الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجها ونفقة الولد

                                                                                                                                                                                                        5044 حدثنا ابن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن ابن شهاب أخبرني عروة أن عائشة رضي الله عنها قالت جاءت هند بنت عتبة فقالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل مسيك فهل علي حرج أن أطعم من الذي له عيالنا قال لا إلا بالمعروف [ ص: 415 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 415 ] قوله ( باب والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين - إلى قوله - بصير ) كذا لأبي ذر والأكثر ، وفي رواية كريمة " إلى قوله بما تعملون بصير " وقال وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وقال وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى لينفق ذو سعة من سعته قيل دلت الآية الأولى على إيجاب الإنفاق على المرضعة من أجل رضاعها الولد ، كانت في العصمة أم لا . وفي الثانية الإشارة إلى قدر المدة التي يجب ذلك فيها . وفي الثالثة الإشارة إلى مقدار الإنفاق وأنه بالنظر لحال المنفق . وفيها أيضا الإشارة إلى أن الإرضاع لا يتحتم على الأم ، وقد تقدم في أوائل النكاح في " باب لا رضاع بعد حولين " البحث في معنى قوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وأخرج الطبري عن ابن عباس أن إرضاع الحولين مختص بمن وضعت لستة أشهر ، فمهما وضعت لأكثر من ستة أشهر نقص من مدة الحولين تمسكا بقوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا . وتعقب بمن زاد حملها على ثلاثين شهرا فإنه يلزم إسقاط مدة الرضاعة ولا قائل به ، والصحيح أنها محمولة على الغالب وأخذ من الآية الأولى والثانية أن من ولد لستة أشهر فما فوقها التحق بالزوج .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وقال يونس ) هو ابن يزيد ، وهذا الأثر وصله ابن وهب في جامعه عن يونس قال " قال ابن شهاب - فذكره إلى قوله - وتشاور " وأخرجه ابن جرير من طريق عقيل عن ابن شهاب نحوه . وقوله " ضرارا لها إلى غيرها " يتعلق بمنعها أي منعها ينتهي إلى رضاع غيرها ، فإذا رضيت فليس له ذلك . ووقع في رواية عقيل " الوالدات أحق برضاع أولادهن ، وليس لوالدة أن تضار ولدها فتأبى رضاعه وهي تعطى عليه ما يعطى غيرها ، وليس للمولود له أن ينزع ولده منها ضرارا لها وهي تقبل من الأجر ما يعطى غيرها ، فإن أرادا فصال الولد عن تراض منهما وتشاور دون الحولين فلا بأس " .

                                                                                                                                                                                                        قوله في آخر الكلام ( فصاله فطامه ) هو تفسير ابن عباس ، أخرجه الطبري عنه وعن السدي وغيرهما ، والفصال مصدر يقال فاصلته أفاصله مفاصلة وفصالا إذا فارقته من خلطة كانت بينهما ، وفصال الولد منعه من شرب اللبن ، قال ابن بطال : قوله تعالى والوالدات يرضعن لفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر لما فيه من الإلزام ، كقولك حسبك درهم أي اكتف بدرهم ، قال : ولا يجب على الوالدة إرضاع ولدها إذا كان أبوه حيا موسرا بدليل قوله تعالى فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن قال وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى فدل على أنه لا يجب عليها إرضاع ولدها ، ودل على أن قوله والوالدات يرضعن أولادهن سيق لمبلغ غاية الرضاعة التي مع اختلاف الوالدين في رضاع المولود جعلت حدا فاصلا . قلت : وهذا أحد القولين عن ابن عباس أخرجه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه ، وعن ابن عباس أنه مختص بمن ولدت لستة أشهر كما تقدم قريبا أخرجه الطبري أيضا بسند صحيح ، إلا أنه اختلف في وصله أو وقفه على عكرمة ، وعن ابن عباس قول ثالث أن الحولين لغاية الإرضاع وأن لا رضاع بعدهما أخرجه الطبري أيضا ورجاله ثقات إلا أنه منقطع بين الزهري وابن عباس ، ثم أخرج بإسناد صحيح عن ابن مسعود قال : ما كان من رضاعة بعد الحولين فلا رضاع ، وعن ابن عباس أيضا بسند صحيح مثله ، ثم أسند عن قتادة قال : كان إرضاعها الحولين فرضا ثم خفف بقوله تعالى لمن أراد أن يتم الرضاعة والقول الثاني هو الذي عول عليه البخاري ، ولهذا عقب الآية الأولى بالآية الثانية وهي قوله تعالى [ ص: 416 ] وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وما جزم به ابن بطال من أن الخبر بمعنى الأمر هو قول الأكثر ، لكن ذهب جماعة إلى أنها خبر عن المشروعية ، فإن بعض الوالدات يجب عليهن ذلك وبعضهن لا يجب كما سيأتي بيانه ، فليس الأمر على عمومه ، وهذا هـو السر في العدول عن التصريح بالإلزام كأن يقال : وعلى الوالدات إرضاع أولادهن كما جاء بعده وعلى الوارث مثل ذلك قال ابن بطال : وأكثر أهل التفسير على أن المراد بالوالدات هنا المبتوتات المطلقات ، وأجمع العلماء على أن أجرة الرضاع على الزوج إذا خرجت المطلقة من العدة ، والأم بعد البينونة أولى بالرضاعة إلا إن وجد الأب من يرضع له بدون ما سألت ، إلا أن لا يقبل الولد غيرها فتجبر بأجرة مثلها ، وهو موافق للمنقول هنا عن الزهري ، واختلفوا في المتزوجة : فقال الشافعي وأكثر الكوفيين لا يلزمها إرضاع ولدها ، وقال مالك وابن أبي ليلى من الكوفيين تجبر على إرضاع ولدها ما دامت متزوجة بوالده ، واحتج القائلون بأنها لا تجبر بأن ذلك إن كان لحرمة الولد فلا يتجه لأنها لا تجبر عليه إذا كانت مطلقة ثلاثا بإجماع ، مع أن حرمة الولدية موجودة ، وإن كان لحرمة الزوج لم يتجه أيضا لأنه لو أراد أن يستخدمها في حق نفسه لم يكن له ذلك ففي حق غيره أولى اهـ . ويمكن أن يقال إن ذلك لحرمتها جميعا ، وقد تقدم كثير من مباحث الرضاع في أوائل النكاح ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( باب نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجها ونفقة الولد ) ذكر فيه حديث عائشة في قصة هند امرأة أبي سفيان وسيأتي شرحه بعد أربعة أبواب . وحديث أبي هريرة " إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها " وقد مر شرحه في أواخر النكاح .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) :

                                                                                                                                                                                                        وقعت هذه الترجمة وحديثها متأخرة عن الباب الذي بعده عند النسفي




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية