الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله الإشارة إلى ما حل بهم من إلقاء الرعب في قلوبهم وما أصابهم من الضرب والقتل ، والكاف لخطاب الرسول ، أو لخطاب كل سامع ، أو لخطاب الكفار على سبيل الالتفات ، وذلك مبتدأ وبأنهم هو الخبر ، والضمير عائد على الكفار ، وتقدم الكلام في المشاقة في قوله : فإنما هم في شقاق والمشاقة هنا مفاعلة ، فكأنه تعالى لما شرع شرعا وأمر بأوامر وكذبوا بها وصدوا تباعد ما بينهم وانفصل وانشق ، وعبر المفسرون في قوله : شاقوا الله ، أي : صاروا في شق غير شقه . ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب أجمعوا على الفك في يشاقق اتباعا لخط المصحف ، وهي لغة الحجاز ، والإدغام لغة تميم ، كما جاء في الآية الأخرى ، ومن يشاق الله ; وقيل : فيه حذف مضاف ، تقديره : شاقوا [ ص: 472 ] أولياء الله ، ومن شرطية ، والجواب فإن وما بعدها ، والعائد على من محذوف ، أي : شديد العقاب له ، وتضمن وعيدا وتهديدا ، وبدأهم بعذاب الدنيا من القتل والأسر والاستيلاء عليهم .

ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار جمع بين العذابين عذاب الدنيا وهو المعجل ، وعذاب الآخرة وهو المؤجل ، والإشارة بذلكم إلى ما حل بهم من عذاب الدنيا ، والخطاب للمشاقين ، ولما كان عذاب الدنيا بالنسبة إلى عذاب الآخرة يسيرا سمى ما أصابهم منه ذوقا ; لأن الذوق يعرف به الطعم ، وهو يسير ليعرف به حال الطعم الكثير ، كما قال تعالى : ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فما حصل لهم من العذاب في الدنيا كالذوق القليل بالنسبة إلى ما أعد لهم في الآخرة من العذاب العظيم ، وذلكم مرفوع إما على ابتداء والخبر محذوف ، أي : ذلكم العقاب ، أو على الخبر والمبتدأ محذوف ، أي : العقاب ذلكم ، وهما تقديران للزمخشري . وقال ابن عطية : أي : ذلكم الضرب والقتل وما أوقع الله بهم يوم بدر ، فكأنه قال : الأمر ذلكم فذوقوه ، انتهى . وهذا تقدير الزجاج ، وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون نصبا على عليكم ذلكم فذوقوه ، كقولك زيدا فاضربه ، انتهى ، ولا يجوز هذا التقدير : لأن عليكم من أسماء الأفعال ، وأسماء الأفعال لا تضمر ، وتشبيهه له بقولك : زيدا فاضربه ليس بجيد ; لأنهم لم يقدروه بعليك زيدا فاضربه ، وإنما هذا منصوب على الاشتغال ، وقد أجاز بعضهم في ذلك أن يكون منصوبا على الاشتغال ، وقال بعضهم : لا يجوز أن يكون ذلكم مبتدأ أو فذوقوه خبرا ; لأن ما بعد الفاء لا يكون خبرا لمبتدأ ، إلا أن يكون المبتدأ اسما موصولا أو نكرة موصوفة ، نحو : الذي يأتيني فله درهم ، وكل رجل في الدار فمكرم ، انتهى ، وهذا الذي قاله صحيح ، ومسألة الاشتغال تنبني على صحة جواز أن يكون ذلكم يصح فيه الابتداء ، إلا أن قولهم : زيدا فاضربه وزيد فاضربه ليست الفاء هنا كالفاء في : الذي يأتيني فله درهم ، لأن هذه الفاء دخلت لتضمن المبتدأ معنى اسم الشرط ، ولذلك شروط ذكرت في النحو ، والفاء في : زيد فاضربه هي جواب لأمر مقدر ومؤخرة من تقديم ، والتقدير : تنبه فزيد اضربه وقالت العرب زيدا فاضربه ، وقدره النحاة : تنبه فاضرب زيدا ، وابتنى الاشتغال في زيدا فاضربه على هذا التقدير ، فقد بان الفرق بين الفاءين ، ولولا هذا التقدير لم يجز : زيدا فاضرب ، بل كان يكون التركيب زيدا اضرب ، كما هو إذا لم يقدر هناك أمر بالتنبيه محذوف . وقرأ الجمهور : وأن بفتح الهمزة . قال الزمخشري : عطف على ذلكم في وجهيه ، أو نصب على أن الواو [ ص: 473 ] بمعنى مع ، ذوقوا هذا العذاب العاجل مع الآجل الذي لكم في الآخرة ، فوضع الظاهر موضع الضمير ، أي مكان : وإن لكم ، وإن للكافرين . وقال ابن عطية : إما على تقدير : وحتم أن ، فتقدير ابتداء محذوف يكون خبره . وقال سيبويه : التقدير : الأمر ذلكم ، وإما على تقدير : واعلموا أن ، فهي في موضع نصب ، انتهى . وقرأ الحسن وزيد بن علي وسليمان التيمي : وإن ، بكسر الهمزة على استئناف الأخبار .

التالي السابق


الخدمات العلمية