صلى الله عليه وسلم : لا حرج في ذلك أي لا إثم عليك فيه ، وإن كان قارنا ، فكان لا إثم عليه فيه لم يمنع ذلك أن يكون عليه مع ارتفاع الإثم عنه فدية ; لأنه فعل ما فعله منه ولا يشعر أن الأولى به غير ما فعله منه ، فيكون الحرج مرفوعا عنه في ذلك ، وتكون الفدية عليه كما في حديث أسامة بن شريك من جواب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : سعيت قبل أن أطوف بأن قال : لا حرج . لم يمنع من أنه يطوف ، ثم يعيد السعي بعد ذلك ، وإذا كان ذلك كذلك فيما ذكرناه في حديث أسامة هذا لم يكن منكرا أن يكون مما في الأحاديث الأخر التي فيها رفع الحرج لا يمنع أن يكون مع ذلك وجوب الفدية فيه على فاعليه .

ومما يشد ذلك أن ابن عباس أحد من روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد قال بعد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى .

ما قد حدثنا نصر بن مرزوق ، حدثنا الخصيب بن ناصح ، حدثنا وهيب ، عن أيوب ، عن سعيد بن جبير .

عن ابن عباس .

وما قد حدثنا علي بن شيبة ، حدثنا يحيى بن يحيى ، حدثنا أبو الأحوص ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد .

عن ابن عباس قال : من قدم شيئا من حجه وأخر فليهرق دما [ ص: 289 ] فدل ذلك على أن قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذكرنا لا حرج لا يمنع أن يكون على من رفع عنه ذلك الحرج الفدية التي قالها لمن قالها ممن ذكرنا في هذا الباب ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية