الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف
5049 حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى عن nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام قال أخبرني nindex.php?page=showalam&ids=16561أبي عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=hadith&LINKID=654945أن هند بنت عتبة قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم فقال nindex.php?page=treesubj&link=15168_20334_25272_31503_11371_13210_26287خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف
[ ص: 418 ]
[ ص: 418 ] قوله ( باب nindex.php?page=treesubj&link=26287إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف ) أخذ المصنف هذه الترجمة من حديث الباب بطريق الأولى ، لأنه دل على جواز الأخذ لتكملة النفقة فكذا يدل على جواز أخذ جميع النفقة عند الامتناع .
قوله ( nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى ) هو ابن سعيد القطان ، nindex.php?page=showalam&ids=17245وهشام هو ابن عروة .
قوله ( إن هندا بنت عتبة ) كذا في هذه الرواية هندا بالصرف ، ووقع في رواية الزهري عن عروة الماضية في المظالم بغير صرف " هند بنت عتبة بن ربيعة " أي ابن عبد شمس بن عبد مناف . وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن أنس بن عياض عن هشام " nindex.php?page=hadith&LINKID=846008أن هندا أم معاوية وكانت هند لما قتل أبوها عتبة وعمها شيبة وأخوها الوليد يوم بدر شق عليها ، فلما كان يوم أحد وقتل حمزة فرحت بذلك وعمدت إلى بطنه فشقتها وأخذت كبده فلاكتها ثم لفظتها ، فلما كان يوم الفتح ودخل أبو سفيان مكة مسلما - بعد أن أسرته خيل النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة فأجاره العباس - غضبت هند لأجل إسلامه ، وأخذت بلحيته ثم إنها بعد استقرار النبي صلى الله عليه وسلم بمكة جاءت فأسلمت وبايعت " وقد تقدم في أواخر المناقب أنها قالت له " nindex.php?page=hadith&LINKID=846009يا رسول الله ما كان على ظهر الأرض من أهل خباء أحب إلي أن يذلوا من أهل خبائك ، وما على ظهر الأرض اليوم أهل خباء أحب إلي أن يعزوا من أهل خبائك . فقال : أيضا والذي نفسي بيده . ثم قالت : يا رسول الله ، إنأبا سفيان إلخ " وذكر nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر أنها ماتت في المحرم سنة أربع عشرة يوم مات أبو قحافة والد nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق وأخرج ابن سعد في " الطبقات " ما يدل على أنها عاشت بعد ذلك ، فروى عن الواقدي عن ابن أبي سبرة عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم " أن عمر استعمل معاوية على عمل أخيه ، فلم يزل واليا لعمر حتى قتل واستخلف عثمان فأقره على عمله وأفرده بولاية الشام جميعا ، وشخص أبو سفيان إلى معاوية ومعه ابناه عتبة وعنبسة ، فكتبت هند إلى معاوية قد قدم عليك أبوك وأخواك ، فاحمل أباك على فرس وأعطه أربعة آلاف درهم ، واحمل عتبة على بغل وأعطه ألفي درهم ، واحمل عنبسة على حمار وأعطه ألف درهم ، ففعل ذلك . فقال أبو سفيان : أشهد بالله أن هذا عن رأي هند " قلت : كان عتبة منها وعنبسة من غيرها أمه عاتكة بنت أبي أزيهر الأزدي . وفي " الأمثال للميداني " أنها عاشت بعد وفاة أبي سفيان ، فإنه ذكر قصة فيها أن رجلا سأل معاوية أن يزوجه أمه فقال : إنها قعدت عن الولد . وكانت وفاة أبي سفيان في خلافة عثمان سنة اثنين وثلاثين .
قوله ( إن nindex.php?page=showalam&ids=12026أبا سفيان ) هو صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس زوجها ، وكان قد رأس في قريش بعد وقعة بدر ، وسار بهم في أحد ، وساق الأحزاب يوم الخندق ، ثم أسلم ليلة الفتح كما تقدم مبسوطا في المغازي .
قوله ( رجل شحيح ) تقدم قبل بثلاثة أبواب " رجل مسيك " واختلف في ضبطه فالأكثر بكسر الميم وتشديد السين على المبالغة ، وقيل بوزن شحيح ، قال النووي : هذا هـو الأصح من حيث اللغة وإن كان الأول أشهر في الرواية ، ولم يظهر لي كون الثاني أصح فإن الآخر مستعمل كثيرا مثل شريب وسكير وإن كان المخفف أيهما فيه نوع مبالغة لكن المشدد أبلغ ، وقد تقدمت عبارة النهاية في كتاب الأشخاص حيث قال : المشهور في [ ص: 419 ] كتب اللغة الفتح والتخفيف . وفي كتب المحدثين الكسر والتشديد . والشح البخل مع حرص ، والشح أعم من البخل لأن البخل يختص بمنع المال والشح بكل شيء ، وقيل الشح لازم كالطبع والبخل غير لازم ، قال القرطبي : لم ترد هند وصف أبي سفيان بالشح في جميع أحواله ، وإنما وصفت حالها معه وأنه كان يقتر عليها وعلى أولادها ، وهذا لا يستلزم البخل مطلقا فإن كثيرا من الرؤساء يفعل ذلك مع أهله ويؤثر الأجانب استئلافا لهم . قلت : وورد في بعض الطرق لقول هند هذا سبب يأتي ذكره قريبا .
قوله ( إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم ) زاد nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في روايته " سرا ، فهل علي في ذلك من شيء ؟ ووقع في رواية الزهري " فهل علي حرج أن أطعم من الذي له عيالنا ؟
قوله ( فقال : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ) في رواية شعيب عن الزهري التي تقدمت في المظالم " nindex.php?page=hadith&LINKID=846010لا حرج عليك أن تطعميهم بالمعروف " قال القرطبي : قوله " خذي " أمر إباحة بدليل قوله " لا حرج " والمراد بالمعروف القدر الذي عرف بالعادة أنه الكفاية قال : وهذه الإباحة وإن كانت مطلقة لفظا لكنها مقيدة معنى ، كأنه قال : إن صح ما ذكرت . وقال غيره : يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم علم صدقها فيما ذكرت فاستغنى عن التقييد .
واستدل بهذا الحديث على جواز nindex.php?page=treesubj&link=19017_19015ذكر الإنسان بما لا يعجبه إذا كان على وجه الاستفتاء والاشتكاء ونحو ذلك ، وهو أحد المواضع التي تباح فيها الغيبة . وفيه من الفوائد جواز nindex.php?page=treesubj&link=19116ذكر الإنسان بالتعظيم كاللقب والكنية ، كذا قيل وفيه نظر ، لأن أبا سفيان كان مشهورا بكنيته دون اسمه فلا يدل قولها " إن أبا سفيان " على إرادة التعظيم . وفيه جواز nindex.php?page=treesubj&link=15403استماع كلام أحد الخصمين في غيبة الآخر . وفيه أن من نسب إلى نفسه أمرا عليه فيه غضاضة فليقرنه بما يقيم عذره في ذلك . وفيه جواز nindex.php?page=treesubj&link=25277سماع كلام الأجنبية عند الحكم والإفتاء عند من يقول إن صوتها عورة ويقول جاز هنا للضرورة . وفيه أن nindex.php?page=treesubj&link=13212القول قول الزوجة في قبض النفقة ، لأنه لو كان القول قول الزوج إنه منفق لكلفت هذه البينة على إثبات عدم الكفاية وأجاب المازري عنه بأنه من باب تعليق الفتيا لا القضاء . وفيه nindex.php?page=treesubj&link=27488وجوب نفقة الزوجة وأنها مقدرة بالكفاية ، وهو قول أكثر العلماء ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي حكاه الجويني ، والمشهور عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه قدرها بالأمداد فعلى الموسر كل يوم مدان والمتوسط مد ونصف والمعسر مد ، وتقريرها بالأمداد رواية عن مالك أيضا ، قال النووي في " شرح مسلم " : وهذا الحديث حجة على أصحابنا . قلت : وليس صريحا في الرد عليهم ، لكن التقدير بالأمداد محتاج إلى دليل فإن ثبت حملت الكفاية في حديث الباب على القدر المقدر بالأمداد ، فكأنه كان يعطيها وهو موسر ما يعطي المتوسط فأذن لها في أخذ التكملة ، وقد تقدم الاختلاف في ذلك في " باب وجوب النفقة على الأهل " وفيه nindex.php?page=treesubj&link=27488اعتبار النفقة بحال الزوجة ، وهو قول الحنفية ، واختار nindex.php?page=showalam&ids=14224الخصاف منهم أنها معتبرة بحال الزوجين معا ، قال صاحب " الهداية " وعليه الفتوى ، والحجة فيه ضم قوله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7لينفق ذو سعة من سعته الآية إلى هذا الحديث ، وذهبت الشافعية إلى اعتبار حال الزوج تمسكا بالآية ، وهو قول بعض الحنفية .
وفيه وجوب nindex.php?page=treesubj&link=13349نفقة الأولاد بشرط الحاجة ، والأصح عند الشافعية اعتبار الصغر أو الزمانة . وفيه وجوب nindex.php?page=treesubj&link=27488نفقة خادم المرأة على الزوج ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : لأن أبا سفيان كان رئيس قومه ويبعد أن يمنع زوجته وأولاده النفقة ، فكأنه كان يعطيها قدر كفايتها وولدها دون من يخدمهم فأضافت ذلك إلى نفسها لأن خادمها داخل في جملتها . قلت : ويحتمل أن يتمسك لذلك بقوله في بعض طرقه " أن أطعم من الذي له عيالنا " واستدل به على وجوب nindex.php?page=treesubj&link=13349نفقة الابن على الأب ولو كان الابن كبيرا ، وتعقب بأنها واقعة عين ولا عموم في الأفعال ، فيحتمل أن يكون المراد بقولها " بني " بعضهم أي من كان صغيرا أو كبيرا زمنا لا جميعهم . واستدل به على أن nindex.php?page=treesubj&link=25272من له عند غيره حق وهو عاجز عن استيفائه جاز له أن يأخذ من ماله قدر حقه بغير إذنه ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وجماعة ، وتسمى مسألة الظفر ، والراجح عندهم لا يأخذ غير جنس حقه إلا إذا تعذر جنس حقه ، [ ص: 420 ] وعن أبي حنيفة المنع ، وعنه يأخذ جنس حقه ولا يأخذ من غير جنس حقه إلا أحد النقدين بدل الآخر ، وعن مالك ثلاث روايات كهذه الآراء ، وعن أحمد المنع مطلقا وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من ذلك في كتاب الأشخاص والملازمة ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي يؤخذ من حديث هند جواز أخذ الجنس وغير الجنس ، لأن منزل الشحيح لا يجمع كل ما يحتاج إليه من النفقة والكسوة وسائر المرافق اللازمة وقد أطلق لها الإذن في أخذ الكفاية من ماله ، قال : ويدل على صحة ذلك قولها في رواية أخرى " nindex.php?page=hadith&LINKID=846011وإنه لا يدخل على بيتي ما يكفيني وولدي " . قلت : ولا دلالة فيه لما ادعاه من أن بيت الشحيح لا يحتوي على كل ما يحتاج إليه لأنها نفت الكفاية مطلقا فتناول جنس ما يحتاج إليه وما لا يحتاج إليه ، ودعواه أن منزل الشحيح كذلك مسلمة لكن من أين له أن منزل أبي سفيان كان كذلك ؟ والذي يظهر من سياق القصة أن منزله كان فيه كل ما يحتاج إليه إلا أنه كان لا يمكنها إلا من القدر الذي أشارت إليه فاستأذنت أن تأخذ زيادة على ذلك بغير علمه ، وقد وجه ابن المنير قوله إن في قصة هند دلالة على أن لصاحب الحق أن يأخذ من غير جنس حقه بحيث يحتاج إلى التقويم ، لأنه عليه الصلاة والسلام أذن لهند أن تفرض لنفسها وعيالها قدر الواجب ، وهذا هو التقويم بعينه بل هو أدق منه وأعسر .
واستدل به على أن nindex.php?page=treesubj&link=13349للمرأة : مدخلا في القيام على أولادها وكفالتهم والإنفاق عليهم ، وفيه nindex.php?page=treesubj&link=27363اعتماد العرف في الأمور التي لا تحديد فيها من قبل الشرع . وقال القرطبي فيه nindex.php?page=treesubj&link=27363اعتبار العرف في الشرعيات خلافا لمن أنكر ذلك لفظا وعمل به معنى كالشافعية ، كذا قال ، والشافعية إنما أنكروا العمل بالعرف إذا عارضه النص الشرعي أو لم يرشد النص الشرعي إلى العرف ، واستدل به nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي على جواز nindex.php?page=treesubj&link=15169القضاء على الغائب ، وسيأتي في كتاب الأحكام أن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ترجم " القضاء على الغائب " وأورد هذا الحديث من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن هشام بلفظ " nindex.php?page=hadith&LINKID=846012إن أبا سفيان رجل شحيح فأحتاج أن آخذ من ماله ، قال : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " وذكر النووي أن جمعا من العلماء من أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومن غيرهم استدلوا بهذا الحديث لذلك ، حتى قال الرافعي في " القضاء على الغائب " : احتج أصحابنا على الحنفية في منعهم القضاء على الغائب بقصة هند ، وكان ذلك قضاء من النبي صلى الله عليه وسلم على زوجها وهو غائب ، قال النووي : ولا يصح الاستدلال ، لأن هذه القصة كانت بمكة وكان أبو سفيان حاضرا بها ، وشرط القضاء على الغائب أن يكون غائبا عن البلد أو مستترا لا يقدر عليه أو متعززا ، ولم يكن هذا الشرط في أبي سفيان موجودا فلا يكون قضاء على الغائب بل هو إفتاء ، وقد وقع في كلام الرافعي في عدة مواضع أنه كان إفتاء اهـ .
واستدل بعضهم على أنه كان غائبا بقول هند " لا يعطيني " إذ لو كان حاضرا لقالت لا ينفق علي ، لأن الزوج هو الذي يباشر الإنفاق . وهذا ضعيف لجواز أن يكون عادته أن يعطيها جملة ويأذن لها في الإنفاق مفرقا . نعم قول النووي إن أبا سفيان كان حاضرا بمكة حق ، وقد سبقه إلى الجزم بذلك السهيلي ، بل أورد أخص من ذلك وهو أن أبا سفيان كان جالسا معها في المجلس ، لكن لم يسق إسناده ، وقد ظفرت به في " طبقات ابن سعد " أخرجه بسند رجاله رجال الصحيح ، إلا أنه مرسل عن الشعبي " أن هندا لما بايعت وجاء قوله nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=12ولا يسرقن قالت : قد كنت أصبت من مال أبي سفيان فقال أبو سفيان : فما أصبت من مالي فهو حلال لك " . قلت : ويمكن تعدد القصة وأن هذا وقع لما بايعت ثم جاءت مرة أخرى فسألت عن الحكم ، وتكون فهمت من الأول إحلال أبي سفيان لها ما مضى فسألت عما يستقبل ، لكن يشكل على ذلك ما أخرجه ابن منده في " المعرفة " من طريق عبد الله بن محمد بن زاذان عن nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه قال " nindex.php?page=hadith&LINKID=846013قالت هند لأبي سفيان : إني أريد أن أبايع ، قال : فإن فعلت فاذهبي معك برجل من قومك ، فذهبت إلى عثمان فذهب معها ، فدخلت منتقبة فقال : بايعي أن لا تشركي " الحديث ، وفيه " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503744فلما فرغت قالت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل بخيل - الحديث - قال : ما تقول يا أبا سفيان ؟ قال : أما يابسا فلا ، وأما رطبا فأحله " وذكر أبو نعيم في " المعرفة " أن عبد الله تفرد به بهذا السياق وهو ضعيف ، وأول حديثه يقتضي أن أبا سفيان لم يكن معها وآخره [ ص: 421 ] يدل على أنه كان حاضرا ; لكن يحتمل أن يكون كل منهما توجه وحده أو أرسل إليه لما اشتكت منه ، ويؤيد هذا الاحتمال الثاني ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في تفسير الممتحنة من " المستدرك " عن فاطمة بنت عتبة " nindex.php?page=hadith&LINKID=846014أن أبا حذيفة بن عتبة ذهب بها وبأختها هـند يبايعان ، فلما اشترط ولا يسرقن قالت هند : لا أبايعك على السرقة ، إني أسرق من زوجي ، فكف حتى أرسل إلى أبي سفيان يتحلل لها منه فقال : أما الرطب فنعم وأما اليابس فلا " والذي يظهر لي أن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لم يرد أن قصة هند كان قضاء على أبي سفيان وهو غائب ، بل استدل بها على صحة القضاء على الغائب ولو لم يكن ذلك قضاء على غائب بشرطه ، بل لما كان أبو سفيان غير حاضر معها في المجلس وأذن لها أن تأخذ من ماله بغير إذنه قدر كفايتها كان في ذلك نوع قضاء على الغائب فيحتاج من منعه أن يجيب عن هذا ، وقد انبنى على هذا الخلاف يتفرع منه وهو أن nindex.php?page=treesubj&link=13349الأب إذا غاب أو امتنع من الإنفاق على ولده الصغير أذن القاضي للأم إذا كانت فيها أهلية ذلك في الأخذ من مال الأب إن أمكن أو في الاستقراض عليه والإنفاق على الصغير ، وهل لها الاستقلال بذلك بغير إذن القاضي ؟ وجهان ينبنيان على الخلاف في قصة هند ، فإن كانت إفتاء جاز لها الأخذ بغير إذن ، وإن كانت قضاء فلا يجوز إلا بإذن القاضي .
ومما رجح به أنه كان قضاء لا فتيا التعبير بصيغة الأمر حيث قال لها " خذي " ولو كان فتيا لقال مثلا : لا حرج عليك إذا أخذت ، ولأن الأغلب من تصرفاته صلى الله عليه وسلم إنما هـو الحكم . ومما رجح به أنه كان فتوى وقوع الاستفهام في القصة في قولها " هل علي جناح " ؟ ولأنه فوض تقدير الاستحقاق إليها ، ولو كان قضاء لم يفوضه إلى المدعي ، ولأنه لم يستحلفها على ما ادعته ولا كلفها البينة ، والجواب أن في ترك تحليفها أو تكليفها البينة حجة لمن أجاز للقاضي أن يحكم بعلمه فكأنه صلى الله عليه وسلم علم صدقها في كل ما ادعت به ، وعن الاستفهام أنه لا استحالة فيه من طالب الحكم ، وعن تفويض قدر الاستحقاق أن المراد الموكول إلى العرف كما تقدم ، وسيأتي بيان المذاهب في القضاء على الغائب في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى .
" تنبيه " :
أشكل على بعضهم استدلال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بهذا الحديث على مسألة الظفر في كتاب الأشخاص حيث ترجم له " nindex.php?page=treesubj&link=25272قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه " واستدلاله به على جواز nindex.php?page=treesubj&link=15169القضاء على الغائب ، لأن الاستدلال به على مسألة الظفر لا تكون إلا على القول بأن مسألة هند كانت على طريق الفتوى ، والاستدلال به على مسألة القضاء على الغائب لا يكون إلا على القول بأنها كانت حكما . والجواب أن يقال : كل حكم يصدر من الشارع فإنه ينزل منزلة الإفتاء بذلك الحكم في مثل تلك الواقعة ، فيصح الاستدلال بهذه القصة للمسألتين والله أعلم . وقد وقع هذا الباب مقدما على بابين عند أبي نعيم في " المستخرج "
[ ص: 418 ] قوله ( باب nindex.php?page=treesubj&link=26287إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف ) أخذ المصنف هذه الترجمة من حديث الباب بطريق الأولى ، لأنه دل على جواز الأخذ لتكملة النفقة فكذا يدل على جواز أخذ جميع النفقة عند الامتناع .
قوله ( nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى ) هو ابن سعيد القطان ، nindex.php?page=showalam&ids=17245وهشام هو ابن عروة .
قوله ( إن هندا بنت عتبة ) كذا في هذه الرواية هندا بالصرف ، ووقع في رواية الزهري عن عروة الماضية في المظالم بغير صرف " هند بنت عتبة بن ربيعة " أي ابن عبد شمس بن عبد مناف . وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن أنس بن عياض عن هشام " nindex.php?page=hadith&LINKID=846008أن هندا أم معاوية وكانت هند لما قتل أبوها عتبة وعمها شيبة وأخوها الوليد يوم بدر شق عليها ، فلما كان يوم أحد وقتل حمزة فرحت بذلك وعمدت إلى بطنه فشقتها وأخذت كبده فلاكتها ثم لفظتها ، فلما كان يوم الفتح ودخل أبو سفيان مكة مسلما - بعد أن أسرته خيل النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة فأجاره العباس - غضبت هند لأجل إسلامه ، وأخذت بلحيته ثم إنها بعد استقرار النبي صلى الله عليه وسلم بمكة جاءت فأسلمت وبايعت " وقد تقدم في أواخر المناقب أنها قالت له " nindex.php?page=hadith&LINKID=846009يا رسول الله ما كان على ظهر الأرض من أهل خباء أحب إلي أن يذلوا من أهل خبائك ، وما على ظهر الأرض اليوم أهل خباء أحب إلي أن يعزوا من أهل خبائك . فقال : أيضا والذي نفسي بيده . ثم قالت : يا رسول الله ، إنأبا سفيان إلخ " وذكر nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر أنها ماتت في المحرم سنة أربع عشرة يوم مات أبو قحافة والد nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق وأخرج ابن سعد في " الطبقات " ما يدل على أنها عاشت بعد ذلك ، فروى عن الواقدي عن ابن أبي سبرة عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم " أن عمر استعمل معاوية على عمل أخيه ، فلم يزل واليا لعمر حتى قتل واستخلف عثمان فأقره على عمله وأفرده بولاية الشام جميعا ، وشخص أبو سفيان إلى معاوية ومعه ابناه عتبة وعنبسة ، فكتبت هند إلى معاوية قد قدم عليك أبوك وأخواك ، فاحمل أباك على فرس وأعطه أربعة آلاف درهم ، واحمل عتبة على بغل وأعطه ألفي درهم ، واحمل عنبسة على حمار وأعطه ألف درهم ، ففعل ذلك . فقال أبو سفيان : أشهد بالله أن هذا عن رأي هند " قلت : كان عتبة منها وعنبسة من غيرها أمه عاتكة بنت أبي أزيهر الأزدي . وفي " الأمثال للميداني " أنها عاشت بعد وفاة أبي سفيان ، فإنه ذكر قصة فيها أن رجلا سأل معاوية أن يزوجه أمه فقال : إنها قعدت عن الولد . وكانت وفاة أبي سفيان في خلافة عثمان سنة اثنين وثلاثين .
قوله ( إن nindex.php?page=showalam&ids=12026أبا سفيان ) هو صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس زوجها ، وكان قد رأس في قريش بعد وقعة بدر ، وسار بهم في أحد ، وساق الأحزاب يوم الخندق ، ثم أسلم ليلة الفتح كما تقدم مبسوطا في المغازي .
قوله ( رجل شحيح ) تقدم قبل بثلاثة أبواب " رجل مسيك " واختلف في ضبطه فالأكثر بكسر الميم وتشديد السين على المبالغة ، وقيل بوزن شحيح ، قال النووي : هذا هـو الأصح من حيث اللغة وإن كان الأول أشهر في الرواية ، ولم يظهر لي كون الثاني أصح فإن الآخر مستعمل كثيرا مثل شريب وسكير وإن كان المخفف أيهما فيه نوع مبالغة لكن المشدد أبلغ ، وقد تقدمت عبارة النهاية في كتاب الأشخاص حيث قال : المشهور في [ ص: 419 ] كتب اللغة الفتح والتخفيف . وفي كتب المحدثين الكسر والتشديد . والشح البخل مع حرص ، والشح أعم من البخل لأن البخل يختص بمنع المال والشح بكل شيء ، وقيل الشح لازم كالطبع والبخل غير لازم ، قال القرطبي : لم ترد هند وصف أبي سفيان بالشح في جميع أحواله ، وإنما وصفت حالها معه وأنه كان يقتر عليها وعلى أولادها ، وهذا لا يستلزم البخل مطلقا فإن كثيرا من الرؤساء يفعل ذلك مع أهله ويؤثر الأجانب استئلافا لهم . قلت : وورد في بعض الطرق لقول هند هذا سبب يأتي ذكره قريبا .
قوله ( إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم ) زاد nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في روايته " سرا ، فهل علي في ذلك من شيء ؟ ووقع في رواية الزهري " فهل علي حرج أن أطعم من الذي له عيالنا ؟
قوله ( فقال : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ) في رواية شعيب عن الزهري التي تقدمت في المظالم " nindex.php?page=hadith&LINKID=846010لا حرج عليك أن تطعميهم بالمعروف " قال القرطبي : قوله " خذي " أمر إباحة بدليل قوله " لا حرج " والمراد بالمعروف القدر الذي عرف بالعادة أنه الكفاية قال : وهذه الإباحة وإن كانت مطلقة لفظا لكنها مقيدة معنى ، كأنه قال : إن صح ما ذكرت . وقال غيره : يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم علم صدقها فيما ذكرت فاستغنى عن التقييد .
واستدل بهذا الحديث على جواز nindex.php?page=treesubj&link=19017_19015ذكر الإنسان بما لا يعجبه إذا كان على وجه الاستفتاء والاشتكاء ونحو ذلك ، وهو أحد المواضع التي تباح فيها الغيبة . وفيه من الفوائد جواز nindex.php?page=treesubj&link=19116ذكر الإنسان بالتعظيم كاللقب والكنية ، كذا قيل وفيه نظر ، لأن أبا سفيان كان مشهورا بكنيته دون اسمه فلا يدل قولها " إن أبا سفيان " على إرادة التعظيم . وفيه جواز nindex.php?page=treesubj&link=15403استماع كلام أحد الخصمين في غيبة الآخر . وفيه أن من نسب إلى نفسه أمرا عليه فيه غضاضة فليقرنه بما يقيم عذره في ذلك . وفيه جواز nindex.php?page=treesubj&link=25277سماع كلام الأجنبية عند الحكم والإفتاء عند من يقول إن صوتها عورة ويقول جاز هنا للضرورة . وفيه أن nindex.php?page=treesubj&link=13212القول قول الزوجة في قبض النفقة ، لأنه لو كان القول قول الزوج إنه منفق لكلفت هذه البينة على إثبات عدم الكفاية وأجاب المازري عنه بأنه من باب تعليق الفتيا لا القضاء . وفيه nindex.php?page=treesubj&link=27488وجوب نفقة الزوجة وأنها مقدرة بالكفاية ، وهو قول أكثر العلماء ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي حكاه الجويني ، والمشهور عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه قدرها بالأمداد فعلى الموسر كل يوم مدان والمتوسط مد ونصف والمعسر مد ، وتقريرها بالأمداد رواية عن مالك أيضا ، قال النووي في " شرح مسلم " : وهذا الحديث حجة على أصحابنا . قلت : وليس صريحا في الرد عليهم ، لكن التقدير بالأمداد محتاج إلى دليل فإن ثبت حملت الكفاية في حديث الباب على القدر المقدر بالأمداد ، فكأنه كان يعطيها وهو موسر ما يعطي المتوسط فأذن لها في أخذ التكملة ، وقد تقدم الاختلاف في ذلك في " باب وجوب النفقة على الأهل " وفيه nindex.php?page=treesubj&link=27488اعتبار النفقة بحال الزوجة ، وهو قول الحنفية ، واختار nindex.php?page=showalam&ids=14224الخصاف منهم أنها معتبرة بحال الزوجين معا ، قال صاحب " الهداية " وعليه الفتوى ، والحجة فيه ضم قوله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7لينفق ذو سعة من سعته الآية إلى هذا الحديث ، وذهبت الشافعية إلى اعتبار حال الزوج تمسكا بالآية ، وهو قول بعض الحنفية .
وفيه وجوب nindex.php?page=treesubj&link=13349نفقة الأولاد بشرط الحاجة ، والأصح عند الشافعية اعتبار الصغر أو الزمانة . وفيه وجوب nindex.php?page=treesubj&link=27488نفقة خادم المرأة على الزوج ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : لأن أبا سفيان كان رئيس قومه ويبعد أن يمنع زوجته وأولاده النفقة ، فكأنه كان يعطيها قدر كفايتها وولدها دون من يخدمهم فأضافت ذلك إلى نفسها لأن خادمها داخل في جملتها . قلت : ويحتمل أن يتمسك لذلك بقوله في بعض طرقه " أن أطعم من الذي له عيالنا " واستدل به على وجوب nindex.php?page=treesubj&link=13349نفقة الابن على الأب ولو كان الابن كبيرا ، وتعقب بأنها واقعة عين ولا عموم في الأفعال ، فيحتمل أن يكون المراد بقولها " بني " بعضهم أي من كان صغيرا أو كبيرا زمنا لا جميعهم . واستدل به على أن nindex.php?page=treesubj&link=25272من له عند غيره حق وهو عاجز عن استيفائه جاز له أن يأخذ من ماله قدر حقه بغير إذنه ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وجماعة ، وتسمى مسألة الظفر ، والراجح عندهم لا يأخذ غير جنس حقه إلا إذا تعذر جنس حقه ، [ ص: 420 ] وعن أبي حنيفة المنع ، وعنه يأخذ جنس حقه ولا يأخذ من غير جنس حقه إلا أحد النقدين بدل الآخر ، وعن مالك ثلاث روايات كهذه الآراء ، وعن أحمد المنع مطلقا وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من ذلك في كتاب الأشخاص والملازمة ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي يؤخذ من حديث هند جواز أخذ الجنس وغير الجنس ، لأن منزل الشحيح لا يجمع كل ما يحتاج إليه من النفقة والكسوة وسائر المرافق اللازمة وقد أطلق لها الإذن في أخذ الكفاية من ماله ، قال : ويدل على صحة ذلك قولها في رواية أخرى " nindex.php?page=hadith&LINKID=846011وإنه لا يدخل على بيتي ما يكفيني وولدي " . قلت : ولا دلالة فيه لما ادعاه من أن بيت الشحيح لا يحتوي على كل ما يحتاج إليه لأنها نفت الكفاية مطلقا فتناول جنس ما يحتاج إليه وما لا يحتاج إليه ، ودعواه أن منزل الشحيح كذلك مسلمة لكن من أين له أن منزل أبي سفيان كان كذلك ؟ والذي يظهر من سياق القصة أن منزله كان فيه كل ما يحتاج إليه إلا أنه كان لا يمكنها إلا من القدر الذي أشارت إليه فاستأذنت أن تأخذ زيادة على ذلك بغير علمه ، وقد وجه ابن المنير قوله إن في قصة هند دلالة على أن لصاحب الحق أن يأخذ من غير جنس حقه بحيث يحتاج إلى التقويم ، لأنه عليه الصلاة والسلام أذن لهند أن تفرض لنفسها وعيالها قدر الواجب ، وهذا هو التقويم بعينه بل هو أدق منه وأعسر .
واستدل به على أن nindex.php?page=treesubj&link=13349للمرأة : مدخلا في القيام على أولادها وكفالتهم والإنفاق عليهم ، وفيه nindex.php?page=treesubj&link=27363اعتماد العرف في الأمور التي لا تحديد فيها من قبل الشرع . وقال القرطبي فيه nindex.php?page=treesubj&link=27363اعتبار العرف في الشرعيات خلافا لمن أنكر ذلك لفظا وعمل به معنى كالشافعية ، كذا قال ، والشافعية إنما أنكروا العمل بالعرف إذا عارضه النص الشرعي أو لم يرشد النص الشرعي إلى العرف ، واستدل به nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي على جواز nindex.php?page=treesubj&link=15169القضاء على الغائب ، وسيأتي في كتاب الأحكام أن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ترجم " القضاء على الغائب " وأورد هذا الحديث من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن هشام بلفظ " nindex.php?page=hadith&LINKID=846012إن أبا سفيان رجل شحيح فأحتاج أن آخذ من ماله ، قال : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " وذكر النووي أن جمعا من العلماء من أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومن غيرهم استدلوا بهذا الحديث لذلك ، حتى قال الرافعي في " القضاء على الغائب " : احتج أصحابنا على الحنفية في منعهم القضاء على الغائب بقصة هند ، وكان ذلك قضاء من النبي صلى الله عليه وسلم على زوجها وهو غائب ، قال النووي : ولا يصح الاستدلال ، لأن هذه القصة كانت بمكة وكان أبو سفيان حاضرا بها ، وشرط القضاء على الغائب أن يكون غائبا عن البلد أو مستترا لا يقدر عليه أو متعززا ، ولم يكن هذا الشرط في أبي سفيان موجودا فلا يكون قضاء على الغائب بل هو إفتاء ، وقد وقع في كلام الرافعي في عدة مواضع أنه كان إفتاء اهـ .
واستدل بعضهم على أنه كان غائبا بقول هند " لا يعطيني " إذ لو كان حاضرا لقالت لا ينفق علي ، لأن الزوج هو الذي يباشر الإنفاق . وهذا ضعيف لجواز أن يكون عادته أن يعطيها جملة ويأذن لها في الإنفاق مفرقا . نعم قول النووي إن أبا سفيان كان حاضرا بمكة حق ، وقد سبقه إلى الجزم بذلك السهيلي ، بل أورد أخص من ذلك وهو أن أبا سفيان كان جالسا معها في المجلس ، لكن لم يسق إسناده ، وقد ظفرت به في " طبقات ابن سعد " أخرجه بسند رجاله رجال الصحيح ، إلا أنه مرسل عن الشعبي " أن هندا لما بايعت وجاء قوله nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=12ولا يسرقن قالت : قد كنت أصبت من مال أبي سفيان فقال أبو سفيان : فما أصبت من مالي فهو حلال لك " . قلت : ويمكن تعدد القصة وأن هذا وقع لما بايعت ثم جاءت مرة أخرى فسألت عن الحكم ، وتكون فهمت من الأول إحلال أبي سفيان لها ما مضى فسألت عما يستقبل ، لكن يشكل على ذلك ما أخرجه ابن منده في " المعرفة " من طريق عبد الله بن محمد بن زاذان عن nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه قال " nindex.php?page=hadith&LINKID=846013قالت هند لأبي سفيان : إني أريد أن أبايع ، قال : فإن فعلت فاذهبي معك برجل من قومك ، فذهبت إلى عثمان فذهب معها ، فدخلت منتقبة فقال : بايعي أن لا تشركي " الحديث ، وفيه " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503744فلما فرغت قالت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل بخيل - الحديث - قال : ما تقول يا أبا سفيان ؟ قال : أما يابسا فلا ، وأما رطبا فأحله " وذكر أبو نعيم في " المعرفة " أن عبد الله تفرد به بهذا السياق وهو ضعيف ، وأول حديثه يقتضي أن أبا سفيان لم يكن معها وآخره [ ص: 421 ] يدل على أنه كان حاضرا ; لكن يحتمل أن يكون كل منهما توجه وحده أو أرسل إليه لما اشتكت منه ، ويؤيد هذا الاحتمال الثاني ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في تفسير الممتحنة من " المستدرك " عن فاطمة بنت عتبة " nindex.php?page=hadith&LINKID=846014أن أبا حذيفة بن عتبة ذهب بها وبأختها هـند يبايعان ، فلما اشترط ولا يسرقن قالت هند : لا أبايعك على السرقة ، إني أسرق من زوجي ، فكف حتى أرسل إلى أبي سفيان يتحلل لها منه فقال : أما الرطب فنعم وأما اليابس فلا " والذي يظهر لي أن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لم يرد أن قصة هند كان قضاء على أبي سفيان وهو غائب ، بل استدل بها على صحة القضاء على الغائب ولو لم يكن ذلك قضاء على غائب بشرطه ، بل لما كان أبو سفيان غير حاضر معها في المجلس وأذن لها أن تأخذ من ماله بغير إذنه قدر كفايتها كان في ذلك نوع قضاء على الغائب فيحتاج من منعه أن يجيب عن هذا ، وقد انبنى على هذا الخلاف يتفرع منه وهو أن nindex.php?page=treesubj&link=13349الأب إذا غاب أو امتنع من الإنفاق على ولده الصغير أذن القاضي للأم إذا كانت فيها أهلية ذلك في الأخذ من مال الأب إن أمكن أو في الاستقراض عليه والإنفاق على الصغير ، وهل لها الاستقلال بذلك بغير إذن القاضي ؟ وجهان ينبنيان على الخلاف في قصة هند ، فإن كانت إفتاء جاز لها الأخذ بغير إذن ، وإن كانت قضاء فلا يجوز إلا بإذن القاضي .
ومما رجح به أنه كان قضاء لا فتيا التعبير بصيغة الأمر حيث قال لها " خذي " ولو كان فتيا لقال مثلا : لا حرج عليك إذا أخذت ، ولأن الأغلب من تصرفاته صلى الله عليه وسلم إنما هـو الحكم . ومما رجح به أنه كان فتوى وقوع الاستفهام في القصة في قولها " هل علي جناح " ؟ ولأنه فوض تقدير الاستحقاق إليها ، ولو كان قضاء لم يفوضه إلى المدعي ، ولأنه لم يستحلفها على ما ادعته ولا كلفها البينة ، والجواب أن في ترك تحليفها أو تكليفها البينة حجة لمن أجاز للقاضي أن يحكم بعلمه فكأنه صلى الله عليه وسلم علم صدقها في كل ما ادعت به ، وعن الاستفهام أنه لا استحالة فيه من طالب الحكم ، وعن تفويض قدر الاستحقاق أن المراد الموكول إلى العرف كما تقدم ، وسيأتي بيان المذاهب في القضاء على الغائب في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى .
" تنبيه " :
أشكل على بعضهم استدلال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بهذا الحديث على مسألة الظفر في كتاب الأشخاص حيث ترجم له " nindex.php?page=treesubj&link=25272قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه " واستدلاله به على جواز nindex.php?page=treesubj&link=15169القضاء على الغائب ، لأن الاستدلال به على مسألة الظفر لا تكون إلا على القول بأن مسألة هند كانت على طريق الفتوى ، والاستدلال به على مسألة القضاء على الغائب لا يكون إلا على القول بأنها كانت حكما . والجواب أن يقال : كل حكم يصدر من الشارع فإنه ينزل منزلة الإفتاء بذلك الحكم في مثل تلك الواقعة ، فيصح الاستدلال بهذه القصة للمسألتين والله أعلم . وقد وقع هذا الباب مقدما على بابين عند أبي نعيم في " المستخرج "