حضارتنا وحضارتهم

05/03/2006| إسلام ويب

إن صناعة الأمجاد وبقاء الأمم يكمن في خلود الحضارات، وسر بقاء أمجاد الشعوب وخلود حضارات الأمم يكمن في مجموعة عناصر رئيسة، يأتي في طليعتها عقيدةٌ إيمانية، ومُثُلٌ وقيم أخلاقية، والمتأمل في تأريخ الحضارات الإنسانية يجد أنها تعيش تقلبات شتى، بين ازدهار وانحدار، وقيام وانهيار، بل لعل بعضها كُتب لها الاضمحلال والدمار، لفقده عناصر البقاء والاستمرار.

وأنبل حضارة عرفها التأريخ البشري هي حضارتنا الإسلامية، فما الحضارة الغربية اليوم إلا نتاج اتصالها بحضارتنا الإسلامية في الأندلس وغيرها، بيدَ أن سبب إفلاسها اعتمادها على النظرة المادية في منأى عن الدين والأخلاق، مما كان سببًا في شقاء الإنسانية، وما كثرة حوادث الانتحار والاضطرابات النفسية والانحرافات الخلقية إلا انحدارٌ سحيق وتردٍ عميق في هُوّة فنائية كبرى، يتنادى في قعرها العقلاء لاستدراك ما فات، وأنى لهم التناوش من مكان بعيد.

معاشر المسلمين:

لقد تعرّت حقائق الحضارة الغربية واهتزت مصداقيتها في الاضطلاع بالمؤهلات التي تؤهلها لقيادة العالم نحو إسعاد الإنسان، وتحقيق استقراره، وضمان حقوقه، ورعاية مُثله الإنسانية الرفيعة، وقيمه الأخلاقية العليا، ليحصل له الأمن المنشود، والحياة الكريمة المبتغاة، وليس هناك من يستطيع النهوض بالمشروع الحضاري العالمي إلا أمةٌ واحدة، هي أمة الشهادة على الناس، ( وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ) [البقرة: 143]، أمة الرحمة للعالمين، (وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـٰلَمِينَ) [الأنبياء:107]، أمة الخيرية على العالم، (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ) [آل عمران:110]، أمةٌ التمكين في الأرض، (ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّـٰهُمْ فِى ٱلأرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَاتَوُاْ ٱلزَّكَـوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَـٰقِبَةُ ٱلأمُورِ) [الحج:41].

ولا غرو ـ يا رعاكم الله ـ فسلفنا هم بناة صرح الحضارة الإسلامية، وحملة مشعل الهداية الإيمانية، ورافعو لواء السعادة لعموم البشرية، وذلك تاج متألق وعطاء متدفق، ونور متلألئ في جبين أمتنا الإسلامية، لمميِّزات حضارية، وخصوصية دينية لم يشرف بها إلا من رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد )نبياً ورسولاً.

إخوة العقيدة:

وأول هذه المميزات الحضارية وركيزتها عقيدة التوحيد الخالصة، عقيدةٌ تحث على العلم، وتحترم العقل، وترعى الخُلق، وتسعى إلى تحقيق المصالح ودرء المفاسد، ورعاية حقوق الإنسان في حفظ دينه ونفسه وعقله وماله وعرضه، وتربي الضمير، وتعلي الروح الإيجابية البناءة، وتحض على التوسط والاعتدال والرفق واليسر والتوازن والعدل والرحمة، ومهما قال المتحذلقون عنها فقد قال الحق تبارك وتعالى: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِى يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ) [الأنعام: 33].

وإن أحدًا من المنصفين لا ينكر أنه لم يشهد العالم حضارة أكثر منها رحمة بالخلق، وسموًا في الخلُق، وعدالة في الحكم على مر الدهور وكر العصور، ويوم أن سقطت الحضارات الموهومة في مستنقعات المادية، وعانت من الأزمات الأخلاقية حتى غرقت في أوحال التمزّق والضياع، فإن أمتنا الإسلامية هي الجديرة بإمساك زمام القيادة، وامتطاء صهوة السيادة والريادة على العالم، وحينها فلن تتخذ من التقدم الحضاري أداةً لاستغلال الشعوب، واستنزاف خيراتها، وإهدار كرامتها، ولن تتخذ من الاكتشافات والاختراعات طريقًا إلى الإلحاد ودعم الإرهاب، ولن تتخذ من الآلات العسكرية والتقانات الحربية ذريعة إلى تهديد أمن الدول والشعوب، والعمليات الهمجية والوحشية والبربرية، ولن تُسخِّر وسائل الإعلام وسائل لتضليل الرأي العام والشارع العالمي والمحيط الدولي، وتلك أعباء حمل الرسالة الإسلامية لإنقاذ البشرية وإسعاد الإنسانية التي تتيه اليوم في أنفاق مظلمة من الظلم والشقاء.

إخوة الإيمان:

ولقد تركت حضارتنا الإسلامية آثارًا خالدة في مختلف النواحي العلمية والخلقية وغيرها، وحققت دورًا عظيمًا في تأريخ تقدم الإنسانية، وخلّفت آثارًا بعيدة المدى قوية التأثير فيما وصلت إليه الحضارات الحديثة، وليس هذا من المبالغة في شيء، ولا ضربًا من التفاخر الكاذب والادعاء المذموم، بل ِسجِلّ التأريخ ناصح بأحرف من ذهب ومداد من نور، وإليك أيها المنصف بعض الشواهد الواقعية والنماذج الحية من تأريخ حضارتنا المشرق الوضاء، الذي ينضح عدلاً ورحمة وإنصافًا حتى مع المخالف، واسمع وقارن، فما أشبه الليلة بالبارحة.

ففي نزعة حضارتنا الإنسانية يُعلن الإسلام المبدأ الإنساني الخالد: (يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـٰكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَـٰكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَـٰرَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَـٰكُمْ) [الحجرات: 13] لينقل الإنسانية من أجواء الحقد والكراهية، والتفرقة والعصبية، والتمييز العنصري إلى المساواة والتعاون الذي لا أثر فيه لاستعلاءٍ عرقي أو عنصري، ويتجلى ذلك في مبادئ حضارتنا وتشريعاتها وواقعها.

وقد زخرت كتب السير والتأريخ بوقائع كثيرة، هذا أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، يرى مرة في السوق شيخًا كبيرًا يسأل الصدقة، وكان يهوديًا من سكان المدينة، فيسأله (عن حاله، وإذا بعمر المسلم الإنساني الملهم يقول له: (ما أنصفناك إذ أخذنا منك الجزية في شبيبتك، ثم ضيعناك شيخًا)، وأخذ بيده إلى بيته، فقدم له من طعامه، ثم أرسل إلى خازن بيت المال أن افرض له ولأمثاله ما يغنيه ويغني عياله.

الله أكبر، هذا ـ لعمرو الحق ـ من شواهد الروعة الحضارية في تأريخ أمتنا المجيد.

معاشر الأحبة:

وفي مجال النظرة إلى المخالف أعلنت حضارتنا الإسلامية مبدأ الإنصاف، وحسن التعامل، والدعوة إلى الله بالحسنى، مؤكدة الإيمان بجميع الرسل عليهم الصلاة والسلام، (لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ) [البقرة:136]، مع الحرص على مبدأ الحوار والإقناع، (أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ) [يونس: 99]، (وَلاَ تُجَـٰدِلُواْ أَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ إِلاَّ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ) [العنكبوت: 46]، مع التأكيد على الأخذ بقاعدة سد الذرائع في عدم سبّ آلهتهم، حتى يكون لهم ما لنا، وعليهم ما علينا، والحرص على المصاحبة بالمعروف، وحسن الجوار، وكريم المعاملة، فقد كان لرسول الإسلام عليه الصلاة والسلام جيران من أهل الكتاب، فكان يزورهم ويتعاهدهم ببره، ويقبل هداياهم، وما كتاب أمير المؤمنين عمر لأهل إيليا، وإعطاؤهم الأمان على أنفسهم وأموالهم وأماكن عباداتهم، وإجابتهم لاشتراطهم أن لا يساكنهم فيها يهودي إلا أنموذج رائعٌ يحمل مغزى عميقًا في آثار حضارتنا الإسلامية، مما دعا كثيرًا من منصفيهم إلى الاعتراف بأن الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب، ولا دينًا سمحًا مثل دينهم، والفضل ما شهدت به الأعداء.

أمة الإسلام:

وثمة جانب مشرق في حضارتنا الإسلامية ألا وهو جانب أخلاقنا الحربية، فقد أشرقت شمس حضارتنا والعالم كلُّه تحكمه شريعة الغاب، حتى تردّى إلى عالم الوحوش الكاسرة، فوضعت حضارتنا الضوابط الحربية محرِّمة الحرب للنهب والسلب، وإذلال كرامة الشعوب، وسحق المجتمعات، وجعلت لها غايات نبيلة، منها الدفاع عن عقيدة الأمة وأمن المجتمع وردّ عدوان المعتدين، (وَقَـٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ) [البقرة: 190]، فالحرب لا تنسينا مبادئنا، ولذلك جاءت الوصايا الكريمة حينما يشتد الوطيس: (لا تمثلوا، ولا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا شيخًا ولا وليدًا ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرًا إلا لمأكله، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له)، جاء هذا في وصية أبي بكر الصديق حينما أنفذ جيش أسامة رضي الله عنهما.

وأبلغ من هذا رسول الإسلام ، يخرج من معركة أحد جريحًا قد كُسرت رباعيته، وشُج وجهه، فيقول له بعض الصحابة رضي الله عنهم: لو دعوت عليهم يا رسول الله، فقال: ((إني لم أُبعث لعانًا، ولكني بُعثت رحمة للعالمين، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون))، وهكذا قال يوم الفتح: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء))، ورأى في بعض غزواته امرأة مقتولة فغضب وقال: ((ألم أنهكم عن قتل النساء؟! ما كانت هذه لتقاتل)).

ويمضي تأريخنا المجيد مسجلاً هذه الروائع، ففي حروب التتار وقع بأيديهم كثيرٌ من أسرى المسلمين وأهل الذمة، فتدخل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في فك الأسرى، فأجابه الوالي إلى فكّ أسرى المسلمين فقط، فأبى شيخ الإسلام ذلك، وقال: "لا بد من افتكاك الجميع، من أهل ديننا وأهل ذمتنا، ولا ندع أسيرًا لا من أهل الملة ولا من أهل الذمة"، وهكذا تعامل حضارتنا الأسرى من المسلمين وغيرهم.

ولما فتح صلاح الدين رحمه الله بيت المقدس كان فيها ما يزيد على مائة ألف من غير المسلمين فبذل لهم الأمان على أنفسهم وأموالهم، وسمح لهم بالخروج منها لقاء شيء يسير يدفعه المقتدرون منهم، ومن لا يقدر من الفقراء ففداؤه عليه رحمه الله.

هذه حضارتنا في روائعها، فما هي حضارتهم في شنائعها وفظائعها؟ وما يوم حليمةَ بسرّ.

حكمنا فكان العدل فينا سجيةً   فلما حكمتم سال بالدم أبطَحُ

وما عجبٌ هذا التفاوت بيننا    فكل إناء بالذي فيه ينضح

لقد شهد التأريخ المعاصر وحشية القوم وإرهابهم على الرغم من الشعارات البراقة التي تُمتهن عمليًا في كل لحظة، ورغم العهود الدولية والمواثيق العالمية التي تنادي بحقوق الإنسان في مواثيق موهومة وديمقراطيات مزعومة، تخرقها جرائم بشعة أمام سمع العالم وبصره، ولا يُغفل التأريخ المخازي النكراء في التعصب ضد المسلمين في الحروب الصليبية وفي الأندلس وفي الواقع المعاصر، مما يطأطئ رؤوسَهم خجلاً وحياءً، بل إن مخازيهم في الاضطهاد، والتعصب لا يطمرها التأريخ، وما أفعال النازية ومآسي محاكم التفتيش بخافية على أهل الإسلام، بل لا نذهب بعيدًا فهذه أحقادهم في الحربين العالميتين مهما أعلنوا في المحافل الدولية وفي مواثيق هيئة الأمم الحديثة إنسانيتهم، وهم على أرض الواقع يمارسون وحشيتهم وضراوتهم، وإن التخلق يأتي دونه الخُلُق.

إنها شعارات تختبئ وراء شعار السلام والاستقرار، وهي تزرع الإرهاب والاستعمار، وقد كشفت الأحداث العالمية والمجريات الدولية وزر قسوتهم، مما يؤكّد على مر العصور أنهم سفّاكو الدماء ووحوش التعصب وعبيد القسوة. فكيف تُشَنّ الحملات الإعلامية المغرضة ضدَّ الإسلام والمسلمين متهمة إياهم بالإرهاب والوحشية وهذه شنائعهم؟!

ولن ينسى الغيورون على أوضاع أمتهم مذابح صبرَا وشاتيلا، ومجازر قانا، وعناقيد الغضب الصهيوني ضد إخواننا في فلسطين المجاهدة، حيث تتحدث الحجارة هناك.

سكت الرصاص فيا حجارةُ حدثي         أن العقيدة قوة لا تُهزَم

ولقد سقطت الأقنعة عن الإعلام الغربي المعاصر حينما تأكد للمراقبين أن أكثر وكالات الأنباء وقنوات الفضاء العالمية تسيطر عليها المنظمات الصهيونية، بل إنها تُمثِّل دُمى في يد اللوبي الصهيوني العالمي، وإذا بطل العجب في ذلك فالعجب من الإعلام المتصهين، الذي لا يمثل إلا أبواقًا ناعقة تجيد التلفيق المكشوف والاستهلاك المذموم، وإنها دعوةٌ حرّاء لرجال الإعلام في عالمنا الإسلامي للتفاعل والإيجابية، والنهوض من الركود والسلبية، والتخلص من النمطية والغثائية، وتسخير هذه الوسائل لبيان روائع حضارتنا الإسلامية، كما يجب التثبت والتبين، وعدم الركون إلى الإثارة والاستفزاز والمساس بالثوابت، في ظل تداعيات العولمة والحملة على الإرهاب.

لا بد من ضبط المصطلحات حتى لا يُخلَط بين الإرهاب المذموم والمقاومة المشروعة، وحتى لا يُتَّهم الأبرياء من حملة الشريعة ودعاة الإصلاح في الأمة وأهل الخير والحسبة والمؤسسات العلمية والدعوية والإغاثية والخيرية بدعوى مكافحة الإرهاب، وما الإرهاب إلا ما في جعبة القوم.

والسؤال المطروح على الرأي العام العالمي وعلى وسائل الإعلام الغربية: هل ما يجري على أرض فلسطين وما تمارسه إسرائيل الحاقدة يتمشى مع الحق والعدل والإنسانية؟ وإذا لم تكن ممارسات الصهيونية في فلسطين إرهابًا فما هو الإرهاب إذًا؟! مما يتطلب اضطلاع هذه الأمة بالمشروع الحضاري الكبير في قيادة دفة العالم إلى برّ الأمان وساحل النجاة في عالم يموج بالتحديات، ولا مكان فيه للضعفاء، بل الضعفاء فيه والمسلمون هم المتهمون والضحايا، والغير هو الخصم والحَكَم.

فالبدار البدار عباد الله، والحِذار الحذار أمة الإسلام، (وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21].

وجوب إخلاص النية

في ظل فكرة القيام بالمشروع الحضاري الإسلامي يجب أن تُخلَص النيات، وتحسن المقاصد، وتتحقق الوحدة الإسلامية بالاعتصام بالكتابة والسنة، وتصفو القلوب من غوائل الأحقاد والهوى، وتتربى الأجيال على العلم الشرعي، والتلقي من العلماء الراسخين، وينشغلوا بالمهمات والأوليات، لا بد من إعادة النظر في المواقف والسياسات، وفتح صفحة المحاسبة  والمراجعات، حتى يُفوِّت أهل الخير في الأمة الفرصة على المصطادين في الماء العكر، الذين سيقفون أمام مشروع الأمة الحضاري من أولئك المنهزمين المخدوعين ببريق حضارة القوم، حتى سلبتهم الثقة في أنفسهم وأمتهم، وحتى أصبحوا متسولين على موائد الغرب الثقافية وأطروحاته الفلسفية، فانبرى بعضهم بأقلام مأجورة للمساس بثوابت الأمة في عقيدتها وأخلاقها، فاهتزت عقيدة الولاء والبراء عندهم، ونالوا من مكانة حجاب المرأة المسلمة، واستخف بعضهم بثقافة المسلمين ومناهجهم التعليمية الشرعية، فنعقوا بأصوات ببَّغاوية بالتغيير والتبديل، بدعوى التجديد والتطوير زعموا، وكثر المفتونون بسامريِّي عصرنا وعجلوهم من الثقافات الوافدة، والأطروحات المغرضة، وفي خِضم هذه الأحداث الحوالك ينطلق صوت مدوٍّ من أرض الجزيرة أرض الرسالة والهداية أرض الحرمين الشريفين حرسها الله، مُعلنًا أن لا مساومة على الدين والعقيدة، فشفى بحمد الله صدور المؤمنين الغيورين، وسد الطريق أمام المغرضين المبطلين، لتسير سفينة المجتمع في أجواء آمنة في عالم متلاطم الأمواج، كل ذلك بفضل الله، ثم بفضل ربّان مهرة، قادوا فأحسنوا القيادة، وبنوا فأبدعوا في البناء، فدعوات الأمة لهم بالتسديد والتوفيق، وأن يفرج الله الغمة عن هذه الأمة، وذلك لا يكون بالركون إلى الأحلام الوردية، وإنما بالنزول بخطى متوازنة إلى ميدان الصلاح والإصلاح، وأن يتفرغ الجميع للبناء الحضاري في كل الميادين، والله المسؤول أن يوفق الجميع لما فيه الخير في الحال والمآل، إنه خير مسؤول وأكرم مأمول.

www.islamweb.net