الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      مسلم بن يسار ( د ، س ، ق )

                                                                                      القدوة ، الفقيه ، الزاهد ، أبو عبد الله البصري ، مولى بني أمية ، وقيل : مولى بني تيم من موالي طلحة رضي الله عنه .

                                                                                      روى عن عبادة بن الصامت ولم يلقه ، وعن ابن عباس ، وابن عمر ، وأبيه يسار - فقيل : لأبيه صحبة - وعن أبي الأشعث الصنعاني ، وغيرهم .

                                                                                      حدث عنه محمد بن سيرين - وهو من طبقته - وقتادة ، وثابت البناني ، وأيوب السختياني ، ومحمد بن واسع ، وآخرون . [ ص: 511 ]

                                                                                      قال ابن عون : كان لا يفضل عليه أحد في زمانه .

                                                                                      وقال ابن سعد كان ثقة ، فاضلا ، عابدا ، ورعا .

                                                                                      وقال علي بن أبي حملة : قدم علينا مسلم بن يسار دمشق ، فقالوا له : يا أبا عبد الله ، لو علم الله أن بالعراق من هو أفضل منك ، لأتانا به . فقال : كيف لو رأيتم أبا قلابة .

                                                                                      روى هشام ، عن قتادة ، قال : مسلم بن يسار خامس خمسة من فقهاء البصرة .

                                                                                      وروى هشام بن حسان ، عن العلاء بن زياد أنه كان يقول : لو كنت متمنيا ، لتمنيت فقه الحسن ، وورع ابن سيرين ، وصواب مطرف ، وصلاة مسلم بن يسار .

                                                                                      روى حميد بن الأسود ، عن ابن عون ، قال : أدركت هذا المسجد وما فيه حلقة تنسب إلى الفقه إلا حلقة مسلم بن يسار .

                                                                                      قال ابن عون ، عن عبد الله بن مسلم بن يسار : إن أباه كان إذا صلى كأنه ود لا يميل لا هكذا ولا هكذا . [ ص: 512 ]

                                                                                      وقال غيلان بن جرير : كان مسلم بن يسار إذا صلى كأنه ثوب ملقى .

                                                                                      وقال ابن شوذب : كان مسلم بن يسار يقول لأهله إذا دخل في الصلاة : تحدثوا ; فلست أسمع حديثكم .

                                                                                      وروي أنه وقع حريق في داره وأطفئ ، فلما ذكر ذلك له قال : ما شعرت .

                                                                                      رواها سعيد بن عامر الضبعي ، عن معدي بن سليمان .

                                                                                      وقال هشام بن عمار وغيره : حدثنا أيوب بن سويد ، حدثنا السري بن يحيى ، حدثني أبو عوانة ، عن معاوية بن قرة ، قال : كان مسلم بن يسار يحج كل سنة ويحجج معه رجالا من إخوانه ، تعودوا ذلك ، فأبطأ عاما حتى فاتت أيام الحج ، فقال لأصحابه : اخرجوا . فقالوا : كيف ؟ قال : لا بد أن تخرجوا . ففعلوا استحياء منه ، فأصابهم حين جن عليهم الليل إعصار شديد حتى كاد لا يرى بعضهم بعضا ، فأصبحوا وهم ينظرون إلى جبال تهامة ، فحمدوا الله ، فقال : ما تعجبون من هذا في قدرة الله تعالى !

                                                                                      قال قتادة : قال مسلم بن يسار في الكلام في القدر : هما واديان عميقان ، يسلك فيهما الناس ، لن يدرك غورهما ، فاعمل عمل رجل تعلم أنه لن ينجيك إلا عملك ، وتوكل توكل رجل تعلم أنه لا يصيبك إلا ما كتب الله لك . [ ص: 513 ]

                                                                                      قال ابن عون : لما وقعت الفتنة زمن ابن الأشعث ، خف مسلم فيها ، وأبطأ الحسن ، فارتفع الحسن ، واتضع مسلم .

                                                                                      قلت : إنما يعتبر ذلك في الآخرة ، فقد يرتفعان معا .

                                                                                      قال أيوب السختياني : قيل لابن الأشعث : إن أردت أن يقتلوا حولك كما قتلوا يوم الجمل حول جمل عائشة فأخرج معك مسلم بن يسار . فأخرجه مكرها .

                                                                                      قال أيوب عن أبي قلابة : قال لي مسلم بن يسار : إني أحمد الله إليك ، أني لم أرم بسهم ، ولم أضرب فيها بسيف ، قلت له : فكيف بمن رآك بين الصفين فقال : هذا [ مسلم بن يسار ] لن يقاتل إلا على حق ، فقاتل حتى قتل ؟ فبكى - والله - حتى وددت أن الأرض انشقت ، فدخلت فيها .

                                                                                      قال أيوب السختياني : وفي القراء الذين خرجوا مع ابن الأشعث ، لا أعلم أحدا منهم قتل ، إلا رغب له عن مصرعه ، أو نجا إلا ندم على ما كان منه .

                                                                                      قال سفيان بن عيينة : إن الحسن البصري لما مات مسلم بن يسار قال : وامعلماه .

                                                                                      قلت : لمسلم - رحمة الله عليه - ترجمة حافلة في تاريخ الحافظ ابن عساكر . [ ص: 514 ]

                                                                                      قال خليفة بن خياط والفلاس : مات سنة مائة وقال الهيثم بن عدي : توفي سنة إحدى ومائة أما

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية