الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 377 ] 991 - باب بيان مشكل ما روي عن فضالة بن عبيد في القلادة ذات الذهب ، والخرز التي بيعت بذهب ، وما رواه بعضهم في ذلك ، مما رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم : أنها لا تباع حتى تفصل ، وما رواه بعضهم موقوفا على فضالة .

6093 - حدثنا الربيع المرادي ، حدثنا أسد بن موسى .

6094 - وحدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، ثم اجتمعا ، فقال كل واحد منهما : حدثنا الليث بن سعد ، حدثني أبو شجاع سعيد بن يزيد الحميري ، عن خالد بن أبي عمران ، وسقط من كتابي ، عن الربيع ، عن حنش ، وهو ثابت في حديث أحمد ، عن فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اشتريت يوم خيبر قلادة فيها ذهب ، وخرز باثني عشر دينارا ، ففصلتها ، فإذا الذهب أكثر من اثني عشر دينارا ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : لا تباع حتى تفصل .

[ ص: 378 ] فكان في هذا الحديث منع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع القلادة التي فيها الخرز والذهب بالذهب حتى تفصل ، فإن كان ذلك كذلك ففي ذلك دليل أنه إذا علم مقداره غني بذلك عن تفصيلها ، وفي الحديث ما قد دل على جواز بيعها قبل أن تفصل ; لأنها إنما كانت من المغانم فبيعت بعد ذلك ، والمغانم فإنما تقسم بين أهلها على ما تجوز عليه البياعات .

6095 - وحدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا عمرو بن عون الواسطي ، حدثنا هشيم ، عن ليث بن سعد ، عن خالد بن أبي عمران ، ولم يذكر بينهما أبا شجاع ، عن حنش الصنعاني .

عن فضالة بن عبيد قال : أصبت يوم خيبر قلادة فيها ذهب وخرز ، فأردت أن أبيعها ، فأتيت النبي - عليه السلام - فذكرت ذلك له [ ص: 379 ] فقال : افصل بعضها من بعض ، ثم بعها كيف شئت .

فكان حديث الليث الذي بدأنا بذكره هو الصحيح في هذا الباب من حديثه ; لأنه كذلك هو عند أهل بلده عنه .

6096 - وحدثنا فهد بن سليمان ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن سعيد بن يزيد قال : سمعت خالد بن أبي عمران يحدث عن حنش .

عن فضالة قال : أتي النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر بقلادة فيها خرز مغلفة بذهب ابتاعها رجل بسبع أو بتسع ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك ، فقال : لا ، حتى تميز ما بينهما . قال : إنما أردت الحجارة ، فقال : لا ، حتى تميز ما بينهما . فرده .

[ ص: 380 ] ففي هذا الحديث ما قد دل على تقدم قسمتها بين الرجل الذي باعها وبين أهل الغنيمة سواه ، وفي ذلك ما قد دل على أنه يجوز أن يقسم كذلك بلا تفصيل ، وما جاز في الغنيمة من هذا جاز في البيع ، واحتمل قول النبي صلى الله عليه وسلم : لا ، حتى تميز ما بينهما من الذهب والجوهر اللذين كانا فيها لما وقف على ما في حديث الليث من الفضل الذي كان في ذهبها على الذي بيعت به .

6097 - وحدثنا يونس ، حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرني قرة بن عبد الرحمن ، وعمرو بن الحارث أن عامر بن يحيى المعافري أخبرهما ، عن حنش قال :

كنا مع فضالة بن عبيد في غزوة ، فطارت لي ، ولأصحابي قلادة فيها ذهب ، وورق ، وجوهر ، فأردت أن أشتريها ، فسألت فضالة ، فقال : انزع ذهبها ، فاجعله في الكفة ، واجعل ذهبا في كفة ، ثم لا تأخذن إلا مثلا بمثل ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذن إلا مثلا بمثل .

[ ص: 381 ] فكان الذي في هذا الحديث مما ذكر في القلادة من تفصيلها في الحديث الأول مذكورا في هذا الحديث عن فضالة لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، غير ما ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم مما ليس من ذلك المعنى في شيء .

6098 - وحدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، حدثني أبو هانئ أنه سمع علي بن رباح اللخمي يقول : سمعت فضالة بن عبيد الأنصاري يقول : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادة فيها ذهب ، وخرز ، وهي من المغانم تباع ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده ، ثم قال رسول الله : الذهب بالذهب وزنا بوزن .

6099 - وحدثنا بكر بن إدريس الأزدي ، حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، حدثنا حيوة بن شريح ، عن أبي هانئ ، فذكر بإسناده مثله .

فكان الذي في هذا الحديث ليس مما في الأحاديث التي ذكرناها عن حنش عن فضالة في هذا الباب في شيء ; لأن الذي في أحاديث حنش الذي كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن لا تباع حتى [ ص: 382 ] تفصل ، وفي بعضها : فرد ذلك البيع ، وكان هذا الذي في حديث علي بن رباح تفصيل النبي صلى الله عليه وسلم إياها بغير بيع كان قد تقدم فيها ، وإعلامه الناس أن الذهب بالذهب وزنا بوزن .

ولما وقع في هذا الحديث من الاضطراب ما ذكرنا ، فكان المعنى الذي أريد بهذا الحديث من أجله هو ما يختلف فيه أهل العلم من بيع الذهب وغيره في صفقة واحدة بذهب .

فتقول طائفة منهم : إن كان ذلك الذهب الذي بيعا به أكثر من الذهب الذي ابتيعا به ، كان ما بقي من ذلك الذهب مبتاعا به ما بيع مع الذهب المبيع في تلك الصفقة ، وإن كان الذهب المبيع مما بيع معه لا يدرى ما وزنه ، أو كان مثل الذهب المبتاع به ذانك الشيئان أو أقل منه فالبيع فاسد ، وممن كان يقول ذلك أبو حنيفة وأصحابه .

وطائفة منهم تقول : لا يجوز ذلك البيع أصلا ; لأن الذهب الذي بيع به ذانك الشيئان يكون مقسوما على قيمتهما ، فيكون الذهب المبيع في تلك الصفقة مبيعا على ما أصابه على قسمة الثمن من الذهب المبتاع به ، فلا يجوز ذلك البيع لذلك ، وممن كان يقول ذلك منهم الشافعي . وجعل أهل هذا القول الذهب والشيء المبيع معه كالعرضين اللذين من غير الذهب إذا بيعا بذهب صفقة واحدة ، أنه يكون كل واحد منهما مبيعا بما أصابه بقسمة الثمن على قيمته وعلى قيمة الشيء المبيع معه .

وكان الآخرون يذهبون إلى أن القسمة على القيم لا تستعمل في هذا ، وإنما تستعمل في غير الذهب المبيع بالذهب ، وفي غير الفضة [ ص: 383 ] المبيعة بالفضة ، وفي غير الأشياء المكيلات المبيعات بأجناسها ، وفي غير الأشياء الموزونات المبيعات بأمثالها ، فيستعملون في ذلك الأمثال المستعملة فيها ، ولا يستعملون في ذلك القيم التي ذكرنا .

وكانوا يحتجون لما كانوا يذهبون إليه في ذلك بما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما دلهم على ذلك .

6100 - كما حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني مالك ، أن حميد بن قيس ، حدثه عن مجاهد المكي .

أن صائغا سأل عبد الله بن عمر : إني أصوغ ثم أبيع الشيء من ذلك بأكثر من وزنه ، وأستفضل من ذلك قدر عملي ، فنهاه عبد الله بن عمر عن ذلك ، حتى انتهى إلى دابته ، أو إلى باب المسجد ، فقال له عبد الله بن عمر : الدينار بالدينار ، والدرهم بالدرهم ، لا فضل بينهما ، هذا عهد نبينا صلى الله عليه وسلم ، وعهدنا إليكم .

[ ص: 384 ] [ ص: 385 ]

6101 - وكما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا أبو عاصم ، عن عبد العزيز بن أبي رواد ، عن نافع ، عن ابن عمر .

عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الدرهم بالدرهم ، لا زيادة ، والدينار بالدينار ، ولا تشفوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا غائبا منها بحاضر .

[ ص: 386 ]

6102 - وكما حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني رجال من أهل العلم منهم : مالك بن أنس أن نافعا مولى ابن عمر حدثهم . عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله ، ولم يذكر بينه وبين أبي سعيد ابن عمر .

6103 - وكما حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب قال : سمعت مالكا [ ص: 387 ] يقول : حدثني موسى بن أبي تميم ، عن سعيد بن يسار .

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الدينار بالدينار ، والدرهم بالدرهم ، لا فضل بينهما .

6104 - وكما حدثنا علي بن عبد الرحمن قال : حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا همام بن يحيى ، حدثنا قتادة ، عن أبي الخليل ، عن مسلم [ ص: 388 ] عن أبي الأشعث الصنعاني : أنه شهد خطبة عبادة ، أنه حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الذهب بالذهب وزنا بوزن ، والفضة بالفضة وزنا بوزن ، والبر بالبر كيلا بكيل ، والشعير بالشعير كيلا بكيل ، ولا بأس ببيع الشعير بالتمر ، والتمر أكثرهما يدا بيد ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، من زاد أو استزاد فقد أربى .

[ ص: 389 ]

6105 - وكما حدثنا بكار بن قتيبة ، حدثنا الحسين بن حفص الأصبهاني ، حدثنا سفيان ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي الأشعث .

عن عبادة بن الصامت قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الذهب بالذهب وزنا بوزن ، والفضة بالفضة وزنا بوزن ، والبر بالبر مثلا بمثل ، والشعير بالشعير مثلا بمثل ، والملح بالملح مثلا بمثل ، فمن زاد أو ازداد فقد أربى .

6106 - وكما حدثنا علي بن شيبة ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا [ ص: 390 ] إسماعيل بن أبي خالد ، عن حكيم بن جابر .

عن عبادة بن الصامت قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الذهب بالذهب مثلا بمثل ، الكفة بالكفة ، والفضة بالفضة ، مثلا بمثل ، الكفة بالكفة ، والبر بالبر مثلا بمثل يدا بيد ، حتى ذكر الملح .

6107 - وكما حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن أن سهيل بن أبي صالح أخبره ، عن أبيه .

عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تبيعوا الذهب بالذهب ، ولا الورق بالورق ، إلا وزنا بوزن مثلا بمثل ، سواء بسواء .

[ ص: 391 ]

6108 - وكما حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني ابن أبي ذئب ، عن الحارث بن عبد الرحمن ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن .

عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دينار بدينار ، ودرهم بدرهم ، وصاع تمر بصاع تمر ، وصاع بر بصاع بر ، وصاع شعير بصاع شعير ، لا فضل بين شيء من ذلك .

6109 - وكما حدثنا علي بن معبد ، حدثنا المعلى بن منصور ، أخبرنا عباد - يعني ابن العوام - ، وعبد العزيز بن المختار ، عن يحيى بن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة .

عن أبيه قال : نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبيع الفضة بالفضة والذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ، وأمرنا أن نبيع الذهب في الفضة ، والفضة في الذهب كيف شئنا .

[ ص: 392 ] وفي هذا الباب آثار كثيرة اكتفينا منها بالذي جئنا به منها ، فكان في هذه الآثار إباحة رسول الله صلى الله عليه وسلم بيع الذهب بالذهب مثلا بمثل ، وقد يكون الذهب يتفاضل ، فيكون أحدهما أعلى من الآخر يباعان بدينارين مستويين ، فظاهر آثار النبي صلى الله عليه وسلم تطلق ذلك ; لأن ذلك لو كان مما يختلف لاختلاف الدينارين اللذين ذكرنا ، لبين للناس حتى يعلموا أنه أراد بما أطلق غيرهما ، وليس لأحد أن يأتي إلى ما أجمله النبي صلى الله عليه وسلم بحكم واحد فيستعمل فيه تفريق الأحكام وضرب الأمثال ، وكذلك التمر ، فقد أباح بعضه ببعض مثلا بمثل ، يدا بيد ، ولم يختلف في ذلك بين تمرين متفاضلين بيعا بتمر متساو .

وقد وجدنا التمر في نفسه موجودا فيه الاختلاف والتباين حتى تكون فيه التمرة العالية في مقدارها ، وتكون فيه التمرة المقصرة عن ذلك ، فإذا بيع التمر بمثله من التمر فكان هذا موجودا فيه ، ولم يمنع منه الشراء لتباينه في نفسه ولاختلافه في قيمته ، وإذا كان ذلك لا يراعى بقسمة الثمن عليه إذا بيع بجنسه ، وكان البيع فيه جائزا دل ذلك [ ص: 393 ] أنه قد خولف في ذلك بين الأشياء الموزونات وبين الأشياء المكيلات المبيعات بأمثالها ، فلم تستعمل فيها القيم ، واستعمل فيها التساوي فيما هي عليه من كيل أو وزن فأجيز بيع ذلك ، وأبطل إذا كان بخلاف ذلك .

وقد روي عن عبد الله بن عباس أيضا ما يدل على هذا المعنى .

كما قد حدثنا يحيى بن عثمان ، حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، حدثنا عثمان بن حكيم ، عن عطاء .

عن ابن عباس قال : بيع التمر في رؤوس النخل إذا كان في غيره دراهم أو دنانير لا بأس به .

فكان وجه ذلك أنه جعل التمر المبيع في رؤوس النخل مبيعا بمثله من التمر الذي ابتيع به ، ولو راعى في ذلك استعمال قسمة التمر على القيم لما جوز ذلك البيع ، وفي تجويزه إياه ما قد دل على أنه لم يستعمل فيه قسمة التمر على القيم كما يستعملها في بيع العرضين اللذين بخلاف ذلك ، وإذا كان ذلك كذلك فيما ذكرنا كان مثله في الذهبين المتفاضلين المبيعين بالذهب المتساوي لا يراعى فيه قسمة الثمن على القيم ، ولكن يراعى فيه التساوي في الوزن لا ما سواه .

فقال قائل : هذا الذي ذكرته عن عبد الله بن عباس مستحيل ; لأن [ ص: 394 ] مذهب ابن عباس كان إجازة بيع الفضة بالفضة مع الفضل الذي في أحدهما على الآخر يدا بيد ، ويروى عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك .

6110 - فذكر ما قد حدثنا نصر بن مرزوق ، حدثنا الخصيب بن ناصح ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس .

عن أسامة بن زيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنما الربا في النسيئة .

[ ص: 395 ]

6111 - وما قد حدثنا فهد ، حدثنا محمد بن سعيد ابن الأصبهاني ، أخبرنا سفيان ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، عن ابن عباس .

عن أسامة بن زيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله [ ص: 396 ]

6112 - وما قد حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا عمرو بن عون ، حدثنا خالد يعني الواسطي ، عن خالد - يعني الحذاء - ، عن عكرمة ، عن ابن عباس .

عن أسامة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

قال هذا القائل : فإذا كان هذا مذهب ابن عباس كان محالا أن يحتاج في ذلك إلى ما قد رويته عنه .

فكان جوابنا له في ذلك : أن عبد الله بن عباس قد كان هذا مذهبه ، ثم نزع عنه بعد ذلك وصار إلى قول غيره فيه .

6113 - كما حدثنا يونس ، حدثنا عبد الله بن نافع المديني ، عن داود بن قيس ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار .

عن أبي سعيد الخدري قال : قلت لابن عباس : أرأيت الذي تقول : الديناران بالدينار ، والدرهمان بالدرهم ، أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الدينار بالدينار ، والدرهم بالدرهم ، لا فضل بينهما . قال ابن عباس : أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت : نعم ، قال : فإني لم أسمع بهذا ، إنما أخبرنيه أسامة بن زيد ، فقال أبو سعيد : ونزع [ ص: 397 ] عنها ابن عباس .

[ ص: 398 ] فقال قائل : ومن أين نزع ابن عباس عما كان عليه قبل ذلك ، وقد كان أخذه عن أسامة بن زيد ، وموضع أسامة من الإسلام موضعه إلى ما حدثه به غيره مما يجوز أن يكون حدثه به أسامة ناسخا له ؟

فكان جوابنا له في ذلك : أن الربا الذي حرمه القرآن وجاء فيه الوعيد عليه هو الربا في النسيئة ، وهو ما كانوا يتبايعون من الآجال في الأموال بالأموال ، فكان ذلك مما حرمه القرآن وتوعد الله تعالى عليه بما توعد ، فكان ربا النسيئة هو التفاضل في الأشياء المكيلات والموزونات ، فوقف ابن عباس على أن الذي حدثه أبو سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في ربا غير ربا النسيئة ، فصار إليه وترك ما كان عليه قبل ذلك ، إذ كان في ربا سوى ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية