الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

قد ذكرت في غير هذا الموضع أن الناس اختلفوا في مسمى الإنسان : هل هو الجسد وهو الجملة المشاهدة ، كما يقوله أكثر أهل الكلام من أصحابنا وغيرهم ، أو هو اسم لمعنى وراء هذه الجملة وهو الروح ، كما يقوله كثير من أهل الفلسفة وطائفة من أهل الكلام ، أو هو اسم للمجموع ؟ على ثلاثة أقوال .

والثالث هو الصواب الذي دل عليه الكتاب والسنة ، وعليه عامة أهل السنة وجمهور الناس ، وإن كان الاسم عند التقييد يتناول الجسد فقط ، أو الروح فقط ، أو أحدهما بشرط الآخر ، فيكون الآخر شرطا تارة ، كما كان شطرا في الأصل .

وكذلك اختلفوا في وصفه الظاهر ، وهو النطق المذكور في قوله : فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون [الذاريات :23] ، هل هو اسم للحروف والأصوات فقط ؟ كما هو قول المعتزلة وطائفة من أهل السنة من أصحابنا وغيرهم ، أو هو اسم لمعنى قائم بالنفس وراء الحروف والأصوات ؟ كما هو قول الكلابية والأشعرية وبعض أهل الحديث والسنة ، أو هو اسم لمجموع اللفظ والمعنى ؟ على ثلاثة أقوال .

والثالث هو الصواب الذي عليه الأئمة ، وهو منصوص أحمد [ ص: 82 ] وغيره ، حيث قد نص على أن كل واحد من المعاني والحروف داخلة في مسمى الكلام ، وهو قول جمهور الخلق ، وهو مدلول الكتاب والسنة ، وإن كان الكلام يقع [على اللفظ] تارة وعلى المعنى تارة ، إما مجردا وإما بشرط الآخر ، وهذا في الحروف كثير ، فإن إضافة الكلام والمنطق والقول إلى اللسان ووضع ذلك على الحروف والأصوات كثير .

وأما إضافة ذلك إلى النفس والقلب ووضع ذلك على المعاني فمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم : «إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به » ، ومثل قول أبي الدرداء : ليحذر أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين وهو لا يشعر ، وقوله : إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم . فأضاف اللعنة إلى القلوب ، واللعنة من الدعاء الذي هو أحد نوعي الكلام . ومثل قول الحسن البصري : ما زال أهل العلم يعودون بالتذكر على التفكر ، وبالتفكر على التذكر ، ويناطقون القلوب حتى نطقت ، فإذا لها أسماع وأبصار ، فأورثت العلم ونطقت بالحكمة . ومثل قول الجنيد : التوحيد قول القلب ، والتوكل عمل القلب . [ ص: 83 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية