الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ثرد ]

                                                          ثرد : الثريد معروف . والثرد : الهشم ; ومنه قيل لما يهشم من الخبز ويبل بماء القدر وغيره : ثريدة . والثرد : الفت ، ثرده يثرده ثردا ، فهو ثريد . وثردت الخبز ثردا : كسرته فهو ثريد ومثرود ، والاسم الثردة - بالضم - . والثريد والثرودة : ما ثرد من الخبز . واثرد ثريدا واترده : اتخذه . وهو مترد ، قلبت الثاء تاء ; لأن الثاء أخت التاء في الهمس ، فلما تجاورتا في المخرج أرادوا أن يكون العمل من وجه فقلبوها تاء وأدغموها في التاء بعدها ; ليكون الصوت نوعا واحدا ، كأنهم لما أسكنوا تاء وتد تخفيفا أبدلوها إلى لفظ الدال بعدها فقالوا ود . غيره : اثردت الخبز أصله اثتردت على افتعلت ، فلما اجتمع حرفان مخرجاهما متقاربان في كلمة واحدة وجب الإدغام ، إلا أن الثاء لما كانت مهموسة والتاء مجهورة لم يصح ذلك ، فأبدلوا من الأول تاء فأدغموه في مثله ، وناس من العرب يبدلون من التاء ثاء فيقولون : اثردت ، فيكون الحرف الأصلي هو الظاهر ; وقوله أنشده ابن الأعرابي :


                                                          ألا يا خبز يا ابنة يثردان أبى الحلقوم بعدك لا ينام     وبرق للعصيدة لاح وهنا
                                                          [ ص: 14 ] كما شققت في القدر السناما

                                                          قال : يثردان غلامان كانا يثردان فنسب الخبزة إليهما ولكنه نون وصرف للضرورة ، والوجه في مثل هذا أن يحكى ; ورواه الفراء أثردان فعلى هذا ليس بفعل سمي به إنما هو اسم كأسحلان وألعبان ; فحكمه أن ينصرف في النكرة ولا ينصرف في المعرفة ; قال ابن سيده : وأظن أثردان اسما للثريد أو المثرود معرفة ، فإذا كان كذلك فحكمه أن لا ينصرف لكن صرفه للضرورة ، وأراد أبى صاحب الحلقوم بعدك لا ينام ; لأن الحلقوم ليس هو وحده النائم ، وقد يجوز أن يكون خص الحلقوم هاهنا ; لأن ممر الطعام إنما هو عليه ، فكأنه لما فقده حن إليه فلا يكون فيه على هذا القول حذف . وقوله : وبرق للعصيدة لاح وهنا ، إنما عنى بذلك شدة ابيضاض العصيدة ، فكأنما هي برق ، وإن شئت قلت : إنه كان جوعان متطلعا إلى العصيدة كتطلع المجدب إلى البرق ، أو كتطلع العاشق إليه إذا آتاه من ناحية محبوبه . وقوله : كما شققت في القدر السناما ، يريد أن تلك العصيدة بيضاء تلوح كما يلوح السنام إذا شقق ، يعني بالسنام الشحم إذ هو كله شحم . ويقال : أكلنا ثريدة دسمة - بالهاء - على معنى الاسم أو القطعة من الثريد . وفي الحديث : فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ; قيل : لم يرد عين الثريد وإنما أراد الطعام المتخذ من اللحم والثريد معا ; لأن الثريد غالبا لا يكون إلا من لحم ، والعرب قلما تتخذ طبيخا ولا سيما بلحم . ويقال : الثريد أحد اللحمين بل اللذة والقوة إذا كان اللحم نضيجا في المرق أكثر ما يكون في نفس اللحم . والتثريد في الذبح : هو الكسر قبل أن يبرد وهو منهي عنه . وثرد الذبيحة : قتلها من غير أن يفري أوداجها ; قال ابن سيده : وأرى ثرده لغة . وقال ابن الأعرابي : المثرد الذي لا تكون حديدته حادة فهو يفسخ اللحم ; وفي الحديث : سئل ابن عباس عن الذبيحة بالعود فقال : ما أفرى الأوداج غير المثرد ، فكل . المثرد : الذي يقتل بغير ذكاة . يقال : ثردت ذبيحتك . وقيل : التثريد أن يذبح الذبيحة بشيء لا ينهر الدم ولا يسيله فهذا المثرد . وما أفرى الأوداج من حديد أو ليطة أو طرير أو عود له حد ، فهو ذكي غير مثرد ، ويروى غير مثرد بفتح الراء ، على المفعول ، والرواية كل : أمر بالأكل وقد ردها أبو عبيد وغيره . وقالوا : إنما هي كل ما أفرى الأوداج أي كل شيء أفرى ، والفري القطع . وفي حديث سعيد : وسئل عن بعير نحروه بعود فقال : إن كان مار مورا فكلوه ، وإن ثرد فلا . وقيل : المثرد الذي يذبح ذبيحته بحجر أو عظم أو ما أشبه ذلك ، وقد نهي عنه ، والمثراد : اسم ذلك الحجر ; قال :


                                                          فلا تدموا الكلب بالمثراد

                                                          ابن الأعرابي : ثرد الرجل إذا حمل من المعركة مرتثا . وثوب مثرود أي مغموس في الصبغ ; وفي حديث عائشة - رضي الله عنها : فأخذت خمارا لها قد ثردته بزعفران أي صبغته ; وثوب مثرود . والثرد - بالتحريك - : تشقق في الشفتين . والثرد : المطر الضعيف ، عن ابن الأعرابي ; قال : وقيل لأعرابي : ما مطر أرضك ؟ قال : مرككة فيها ضروس ، وثرد يذر بقله ولا يقرح أصله ; الضروس : سحائب متفرقة وغيوث يفرق بينها ركاك ، وقال مرة : هي الجود ويذر : يطلع ويظهر ، وذلك أنه يذر من أدنى مطر وإنما يذر من مطر قدر وضح الكف . ولا يقرح البقل إلا من قدر الذراع من المطر فما زاد ، وتقريحه نبات أصله ، وهو ظهور عوده . والثريد القمحان ، عن أبي حنيفة ، يعني الذي يعلو الخمر كأنه ذريرة . واثرندى الرجل : كثر لحم صدره .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية