الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      ابن ناصر

                                                                                      الإمام المحدث الحافظ مفيد العراق ، أبو الفضل محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر السلامي البغدادي .

                                                                                      مولده في سنة سبع وستين وأربعمائة .

                                                                                      وربي يتيما في كفالة جده لأمه الفقيه أبي حكيم الخبري .

                                                                                      [ ص: 266 ] توفي أبوه المحدث ناصر شابا ، فلقنه جده أبو حكيم القرآن ، وسمعه من أبي القاسم علي بن أحمد بن البسري ، وأبي طاهر بن أبي الصقر الأنباري .

                                                                                      ثم طلب ، وسمع من : عاصم بن الحسن ، ومالك بن أحمد البانياسي ، وأبي الغنائم بن أبي عثمان ، ورزق الله التميمي ، وطراد الزينبي ، وابن طلحة النعالي ، ونصر بن البطر ، وأبي بكر الطريثيثي ، وأحمد بن عبد القادر اليوسفي ، والحسين بن علي بن البسري ، وأبي منصور الخياط ، ومحمد بن عبد السلام الأنصاري ، وأبي الفضل بن خيرون ، وجعفر السراج ، والمبارك بن عبد الجبار ، وخلق كثير ، إلى أن ينزل إلى أبي طالب بن يوسف ، وأبي القاسم بن الحصين ، والقاضي أبي بكر ، وإسماعيل بن السمرقندي .

                                                                                      وقرأ ما لا يوصف كثرة ، وحصل الأصول ، وجمع وألف ، وبعد صيته ، ولم يبرع في الرجال والعلل .

                                                                                      وكان فصيحا ، مليح القراءة ، قوي العربية ، بارعا في اللغة ، جم الفضائل .

                                                                                      تفرد بإجازات عالية ، فأجاز له في سنة بضع وستين في قرب ولادته الحافظ أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن ، وأبو القاسم الفضل بن عبد الله بن المحب ، وفاطمة بنت أبي علي الدقاق ، والحافظ أبو إسحاق المصري الحبال ، والحافظ أبو نصر بن ماكولا ، وأبو الحسين بن النقور ، والخطيب أبو محمد بن هزارمرد الصريفيني وأبو القاسم علي بن عبد الرحمن بن عليك النيسابوري ، وعدد سواهم ، بادر له أبوه -رحمه الله- بالاستجازة ، وأخذها له من البلاد ابن ماكولا .

                                                                                      روى عنه : ابن طاهر ، وأبو عامر العبدري ، وأبو طاهر السلفي ، وأبو [ ص: 267 ] موسى المديني ، وأبو سعد السمعاني ، وأبو العلاء العطار ، وأبو القاسم بن عساكر وأبو الفرج بن الجوزي ، وأبو أحمد بن سكينة ، وعبد العزيز بن الأخضر ، وعبد الرزاق بن الجيلي ، ويحيى بن الربيع الفقيه ، والتاج الكندي ، وأبو عبد الله بن البناء الصوفي ، والفقيه محمد بن غنية ، وداود بن ملاعب ، وعبد العزيز بن الناقد ، وأحمد بن طفر بن هبيرة ، وموسى بن عبد القادر ، وأحمد بن صرما ، وأبو منصور محمد بن عفيجة ، والحسن بن السيد ، وآخرون ، خاتمتهم بالإجازة أبو الحسن علي بن المقير .

                                                                                      ومما أخطأ فيه الحافظ ابن مسدي المجاور أنه قرأ في " الجعديات " أو كلها على ابن المقير : أنبأنا ابن ناصر ، أنبأنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا ابن أبي شريح ، أخبرنا البغوي . ولا ريب أن المليحي سمع الكتاب ، والنسخة عندي مكتوبة عن المليحي ، لكنه مات قبل أن يولد ابن ناصر بأربع سنين .

                                                                                      قال الشيخ جمال الدين ابن الجوزي كان شيخنا ثقة حافظا ضابطا من أهل السنة ، لا مغمز فيه ، تولى تسميعي ، سمعت بقراءته " مسند " أحمد والكتب الكبار ، وعنه أخذت علم الحديث ، وكان كثير الذكر ، سريع الدمعة .

                                                                                      قال السمعاني : كان يحب أن يقع في الناس . فرد ابن الجوزي [ ص: 268 ] هذا ، وقبحه ، وقال : صاحب الحديث يجرح ويعدل ، أفلا تفرق يا هذا بين الجرح والغيبة ؟ ! ثم قال : وهو قد احتج بكلام ابن ناصر في كثير من التراجم في " الذيل " له . ثم بالغ ابن الجوزي في الحط على أبي سعد ، ونسبه إلى التعصب البارد على الحنابلة ، وأنا فما رأيت أبا سعد كذلك ، ولا ريب أن ابن ناصر يتعسف في الحط على جماعة من الشيوخ ، وأبو سعد أعلم بالتاريخ ، وأحفظ من ابن الجوزي ومن ابن ناصر ، وهذا قوله في ابن ناصر في " الذيل " ، قال : هو ثقة حافظ دين متقن ثبت لغوي ، عارف بالمتون والأسانيد ، كثير الصلاة والتلاوة ، غير أنه يحب أن يقع في الناس ، وهو صحيح القراءة والنقل ، وأول سماعه في سنة ثلاث وسبعين من أبي طاهر الأنباري .

                                                                                      وقال ابن النجار في " تاريخه " : كان ثقة ثبتا ، حسن الطريقة ، متدينا ، فقيرا متعففا ، نظيفا نزها ، وقف كتبه ، وخلف ثيابا خليعا وثلاثة دنانير ، ولم يعقب ، سمعت ابن سكينة وابن الأخضر وغيرهما يكثرون الثناء عليه ، ويصفونه بالحفظ والإتقان والديانة والمحافظة على السنن والنوافل ، وسمعت جماعة من شيوخي يذكرون أنه وابن الجواليقي كانا يقرآن الأدب على أبي زكريا التبريزي ، ويطلبان الحديث ، فكان الناس يقولون : يخرج ابن ناصر لغوي بغداد ، ويخرج أبو منصور بن الجواليقي محدثها ، فانعكس الأمر ، وانقلب .

                                                                                      قلت : قد كان ابن ناصر من أئمة اللغة أيضا .

                                                                                      [ ص: 269 ] قال ابن النجار : سمعت ابن سكينة يقول : قلت لابن ناصر : أريد أن أقرأ عليك " ديوان " المتنبي ، و " شرحه " لأبي زكريا التبريزي . فقال : إنك دائما تقرأ علي الحديث مجانا ، وهذا شعر ، ونحن نحتاج إلى نفقة .

                                                                                      قال : فأعطاني أبي خمسة دنانير ، فدفعتها إليه ، وقرأت الكتاب .

                                                                                      وقال أبو طاهر السلفي : سمع ابن ناصر معنا كثيرا ، وهو شافعي أشعري ، ثم انتقل إلى مذهب أحمد في الأصول والفروع ، ومات عليه ، وله جودة حفظ وإتقان ، وحسن معرفة ، وهو ثبت إمام .

                                                                                      وقال أبو موسى المديني : هو مقدم أصحاب الحديث في وقته ببغداد .

                                                                                      أنبأنا عن ابن النجار قال : قرأت بخط ابن ناصر وأخبرنيه عنه سماعا يحيى بن الحسين قال : بقيت سنين لا أدخل مسجد أبي منصور الخياط ، واشتغلت بالأدب على التبريزي ، فجئت يوما لأقرأ الحديث على الخياط ، فقال : يا بني ، تركت قراءة القرآن ، واشتغلت بغيره ؟ ! عد ، واقرأ علي ليكون لك إسناد ، فعدت إليه في سنة اثنتين وتسعين ، وكنت أقول كثيرا : اللهم بين لي أي المذاهب خير . وكنت مرارا قد مضيت إلى القيرواني المتكلم في كتاب " التمهيد " للباقلاني ، وكأن من يردني عن ذلك . قال : فرأيت في المنام كأني قد دخلت المسجد إلى الشيخ أبي منصور ، وبجنبه رجل عليه ثياب بيض ورداء على عمامته يشبه الثياب الريفية ، دري اللون ، عليه نور وبهاء ، فسلمت ، وجلست بين أيديهما ، ووقع في نفسي للرجل هيبة وأنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فلما جلست التفت إلي ، فقال لي : عليك بمذهب هذا الشيخ ، عليك بمذهب هذا الشيخ . ثلاث مرات ، فانتبهت [ ص: 270 ] مرعوبا ، وجسمي يرجف ، فقصصت ذلك على والدتي ، وبكرت إلى الشيخ لأقرأ ، فقصصت عليه الرؤيا ، فقال : يا ولدي ، ما مذهب الشافعي إلا حسن . ولا أقول لك : اتركه ، ولكن لا تعتقد اعتقاد الأشعري . فقلت : ما أريد أن أكون نصفين ، وأنا أشهدك ، وأشهد الجماعة أنني منذ اليوم على مذهب أحمد بن حنبل في الأصول والفروع . فقال لي : وفقك الله . ثم أخذت في سماع كتب أحمد ومسائله والتفقه على مذهبه ، وذلك في رمضان سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة .

                                                                                      قال ابن الجوزي وغيره : توفي ابن ناصر في ثامن عشر شعبان سنة خمسين وخمسمائة .

                                                                                      ثم قال ابن الجوزي : حدثني الفقيه أبو بكر بن الحصري ، قال : رأيت ابن ناصر في النوم فقلت له : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي ، وقال لي : قد غفرت لعشرة من أصحاب الحديث في زمانك لأنك رئيسهم وسيدهم .

                                                                                      قلت : ومات معه في السنة الخطيب المعمر أبو الحسن علي بن محمد المشكاني راوي " تاريخ البخاري الصغير " ، ومقرئ العراق أبو الكرم المبارك بن الحسن الشهرزوري ومفتي خراسان الفقيه محمد بن يحيى صاحب الغزالي ، وقاضي مصر وعالمها أبو المعالي مجلي بن جميع القرشي صاحب كتاب " الذخائر " في المذهب ، والواعظ الكبير أبو زكريا [ ص: 271 ] يحيى بن إبراهيم السلماسي ومسند نيسابور أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن العصائدي عن بضع وثمانين سنة ، والشيخ أبو الفتح محمد بن علي بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب جد الفتح بن عبد الله ببغداد .

                                                                                      أخبرتنا أم محمد زينب بنت عمر بن كندي ببعلبك سنة ثلاث وتسعين عن أبي الفتح أحمد بن ظفر بن يحيى بن الوزير ، أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ ، أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي الصقر الخطيب في سنة 473 ، أخبرنا محمد بن الفضل الفراء بمصر بقراءتي ، حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن خروف إملاء ، حدثنا طاهر بن عيسى ، حدثنا أصبغ بن الفرج ، حدثنا ابن وهب ، حدثنا معاوية بن صالح ، عن خالد بن كريب عن مالك بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن غنم ، عن أبي مالك الأشعري ، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : ليشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ، ويضرب على رءوسهم بالمعازف ، يخسف الله بهم الأرض ، ويجعل منهم قردة وخنازير .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية