الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              1570 [ ص: 358 ] (باب فضل الصلاة على الجنازة واتباعها)

                                                                                                                              وذكره النووي في: (كتاب الجنائز) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 13 - 14 ج7 المطبعة المصرية [أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين. .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي هريرة ) رضي الله عنه: (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شهد الجنازة حتى يصلى عليها، فله قيراط") .

                                                                                                                              فيه: الحث على الصلاة على الجنازة، واتباعها، ومصاحبتها، حتى تدفن لقوله صلى الله عليه وسلم:

                                                                                                                              (ومن شهدها حتى دفن، فله قيراطان) .

                                                                                                                              أي: يحصل بالصلاة قيراط. وبالاتباع مع حضور الدفن قيراط آخر.

                                                                                                                              فيكون الجميع: "قيراطين".

                                                                                                                              تبينه رواية البخاري في كتاب الإيمان: (من شهد جنازة، وكان معها حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها: رجع من الأجر بقيراطين) .

                                                                                                                              [ ص: 359 ] فهذا صريح، في أن المجموع: الصلاة، والاتباع، وحضور الدفن، قيراطين.

                                                                                                                              وفي رواية البخاري هذه، مع رواية مسلم التي ذكرها بعد هذا؛ من حديث عبد الأعلى: "حتى يفرغ منها"، دليل على أن القيراط الثاني، لا يحصل إلا لمن دام معها: من حين صلى إلى أن فرغ من دفنها.

                                                                                                                              قال النووي : وهذا هو الصحيح، عند أصحابنا.

                                                                                                                              وقال بعض أصحابنا: يحصل القيراط الثاني، إذا ستر الميت في القبر باللبن، وإن لم يلق عليه التراب.

                                                                                                                              قال: والصواب: الأول..

                                                                                                                              وقد يستدل بلفظ الاتباع في هذا الحديث، وغيره: من يقول: المشي وراء الجنازة، أفضل من أمامها.

                                                                                                                              وهو قول علي " كرم الله وجهه "، ومذهب الأوزاعي، وأبي حنيفة.

                                                                                                                              وقال جمهور الصحابة، والتابعين، ومالك، والشافعي، وجماهير العلماء: المشي قدامها أفضل.

                                                                                                                              وقال الثوري، وطائفة: هما سواء. انتهى.

                                                                                                                              قلت: والقول بالاستواء، هو الراجح بالنظر في الأدلة.

                                                                                                                              [ ص: 360 ] قال الشوكاني في "المختصر": والمتقدم عليها والمتأخر عنها، سواء انتهى.

                                                                                                                              انظر أدلة ذلك، في كتابنا: "الروضة الندية".

                                                                                                                              وإليه ذهب صاحب (حجة الله البالغة) ، حيث قال: إن الكل واسع، وإنه قد صح في الكل: حديث، أو أثر. انتهى.

                                                                                                                              قال عياض : وفي إطلاق هذا الحديث وغيره، إشارة إلى أنه لا يحتاج المنصرف عن اتباع الجنازة بعد دفنها، إلى استئذان.

                                                                                                                              وهو مذهب جماهير العلماء من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم.

                                                                                                                              وهو المشهور عن مالك. وحكي عنه: أنه لا ينصرف إلا بإذن. وهو قول جماعة من الصحابة. انتهى.

                                                                                                                              قلت: ولابد من دليل على هذا الاستئذان، ولا دليل عليه.

                                                                                                                              (قيل: وما القيراطان ؟ قال: " مثل الجبلين العظيمين ")

                                                                                                                              " القيراط ": مقدار من الثواب، معلوم عند الله تعالى.

                                                                                                                              وفي حديث آخر: (قيل: وما القيراطان ؟ قال: " أصغرهما مثل أحد") .

                                                                                                                              وهذا الحديث: يدل على عظم مقداره، في هذا الموضع.

                                                                                                                              قال مسلم في آخر هذا الحديث في صحيحه: (وكان ابن عمر يصلي عليها: ثم ينصرف، فلما بلغه حديث أبي هريرة قال: لقد ضيعنا قراريط كثيرة) .وفي لفظ بزيادة: "في"..

                                                                                                                              والأول هو الظاهر.

                                                                                                                              [ ص: 361 ] والثاني صحيح على أن: "ضيعنا " معنى: "فرطنا ". وقد جاء مبينا في رواية أخرى عند مسلم بلفظ:

                                                                                                                              فقال ابن عمر : لقد فرطنا في قراريط كثيرة .

                                                                                                                              وفيه: ما كان الصحابة عليه، من الرغبة في الطاعات حين يبلغهم، والتأسف على ما يفوتهم منها، وإن كانوا لا يعلمون عظم موقعه.




                                                                                                                              الخدمات العلمية