بيان مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا حول الجريمة الدنمركية على خاتم الأنبياء

01/02/2006| إسلام ويب

يتابع مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا ببالغ القلق والغضب والاستياء ما أقدمت عليه بعض الصحف الدنمركية من نشر بعض الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم والتي تعكس جهلا فاحشا بسيرة أعظم مخلوق مشى على ظهر الأرض منذ أن دب على ظهرها حياة وأحياء، وما أعقب ذلك من تجاهل السلطات الدنمركية لنداءات عشرات الهيئات والمؤسسات الإسلامية الحكومية والشعبية التي طالبتها بالتدخل لمنع هذه الجريمة النكراء وملاحقة مرتكبيها بالقضاء العادل الذي يضع الأمور في نصابها، وما تلا ذلك من تداعيات وتصعيدات، وما يتوقع مع استمرار هذا التجاهل من تداعيات لا تحمد عقباها ويصعب التكهن بأبعادها!

وإن المجمع ليهيب من موقعه بالولايات المتحدة الامريكية وباسم مئات المراكز الإسلامية التي تضم عشرات الآلاف من المسلمين المقيمين في المهجر، والذين أذهلتهم الصدمة وصكت مسامعهم هذه الأنباء كافة  المسئولين في الحكومة الدنمركية أن يستمعوا إلى صوت العقل، وأن يدركوا أن الإصرار على هذا المسلك يمثل إعلانا للحرب على ما يزيد على مليار وثلث من المسلمين في أنحاء العالم الذين يتعبدون الله تعالى بمحبة نبيه صلى لله عليه وسلم محبة تفوق محبتهم لأنفسهم وآبائهم وأبنائهم وأزواجهم وعشائرهم، ويرون الزود عن عرضه دينا يبذلون دونه مهجهم وأرواحهم ونفائس أموالهم، وأن يجنبوا العالم عامة ومجتمعهم خاصة ما قد يترتب على هذا التجاهل من توترات وويلات وتصعيدات لا تزيد العالم إلا شقاء، ولا تزيد خروقه إلا اتساعا، ويصعب التكهن بأبعادها أو السيطرة على تداعياتها!

كما يهيب بهم أن يعتبروا بدروس التاريخ، وأن يحيوا ذكرى أسلافهم من القياصرة الذين أكرموا كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ورسوله عندما وفد عليهم فثبت ملكهم، وتوطدت عروشهم، وأن يعتبروا بمن أهانوا كتابه ورسوله من الأكاسرة فمزقوا في الأرض شر ممزق، وأن يقدروا ما اتفقت عليه المواثيق الدولية قاطبة من احترام للخصوصيات، وصيانة المقدسات، وعلى رأس ذلك وفي مقدمته صيانة حرمات الأنبياء والمرسلين صفوة الله من خلقه وخيرته من عباده، وعدم انتهاكها بدعوى حرية التفكير وحرية التعبير، لأن الحرية – فيما يجمع عليه عقلاء العالم - لا تعني الفوضى ولا تعني العدوان على الآخرين، فإن الحرية إن تجردت من المسئولية تصبح فيضانا جامحا يغرق البشرية كلها في طوفان من الخراب والدمار، وتلك أبجديات لا ينبغي تجاهلها ولا يجمل قضاء ولا سياسة تجاحدها!

كما يهيب بهم أن يشرفوا أنفسهم بالاطلاع على سيرة خاتم الأنبياء من مصادرها المحايدة ليعرفوا مدى العظمة والشموخ التي جبلت عليها شخصية المصطفى صلى الله عليه وسلم، وليدركوا أي نعمة حملتها رسالته إلى البشرية، وماذا خسر العالم بتجاهلها وشن الغارة عليها!     

 أليس من منكر القول وزوره ما تضمنته هذه الرسوم من اتهامه صلى الله عليه وسلم بالحرابة والعدوان عندما رسمت له مسخا مشوها يعتم بعمامة على هيئة القنبلة! في إشارة حقيرة وظالمة إلى هذه الفرية! وقد علم المنصفون في العالم أجمع أنه رحمة الله للعالمين، كما قال تعالى: [وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين] (سورة الانبياء: آية 107) "وأنه الذي لم ينتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها" (متفق عليه)، وأنه الذي أمكنه الله من مخالفيه يوم الفتح بعد حربهم له وتأليبهم على عداوته على مدى سني البعثة كلها فقال لهم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء" (رواه البيهقى فى سننه الكبرى)، وأنه الذي أعلن على الناس أن قيام الناس بالقسط هو المقصود الكلي من بعثة جميع المرسلين، كما قال تعالى: [لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط] (سورة الحديد: آية 25) وأنه الذي توعد على الظلم أبلغ وعيد وأعلن على العالم قول الله عز وجل [ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا] (سورة الفرقان: آية 19) وأعلن أن "دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويقول لها: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين!" (رواه الترمزى، وقال: هذا حديث حسن) وبين أنه "ما من شيء أجدر بأن تعجل عقوبته في الدنيا من البغي وقطيعة الرحم" (رواه الترمزى وقال: هذا حديث حسن صحيح)، وأنه الذي "ما خير بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه" (متفق عليه)، وأنه الحفيظ على عهده مع مخالفيه في الدين، وأنه الذي أعلن أنه حجيج من ظلمهم أو اعتدى عليهم يوم القيامة، وقد جعل ذلك كلمة باقية في أمته لا تزال تدوي على مدى الزمان وعلى مدى المكان: "ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة" (رواه أبو داود وصححه الالبانى) وأنه الذي شدد الوعيد على هتك حرمة دمائهم في مثل قوله صلى الله عليه وسلم : "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً" (رواه البخارى فى صحيحه)  وأنه الذي يأمر  بصلة الرحم وإن كانت مشركة كما قال تعالى: [وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا] (سورة لقمان: آية 15) وكما قال صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما عندما جاءتها أمها راغبة في صلتها وهي مشركة : "صلي أمك" (متفق عليه)، وأنه الذي ما فتئ يدعو لمخالفيه في الدين كما دعا لأهل مكة الذين بالغوا في إيذائه واستضعفوا أصحابه قائلاً "رب اغفرلقومي فإنهم لا يعلمون" (متفق عليه)، وكما دعا لدوس ولثقيف (متفق عليه) وغيرهم، ودعا لمن كانوا يتعاطسون عنده من اليهود رجاء أن يشمتهم، فكان يقول: "يهديكم الله ويصلح بالكم" (رواه أبو داود والترمزى وقال:هذا حديث حسن صحيح) الخ، وأنه الذي لم يخض حربا إلا لدفع حرابة أو درء عدوان واقع أو متوقع، وأن جملة من قتلوا في حروبه وغزواته صلى الله عليه وسلم من الفريقين لم يتجاوزوا ألفا، بينما كان  حصاد الحربين العالميتين الأولى والثانية بالملايين! ومن قبل حصد سبعون ألفا في غداة واحدة ساعة اقتحام الصليبيين لبيت المقدس!  

إننا نؤكد لأهل الدنمرك حكومة وشعبا وللعالم أجمع أننا على يقين من نصرة الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم، وعلى ثقة بوعيده ببتر من شنأه وعاداه، فقد قال تعالى [إن شانئك هو الأبتر] (سورة الكوثر: آية 3) وقال في الحديث القدسي [من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب] (رواه البخارى فى صحيحه) فكيف بمن عادى سيد الأولياء وإمام الأنبياء ؟! وإن في التاريخ عبرة لمن اعتبر! لقد كبت الله كل من آذوا نبيه فمزقهم في الأرض كل ممزق وجعلهم أحاديث! وبقيت سيرة إمام الأنبياء نبراسا للعالم أجمع، تجسد الطهر والنقاء في أرفع صوره وأقدس مجاليه، وتقدم طوق النجاة لكل من يتطلع إلى الفرار من جحيم الشهوات الفاجرة في الأرض، وتهفو روحه إلى الفوز بنعيم الخلد وجنة الأبد في الآخرة.

إن العالم المعاصر وقد أشقته هذه المادية الطاغية وهذه الدعوات الإلحادية الفاتنة لأمس ما يكون حاجة إلى قبس من نور تحمله رسالة خاتم الأنبياء التي حملت النور والأمن إلى العالم أجمع، وتمتعت البشرية في ظلها بأقصى ما تبلغه أحلامها وتطلعاتها من رخاء واستقرار، وإن العالم اليوم وهو يرزخ تحت وطأة هذه الكوارث المعاصرة، ويشقى مما يتجرعه من غصص المنازعات الدولية وويلاتها، ليتطلع يمنة ويتطلع يسرة، يهفو إلى منقذ ويتطلع إلى مخلص، ويتخيل لهذا المنقذ ولذلك المخلص أوصافا وملامح، لم ولن تنطبق إلا على هذا الرسول الكريم وما جاء به من البينات والهدى!

فلا تسلموا عقولكم إلى الأراجيف والأباطيل، ولا تحرموا أنفسكم ولا شعوبكم شرف التعرف على هذا الرسول الكريم، وتدبر ما جاء به من الآيات والذكر الحكيم.

فإن أبيتم فلا أقل من أن تكفوا سفهاءكم عن مثل هذه الافتراءات الظالمة، التي لا تعكس إلا الجهالة والحماقات، ولا تنم إلا عن الضغائن والأحقاد!!

فإن أبيتم فقد أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود! وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون!
ــــــــــــــــــــــ
*الأمين العام لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا

www.islamweb.net