الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : يا أيها النبي قل لمن في أيديكم . الآية . أخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في "سننه" عن عائشة قالت : لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم، بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أبي العاصي وبعثت فيه بقلادة فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق رقة شديدة وقال : [ ص: 209 ] إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها . وقال العباس : إني كنت مسلما يا رسول الله . قال : الله أعلم بإسلامك، فإن تكن كما تقول فالله يجزيك، فافد نفسك وابني أخويك؛ نوفل بن الحارث، وعقيل بن أبي طالب، وحليفك عتبة بن عمرو . قال : ما ذاك عندي يا رسول الله . قال : فأين المال الذي دفنت أنت وأم الفضل؟ فقلت لها : إن أصبت فهذا المال لبني . فقال : والله يا رسول الله، إن هذا لشيء ما علمه غيري وغيرها، فاحسب لي ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي . فقال : أفعل . ففدى نفسه وابني أخويه وحليفه، ونزلت : ( قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ) . فأعطاني مكان العشرين أوقية في الإسلام عشرين عبدا، كلهم في يده مال يضرب به مع ما أرجو من مغفرة الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن سعد، والحاكم وصححه، عن أبي موسى، أن العلاء بن الحضرمي، بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين بثمانين ألفا، فما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مال أكثر منه، فنثر على حصير، وجاء الناس، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم، وما كان يومئذ عدد ولا وزن، فجاء العباس فقال : يا رسول الله، إني أعطيت فدائي وفداء عقيل يوم بدر، أعطني من هذا المال . فقال : خذ . فحثى في خميصته، ثم ذهب ينصرف فلم يستطع، فرفع رأسه وقال : يا رسول الله، ارفع علي . فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : أما [ ص: 210 ] أحد ما وعد الله فقد أنجز ولا أدري الأخرى : ( قل لمن في أيديكم من الأسارى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم ) . هذا خير مما أخذ مني ولا أدري ما يصنع في المغفرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو نعيم في "الدلائل"، من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال : أسر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر سبعين من قريش منهم العباس وعقيل، فجعل عليهم الفداء أربعين أوقية من ذهب، وجعل على العباس مائة أوقية، وعلى عقيل ثمانين أوقية، فقال العباس : لقد تركتني فقير قريش ما بقيت . فأنزل الله : يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى قال العباس حين نزلت : لوددت أنك كنت أخذت مني أضعافها فآتاني الله خيرا منها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج إسحاق بن راهويه في "مسنده"، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني في "الأوسط"، وأبو الشيخ ، وأبو نعيم في "الدلائل"، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى ) . وكان العباس يقول : في نزلت هذه الآية حين أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامي فسألته أن يحاسبني بالعشرين أوقية التي أخذت مني يوم بدر، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاني الله بالعشرين أوقية عشرين عبدا [ ص: 211 ] كلهم يضرب بمالي مع ما أرجو من مغفرة الله ورحمته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن إسحاق، وأبو نعيم من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس ، عن جابر بن عبد الله بن رئاب قال : قال العباس في نزلت هذه الآية : ( يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى ) حين ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إسلامي، وسألته أن يقاصني بالعشرين أوقية التي أخذت مني فأبى، فعوضني الله منها عشرين عبدا كلهم تاجر يضرب بمالي مع ما أرجو من رحمة الله ومغفرته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في "الدلائل"، وابن عساكر ، عن ابن عباس قال : كان العباس قد أسر يوم بدر، فافتدى نفسه بأربعين أوقية من ذهب، فقال حين نزلت : يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى لقد أعطاني خصلتين، ما أحب أن لي بهما الدنيا؛ إني أسرت يوم بدر، ففديت نفسي بأربعين أوقية، فأعطاني الله أربعين عبدا، وإني أرجو المغفرة التي وعدنا الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس : ( قل لمن في أيديكم من الأسرى ) . [ ص: 212 ] قال : عباس وأصحابه، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : آمنا بما جئت به ونشهد أنك رسول الله . فنزل : إن يعلم الله في قلوبكم خيرا ؛ إيمانا وتصديقا، يخلف لكم خيرا مما أصيب منكم، ويغفر لكم الشرك الذي كنتم عليه . فكان عباس يقول : ما أحب أن هذه الآية لم تنزل فينا وأن لي ما في الدنيا من شيء، فلقد أعطاني الله خيرا مما أخذ مني مائة ضعف، وأرجو أن يكون غفر لي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن سعد، وابن عساكر ، عن ابن عباس في قوله : ( يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى ) الآية، قال : نزلت في الأسارى يوم بدر؛ منهم العباس بن عبد المطلب، ونوفل بن الحارث، وعقيل بن أبي طالب .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية