الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          . 945 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          وأي الأبوين الكافرين أسلم ؟ فكل من لم يبلغ من أولادهما مسلم بإسلام من أسلم منهما - الأم أسلمت أو الأب - وهو قول عثمان البتي ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، والحسن بن حي ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم كلهم .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك ، وأبو سليمان : لا يكونون مسلمين إلا بإسلام الأب ، لا بإسلام الأم .

                                                                                                                                                                                          وقال بعض فقهاء المدينة : لا يكونون مسلمين إلا بإسلام الأم ، وأما بإسلام الأب فلا ; لأنهم تبع للأم في الحرية ، والرق لا للأب .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : ما نعلم لمن جعلهم بإسلام الأب خاصة مسلمين حجة أصلا ، ونسألهم عن قولهم في ابن المسلمة من زنا استكراه فمن قولهم : إنه مسلم بإسلامها وهذا ترك منهم لقولهم ، ووافقونا أنه إن أسلم الأبوان ، أو أحدهما ، ولهما بنون وبنات قد بلغوا مبلغ الرجال والنساء فإنهم على دينهم لا يجبرون على الإسلام - وبه نقول لقول الله تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } والبالغ مخاطب قد لزمه حكم الكفر أو الذمة ، وليس غير البالغ مخاطبا كما قدمنا قال مالك : نعم ، ولو كان الولد حزورا قد قارب البلوغ ولم يبلغ فهو على دينه .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وهذا خطأ فاحش ; لأنه ليس بالغا ، وما لم يكن بالغا فحكمه حكم من لم يبلغ لا من بلغ - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          وأما من قاس الدين على الحرية والرق فالقياس كله باطل قال الله تعالى : { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } .

                                                                                                                                                                                          فصح أنه لا يجوز تبديل دين الإسلام لأحد ولا يترك أحد يبدله إلا من أمر الله تعالى بتركه على تبديله فقط ، وقال تعالى : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } ، [ ص: 383 ] فصح أنه لا يجوز أن يقبل في الدنيا ولا في الآخرة دين من أحد غير دين الإسلام إلا من أمر الله تعالى بأن يقبل منه ويقر عليه .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما من مولود يولد إلا على هذه الملة حتى يبين عنه لسانه } فصح أنه لا يكون أحد إلا على الإسلام حتى يعبر عن نفسه ; فمن أذن الله تعالى في إقراره على مفارقة الإسلام الذي ولد عليه أقررناه ، ومن لا لم نقره على غير الإسلام .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم نا حاجب بن الوليد نا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما من مولود إلا يولد على الفطرة أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحس فيها من جدعاء } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : فصح أنه لا يترك أحد على مخالفة الإسلام إلا من اتفق أبواه على تهويده ، أو تنصيره ، أو تمجيسه فقط ، فإذا أسلم أحدهما فلم يمجسه أبواه ، ولا نصراه ، ولا هوداه فهو باق على ما ولد عليه من الإسلام ولا بد بنص القرآن والسنة .

                                                                                                                                                                                          وقد وهل قوم في هذه الآية وهذه الأخبار وهي بينة وهي العهد الذي أخذه الله تعالى على الأنفس حين خلقها كما قال تعالى : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين }

                                                                                                                                                                                          وقد اختلف قول عطاء في هذا . فمرة قال كقولنا : إنه مسلم بإسلام أي أبويه أسلم .

                                                                                                                                                                                          ومرة قال : هم مسلمون بإسلام أمهم لا بإسلام أبيهم . [ ص: 384 ]

                                                                                                                                                                                          ومرة قال : أيهما أسلم ورثا جميعا من مات من صغار ولدهما وورثهما صغار ولدهما .

                                                                                                                                                                                          روينا هذه الأقوال كلها عن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عنه - روينا عن شعبة عن الحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان أنهما قالا جميعا في الصغير يكون أحد أبويه مسلما فيموت : إنه يرثه المسلم ويصلى عليه .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق معمر عن عمرو والمغيرة قال عمرو : عن الحسن ، وقال المغيرة : عن إبراهيم النخعي قالا جميعا في نصرانيين بينهما ولد صغار فأسلم أحدهما : إن أولاهما بهم المسلم يرثهم ويرثونه .

                                                                                                                                                                                          وقال الأوزاعي : إن أسلم جد الصغير ، أو عمه فهو مسلم بإسلام أيهما أسلم ، وقال سليمان بن موسى : الأمر فيما مضى في أولينا الذي يعمل به ولا يشك فيه ونحن عليه الآن أن النصرانيين بينها ولد صغار فأسلمت الأم ورثته كتاب الله تعالى وما بقي فللمسلمين ، فإن كان أبواه نصرانيين وهو صغير وله أخ من أم مسلم ، أو أخت مسلمة ورثه أخوه ، أو أخته كتاب الله ، ثم كان ما بقي للمسلمين . روينا هذا عنه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج : أنه سمع سليمان بن موسى يقول هذا لعطاء ، وسليمان فقيه أهل الشام أدرك التابعين الأكابر . ولسنا نراه مسلما بإسلام جد ، ولا عم ، ولا أخ ، ولا أخت ، إذا اجتمع أبواه على تهويده ، أو تنصيره ، أو تمجيسه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية