الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 371 ] 990 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في عهدة الرقيق .

6088 - حدثنا أبو أمية قال : حدثنا المعلى بن منصور الرازي ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، أخبرنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن .

عن عقبة بن عامر قال : جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدة الرقيق ثلاثة أيام .

[ ص: 372 ]

6089 - وحدثنا أبو أمية ، حدثنا المعلى ، حدثنا هشيم ، عن يونس ، عن الحسن .

عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا عهدة بعد أربع .

6090 - وحدثنا عبد الله بن محمد بن خشيش البصري ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا أبان بن يزيد ، عن قتادة ، عن الحسن .

عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : عهدة الرقيق ثلاثة أيام .

[ ص: 373 ]

6091 - وحدثنا نصر بن مرزوق ، حدثنا الخصيب بن ناصح ، حدثنا همام ، عن قتادة ، عن الحسن .

عن عقبة بن عامر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا عهدة بعد أربع .

6092 - وحدثنا أبو أمية ، حدثنا أبو عاصم ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن .

عن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عهدة الرقيق ثلاث .

فكان هذا الحديث قد جاء بهذا الاضطراب ; فمرة يقال فيه : عن الحسن ، عن عقبة ، ومرة : عن الحسن ، عن سمرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

فأما من قال فيه : عن عقبة ، فذلك مما يبعد في القلوب أيضا ; لأن أهل العلم بالحديث جميعا لا يثبتون للحسن لقاء لعقبة .

[ ص: 374 ] وأما من قال عنه : عن الحسن ، عن سمرة ، فذلك موهوم فيه لقاء الحسن سمرة ، وأخذه عنه ، بل قد صح ذلك وثبت .

كما قد حدثنا بكار بن قتيبة ، حدثنا قريش بن أنس ، عن حبيب بن الشهيد قال : قال لي محمد بن سيرين : سل الحسن ممن سمع حديثه في العقيقة . فسألته ، فقال : سمعته من سمرة .

ولما تأملنا هذا الحديث فوجدناه قد جاء بذكر العهدة ، وكانت العهدة في كلام العرب مأخوذة من العهد ، وهي الأشياء المتقدم فيها المطلوب ممن تقدم إليه فيها الوفاء بها ، فمن ذلك قول الله عز وجل : ولقد عهدنا إلى آدم ، ومنها قوله : ألم أعهد إليكم يا بني آدم ، ومنها قوله عز وجل : وكان عهد الله مسئولا ، في أمثال ، كذلك قد جاء بها القرآن ، فكان الأولى بنا مما قد رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب أن نجعله على العقد المشروط في البياعات من الخيارات المشروطات فيها ، أفتكون مدته ثلاثة أيام أم فوقها ، كما يقوله أبو حنيفة وزفر والشافعي .

فأما ما يقوله أهل المدينة في عهدة الرقيق التي يكون فيها موت المبيع ، أو ما ظهر به في بدنه في ثلاثة أيام ، أو في ستة أيام على ما يقولونه في ذلك ، فلم نجد له معنى يقوى في قلوبنا .

وقد كان عطاء وطاووس ينكران ذلك ولا يريانه شيئا .

كما حدثنا أبو أمية ، حدثنا المعلى ، حدثنا ابن المبارك ، عن ابن جريج ، أخبرني [ ص: 375 ] ابن طاووس ، عن أبيه : أنه كان لا يرى العهدة شيئا ، لا ثلاثة ولا أكثر .

وكما حدثنا أبو أمية ، حدثنا المعلى ، حدثنا ابن المبارك ، حدثنا ابن جريج قال : قال عطاء : لم يكن فيما مضى عهدة في الأرض قلت : فما ثلاثة أيام ؟ قال : لا شيء .

وكما حدثنا عبيد بن رجال ، حدثنا إبراهيم بن محمد الشافعي ، حدثنا الحارث بن عمير ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن شريح قال : عهدة المسلم أن لا داء ولا غائلة ولا شين .

ففي هذا من قول شريح أيضا نفي العهدة التي ذكرنا ، وموافقة عطاء وطاووس على ما ذكرناه عنهما .

ولما لم نجد في العهدة المذكورة في هذا الحديث غير ما ذكرناه فيها التمسنا حكمها من طريق النظر ، فوجدنا الرجل إذا باع العبد أو الجارية من غيره وسلمها إليه ، فأراد أن يمنع المانع من ثمنها أنه [ ص: 376 ] ليس له ذلك ; لأنه لو كان بقي عليه شيء مما يوجبه البيع من خيار أو غيره كان له منعه من ذلك حتى يثبت البيع بينهما ، فكان في إجماعهم أنه ليس له منعه من ذلك ما قد دل على أنه لم يبق له عليه حق بحق البيع الذي كانا قد تعاقداه من عهدة ، ولا مما سوى ذلك ، والله الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية