الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 290 ] 976 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره بالدعاء الجامع .

6023 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا يزيد بن عبد ربه ، حدثنا بقية بن الوليد ، حدثني شعبة ، حدثني جبر بن حبيب قال : نزلت على فاطمة ابنة أبي بكر بالمدينة ، فحدثتني .

عن عائشة قالت دخل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا أصلي ، فكلمه بكلام كأنه كره أن أسمعه ، فقال : عليك بالجوامع الكوامل ، فذكر هذا الكلام ، قالت عائشة : فأتيته ، فقلت : ما قولك " الجوامع الكوامل " ؟ فقال : قولي اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله ، وآجله ما علمت منه وما لم أعلم ، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت وما لم أعلم ، وأسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ، وأسألك من الخير الذي سألك عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم ، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل ، وأعوذ بك مما استعاذ منه عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم ، وأسألك ما قضيت لي من أمر أن تجعل عاقبته رشدا .

[ ص: 291 ]

6024 - وحدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا النضر بن شميل ، أخبرنا شعبة ، أخبرنا جبر بن حبيب قال : سمعت أم كلثوم بنت علي تحدث عن عائشة - رضي الله عنها - أن أبا بكر - رضي الله عنه - دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ليكلمه ، وعائشة تصلي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عائشة ، قولي : اللهم إني أسألك من الخير كله ، ثم ذكر بقية الحديث الدعاء الذي فيه .

[ ص: 292 ] فاختلف بقية والنضر على شعبة في المرأة التي هذا الحديث عنها ; فقال بقية في حديثه : هي فاطمة بنت أبي بكر ، وقال النضر في حديثه هي أم كلثوم بنت علي ، فإن تك فاطمة المذكورة في هذا الحديث هي ابنة أبي بكر فهي التي كان أبو بكر قال لعائشة في مرض موته : ذو بطن ابنة خارجة قد ألقي في قلبي أنها جارية ، فولدت بعد موته .

ثم تأملنا ما اختلف فيه النضر بن شميل وبقية بن الوليد على شعبة في المرأة التي بين جبر بن حبيب وبين عائشة في هذا الحديث على ما ذكرنا اختلافهما عنه فيه لنقف على الحقيقة في ذلك كيف هي إن شاء الله تعالى ؟

6025 - فوجدنا بكار بن قتيبة قد حدثنا قال : حدثنا أبو عمر الضرير ، أخبرنا حماد بن سلمة .

6026 - ووجدنا إبراهيم بن مرزوق قد حدثنا قال : حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا حماد بن سلمة قال بكار في حديثه : عن جبر بن حبيب ، وقال إبراهيم في حديثه : قال : أخبرنا جبر بن حبيب ، ثم اجتمعا ، فقالا ، عن أم كلثوم بنت أبي بكر - رضي الله عنه - عن عائشة - رضي الله عنها - .

قال بكار في حديثه : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول وقال إبراهيم في حديثه : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا هذا الدعاء ، ثم ذكرا جميعا الدعاء [ ص: 293 ] الذي في حديثي النضر وبقية سواء .

فقوي في القلوب أن الصواب فيما اختلف فيه النضر وبقية عن شعبة في اسم هذه المرأة : أنها ابنة أبي بكر ، لا ابنة علي .

وقوى ذلك أيضا :

6027 - ما قد حدثنا بكار ، حدثنا أبو عوانة ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن سعيد الجريري ، عن أم كلثوم ابنة أبي بكر .

عن عائشة - رضي الله عنها - مثل ذلك .

6028 - وقد روى أبو نعامة هذا الحديث عن جبر ، فخالف شعبة وحمادا [ ص: 294 ] فيه ، فقال مكان أم كلثوم ، عن القاسم كما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا عثمان بن عمر ، حدثنا أبو نعامة ، عن جبر بن حبيب ، عن القاسم ، عن عائشة .

أن أبا بكر استأذن على عائشة ، وهي تصلي ، فجعلت تصفق ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي على ذلك قال : ما يمنعك أن تأخذي بجوامع العلم وفواتحه ؟ قالت : وما جوامعه وفواتحه ؟ قال : تقولين ، ثم ذكر الدعاء هذا بعينه .

6029 - وحدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا الأسود بن شيبان ، عن أبي نوفل بن أبي عقرب قال : قالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الجوامع من الدعاء ، ويدعو بما بين ذلك .

قال أبو جعفر : فتأملنا الجوامع من الدعاء والتقديم لها على ما [ ص: 295 ] سواها من الدعاء ، فكان ذلك عندنا - والله أعلم - على مراده التعجيل لعمل الخير خوف ما يقطع عنه مما لا يؤمن على الناس ، فأمر بالجوامع من الدعاء لذلك ، كمثل ما أمر به الناس في الحج أن يتعجلوا إليه خوف ما يقطعهم عن ذلك .

6030 - كما حدثنا فهد ، حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، حدثنا أبو إسرائيل ، عن فضيل بن عمرو ، عن سعيد بن جبير .

عن ابن عباس الفضل ، أو عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه كان كذلك ، قال : من أراد الحج منكم فليتعجل ، فإنه قد تضل الضالة ، ويمرض المريض ، أو تبدو الحاجة .

[ ص: 296 ]

6031 - وكما حدثنا أحمد بن خالد بن يزيد ، وإسحاق بن إبراهيم بن يونس قالا : حدثنا الحسين بن مهدي الأبلي ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا سفيان ، عن إسماعيل يعني أبا إسرائيل الملائي ، عن فضيل بن عمرو ، عن سعيد بن جبير . [ ص: 297 ] عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تعجلوا الحج ، فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له .

6032 - وكما حدثنا الحسن بن غليب ، حدثنا يوسف بن عدي ، حدثنا حفص بن غياث ، عن إسماعيل أبي إسرائيل ، عن الفضيل ، عن سعيد بن جبير .

عن ابن عباس ، رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أراد الحج فليتعجل ، فإنه يمرض المريض ، وتضل الضالة ، وتكون الحاجة .

فكان مثل ذلك ما قصد إليه من الدعاء الجامع خوفا أن يحاول الدعاء بغير الكلام الجامع ، فيقطعه عن ذلك ما يقطع عن مثله ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجامع من الكلام ليخرج به ذلك الدعاء .

ومثل ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما كان خاطب به جويرية زوجته في مثل هذا المعنى .

6033 - كما حدثنا عبد الغني بن أبي عقيل ، حدثنا سفيان ، عن [ ص: 298 ] محمد بن عبد الرحمن ، عن كريب .

عن ابن عباس : أن جويرية بنت الحارث كان اسمها برة ، فغير النبي صلى الله عليه وسلم اسمها ، وكره أن يقال : خرج من عند برة ، فسماها جويرية ، فخرج من عندها حين صلى الصبح ، وهي جالسة في المسجد ، ورجع إليها بعدما ارتفع النهار ، وهي على حالها ، فقال : لم تزالي على حالك بعد ؟ قالت : نعم قال : إني قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات ، لو وزنت بجميع ما قلت لوزنتهن : سبحان الله عدد خلقه ، ورضا نفسه ، وزنة عرشه ، ومداد كلماته .

[ ص: 299 ]

6034 - وكما حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا قبيصة ، حدثنا سفيان ، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة ، عن كريب .

عن ابن عباس قال : كان اسم جويرية برة ، قال : وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر ، ثم ذكر مثله .

6035 - وكما حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا خالد يعني ابن الحارث ، عن شعبة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن كريب .

عن ابن عباس قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم بجويرية ، وهي في - ذكر مكانا - ثم مر بها قريبا من نصف النهار ، فقال لها : ما زلت بعد هاهنا ؟ ألا أعلمك كلمات ... ثم ذكر الكلمات التي في الحديث [ ص: 300 ] الذي قبل هذا الحديث .

6036 - وكما حدثنا بكار بن قتيبة ، حدثنا أبو داود ، حدثنا المسعودي ، أخبرني محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة ، عن كريب .

عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على جويرية ، وهي في مصلاها ، ثم جاء بعدما ارتفع النهار ، فقال لها : يا جويرية ما زلت في مقعدك ؟ قالت : نعم يا رسول الله قال : لقد قلت أربع كلمات أعيدها ثلاث مرات هي أفضل من كل شيء ؛ قلت : سبحان الله عدد خلقه ، سبحان الله رضا نفسه ، سبحان الله مداد كلماته ، سبحان الله زنة عرشه ، والحمد لله رب العالمين مثل ذلك .

6037 - وكما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، وإبراهيم بن سعد الخولاني قالا : حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، حدثنا المسعودي [ ص: 301 ] ثم ذكر بإسناده مثله .

قال أبو جعفر : فكان في حديث جويرية هذا من هذا المعنى أيضا ما دل ذلك على أن جميع ما يحتاج الناس إلى استعماله من الكلام الذي يتقربون به إلى ربهم يمتثلون فيه هذا المعنى المذكور في هذا الحديث ، وإذا كان ذلك كذلك في الكلام الذي يتكلمون به لطلب القربة إليه عز وجل كانت الأفعال التي يفعلونها لطلب القربة إليه كذلك أيضا ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية