الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة خمس وسبعين

فمن الحوادث فيها ضرب عبد الملك الدنانير والدراهم

وقد روينا أن أول من ضرب الدراهم آدم عليه السلام .

وقد وجدوا دراهم ضرب عليها اسم أردشير بن بابك قبل الإسلام بأكثر من أربعمائة سنة ، فضربها عبد الملك ونقش عليها . وكانت مثاقيل الجاهلية التي ضرب عليها عبد الملك اثنين وعشرين قيراطا إلا حبة بالشامي ، وكانت العشرة وزن سبعة .

وقيل: ضربها سنة ست وسبعين .

أنبأنا محمد بن عبد الملك ، قال: أنبأنا محمد بن علي بن ثابت ، قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، قال: أخبرنا أبو علي بن الصواف ، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن خلف ، قال: حدثنا وكيع ، قال: حدثني هارون بن محمد ، قال: حدثنا زبير ، عن عبد الرحمن بن المغيرة الحزامي ، عن ابن أبي الزناد ، عن أبيه: أن عبد الملك أول من ضرب الدنانير والدراهم في سنة خمس وسبعين .

وقال وكيع: وأخبرني محمد بن الهيثم ، قال: سمعت ابن بكير يقول: سمعت مالك بن أنس يقول: [ ص: 148 ] أول من ضرب الدنانير عبد الملك ، وكتب عليها القرآن .

قال وكيع: وأخبرني ابن أبي خيثمة ، عن مصعب بن عبد الله ، قال: وكان وزن الدراهم والدنانير في الجاهلية وزنها اليوم في الإسلام مرتين تدور بين العرب ، وكان ما ضرب منها ممسوحا غليظا قصيرا ، وليس فيها كتاب ، حتى كتبها عبد الملك ، فجعل في وجه: قل هو الله أحد [112: 1] وفي الوجه الآخر: لا إله إلا الله . وطوقها بطوق فضة ، وكتب فيه: ضرب هذا الدرهم بمدينة كذا ، وفي الطرف الآخر: محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون [9: 33] .

أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال: حدثنا محمد بن عبيد الله البقال ، قال: حدثنا أبو الحسين بن بشران ، قال: أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق ، قال: حدثنا حنبل بن إسحاق ، قال: حدثنا هارون بن معروف ، قال: حدثنا سفيان ، قال: قال أبو سعد: الحجاج أول من ضرب الدراهم البيض ، وكتب فيها: قل هو الله أحد [112: 1] قال: فقالوا: قاتله الله ، أي شيء [هذا] يحمل الناس على أن يأخذه الجنب والحائض .

قال هارون: وقال سفيان: أول من ضرب الدراهم السود زياد ، وأول من ضرب الدنانير عبد الملك بن مروان .

قال إبراهيم النخعي: جعل عمر بن الخطاب وزن عشرة دراهم ستة دنانير ، فلما ولي زياد جعل وزن عشرة سبعة .

روى أبو القاسم بن زنجي الكاتب ، قال: سمعت وكيعا يقول: كان القبط يكتبون على القراطيس: بسم الأب والابن وروح القدس ، وكذلك على الدراهم ، فوقف على ذلك عبد الملك بن مروان فأمر بتغييرها ، وأن يكتب عليها من القرآن وغيره . وأدخلت بلاد الروم على حسب ما كانت تدخل ، فلما رأى ملك الروم النقش مخالفا لما كان عليه سأل عنه ، فترجم له ، فأنكر وأهدى إلى عبد الملك هدية وكتب إليه يسأله أن يجري الأمر في القراطيس على ما كان عليه ، فرد الهدية ، وأبى ذلك ، فبعث إليه ملك الروم [ ص: 149 ] يتوعده ، فقطع الدنانير عن بلده ، فبعث إليه إن تعامل بها المسلمون بعد هذا فافعل ، وضرب الدنانير عبد الملك .

فأما الدراهم فإنها كانت ثلاثة أصناف: الوافية ، وهي النعلية ، وزن الواحد مثقال . والصنف الآخر الجزية ، وزن الواحد نصف مثقال ، وكان يتعامل بها في المشرق . والصنف الثالث الطبرية ، وزن العشرة منها ستة مثاقيل ، فجمع عبد الملك الثلاثة أصناف عشرة عشرة ، فصارت ثلاثين درهما عددا ، وزنها واحد وعشرون مثقالا ، فصير السبعة عشرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية