آدم وحواء في واحة الحب

01/01/2002| إسلام ويب

حب النساء :
فطر الله تعالى الرجل والمرأة على ميل كل منهما إلى الآخر وعلى الأنس به والاطمئنان إليه ولذا منّ الله على عباده بذلك فقال: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) . " الروم: 21" . وقال: (هو الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها) ." الأعراف: 189 "
وقال: ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) . "  البقرة: 187 "، وهذا الميل الفطري والأنس الطبعي مجراه الطبيعي هو الزواج وهذه هي العلاقة الصحيحة التي شرعها الله بين الرجل والمرأة، فمن أحب زوجته وعاشرها بالمعروف سيُرجى أن يكون منهما الذرية الصالحة التي تنشأ في دفء العلاقة الحميمة بين أبوين متحابين متراحمين وهكذا يفرز لنا الحب أسراً قوية البنيان لتعزز لنا هي الأخرى مجتمعاً متين الأركان ولا تكون المجتمعات إلا قوام أمة قوية مرهوبة الجانب.
هذا هو الحب في الإسلام بين الرجل والمرأة. إنه حب عفيف لا ريبة فيه ولا دغل. حب يخدم الأسرة والمجتمع والأمة. إنه حب حقيقي.. حب يتسامى فيه الرجل والمرأة، أما ما يروج بين الناس اليوم وتوظف لترويجه آلات الإعلام الجهنمية فهو زائف… حب هدام.. حب لا يعرف من الحب إلا اسمه.
يقول الأستاذ عبدالحليم محمد قنبس في كتابه " الحب في الأسرة المسلمة " :
لو أردنا أن نبحث عن الحب ومستواه في القرن العشرين، لكفانا أن ننظر نظرة سريعة، على ما كان عليه الحب في الزمن المنصرم، وحالته في الوقت الحاضر، إذ لم يشهد التاريخ يوماً من الأيام حباً زائفاً، كما نشاهده في عصرنا الحاضر.
إن الحب الحقيقي قد فقد عند الشباب، وضاعت هذه الكلمة "الحب" وأصبحت غليظة لا ترقى إلى عالم الروح، لقد ضاعت المعاني الجليلة والأماني السامية الرفيعة، وحبست الآهات العفيفة، وفقدت المُثل العليا وحل محل ذلك.. الحب المزيف، الذي قام مقامها، وأصبح له الكأس المعلّى، وأخذ دوراً فعالاً وعظيماً بين الشباب والشابات، وتحولت كلمة الحب إلى باب من أبواب الخداع والمكر، للوصول إلى غاية ما، وللنهب والاختطاف، هذه هي ثمرة الحب الزائف يجنيها أولئك في القرن العشرين، فيلدغهم شوكها، ويستطعمون بمرارتها، ويتعذبون من آلامها، حب زائف لا عفة فيه ولا طهر، بل كذب وتدليس فأين الحب الحقيقي؟ أي عفته؟ أين حرمته؟..
إننا نسمع الكثير عن المشكلات الاجتماعية، من حيث العلاقات الجنسية: الانتحار - الضياع - الجنون…
لِمَ يحدث هذا ؟ هل من حب حقيقي متبادل بين الطرفين نشأ على العفة والشرف؟ لا. بل لا بد أن أحد الطرفين، قد حمل مشعل الزيف، ليحرق به الآخر، متظاهراً بأنه ينير له الطريق، وما حمله على ذلك إلا خبث نفسه، ونجاسة ثوبه، وفقده لكل ما يمت بصلة إلى الشرف والمروءة، والرحمة والود، فهو لم يفكر إلا بالوصول إلى مآربه، لإشباع غريزته التي استولت عليه فهو كالأنعام بل أضلُ سبيلاً، قد قطع شوطاً في تعلم المكر والخديعة، فأصبح الزواج عنده كلمة موبوءة يجب الابتعاد عنها، ويكفيه أن يعيش بين أحضان الضياع، فقد أصبح ميسوراً لكلا الطرفين أن ينال ما يريده… فهذه صيحات الشباب ترن في الآذان، وويلات الفتيات تهز المشاعر، لقد حدث هذا، حينما فقدت المرأة حشمتها، وخرجت سافرة، مُظهرة كل ما يفتن الشباب، فضاعت أنوثتها، وفقدت كرامتها، ودرس حياؤها فلو أنها حفظت نفسها، ولبست الثوب الذي يغطي فتنتها، ويعيد لها كرامتها، وطبقت قول الله تعالى: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يُبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بُخمرهن على جيوبهن ولا يُبدين زينتهن إلا لبعولتهن) ، "  النور: 31".
فلو فعلت هذا، لأحبها الشاب حباً حقيقياً، لا حباً جسدياً، ينتهي بقضاء الشهوة منها، ولما سمعت منها الويلات وكذلك الشاب، لو طبق كل ما يتصف به ذو الخلق والعقل، وتوجه إلى قول الله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون) ، "النور: 30". لم تسمع صيحاته ولم تشاهد ضياعه وجنونه.
ويقول تحت عنوان الحب والغريزة الجنسية : لا نريد أن نتطرق في هذا البحث، إلى العلاقة القوية، بين الحب والغريزة الجنسية، لما كتبه أو يكتبه علماء النفس، بل يكفينا أن نفتح كتاب الله سبحانه، فنجد هذه الآية الحكيمة: (زُين للناس حُبّ الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاعُ الحياة الدنيا واللهُ عنده حسنُ المآب) . "آل عمران: 14" .
وحينما نقرؤها نفهم مباشرة، أن الحب أول ما يقع، إنما يقع بين الرجل والمرأة فلقد قدم الله تبارك وتعالى حب النساء، على جميع ما يحلو للإنسان، ويحبذه في هذه الحياة، قدم حب المرأة على البنين، وعلى المال وعلى كل ما يسميه الإنسان زينة، ويحب أن يستأثر به…
ومن هنا نلحظ العلاقة القوية، بين الحب والغريزة الجنسية، إذ المرأة من جنس الرجل، ويدلنا على هذا كذلك قول الله سبحانه وتعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً) النساء:1 ، فإشباع الغريزة لا يتم إلى بوجود الطرفين معاً. الذكر والأنثى، ولهذا يظهر الحب بين الطرفين، ويصبح زينة تظهر للمرء، ويشعر بها كغريزة مطلوبة، يجب الوصول إليها، وهذه الغريزة لا تتم على الوجه الصحيح والأكمل، إلا بوجود الحب الدائم، الذي انصهر بها، فإن فقد الحب تحولت هذه الغريزة الجنسية من العلاقة الوشيجة المبنية على المودة والرحمة، إلى غريزة بهيمية، تقضى فيها الشهوة بدافع الأمر العفوي، وقدْ نبه على هذا نبي الرحمة والمودة صلى الله عليه وسلم بقوله : [ لا يَنْزُ أحدكم على امرأته نزوَ الديك ] [رواه الديلمي وعزاه المناوي إلى أبي يعلى] بل عليه أن يداعبها ويضاحكها، وينتظر أن تقضي حاجتها منه كما يقضي هو حاجته وبهذا يبقى الشعور بالحب موجوداً بينهما .
ويتم إشباع هذه الغريزة على الوجه الأكمل، حينما يستمر الارتباط بين الرجل والمرأة، ارتباط الزوجية على الطهر والمودة والمحبة، وهذا قول الله تعالى في كتابه: (هن لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهن) "البقرة:187" يبين أن المرأة هي الحرث للرجل، وهي المشبعة لغريزته والمحققة لأحلامه، والمظهرة لحبه، فلا منغص لحبهما، ولا مانع لإشباع غرائزهما ( هن لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهن )
فهل هناك أمتن من هذا اللباس الساتر لهما ؟ إنه مصنوع من الحب ، مغزول من المودة والرحمة فلا وجود للكبت أو الشذوذ الجنسي، بل اللقاء الحار، والمحبة الصادقة، والألفة الأمينة يشع ذلك كله من خلال هذا اللباس، لباس الطهر والمحبة، الذي وصل إلى شغاف القلبين معاً، إنها لك وأنت لها، اتحاد كامل بين جسمين وروحين لا يفترقان، ولا يلجأ أحدهما إلى المخادعة والتلاعب، لأن الحب قد بني على أسس متينة، مبنية على الطهر والمحبة والرحمة.
ويقول في موضع آخر: فليعلم كل مؤمن ومؤمنة أن حبهما المبني على الطهر والعفة وحب أولادهما المؤسس على المودة والرحمة ليس بعيداً عن حب الله ورسوله بل هو تابع له، فالمؤمن محب لله ولرسوله محب لزوجته وأولاده، محب لكل مؤمن في هذا الوجود. 
الحب والعلاقة أثناء الخِطبة :
ليس في هذا الوجود من إنسان، إلا وفيه قلب ينبض، وعينان تشاهدان، القلب لا يخلو من همسة حب، وذرة رحمة، ولكن استعمال هذه الهمسة.. ربما تسخر في إفساد المجتمع، أو في إصلاحه، ولا بد للشاب أن تصبح عنده علاقة حب مع إنسانة ما، ربما تكون حقيقية أو خيالية، وكذلك الفتاة، ولا نريد أن نكتب قاموساً عن العلاقة بين الشاب والفتاة، وعن الفشل والنجاح، بل نريد أن نبحث عن مدى هذه العلاقة، وكيف تتم؟ وماذا تكون نهايتها في نظر الإسلام؟
إن أول ما يستدعي الانتباه لحل مشكلة العلاقة، هو قول نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم: [ لم يُرَ للمتحابين مثلُ الزواج ](رواه ابن ماجه والحاكم) .
لقد اعتبر الحب ناقصاً إذا لم يُتوج بالزواج، وليس بالحب الحقيقي إذا لم يصدّق بالزواج .
لهذا نرى أن الإسلام أوصد باب العلاقة، أمام كل من يريد أن يلهو بها من الطرفين معاً فجعلها محدودة لكي لا يكون أي مجال للشذوذ والتلاعب وحينما تبدأ نسمة الحب يُطلب من المحب أن يعقد القِران فوراً، فلا داعي لتضييع الوقت، وإعادة النظر مرة بعد مرة، لأن الثقة متبادلة بين الطرفين.
ولما فقدت التقوى توفرت دواعي فقدان الثقة، فوجب الحذر الشديد من هذه المرحلة شديدة الحساسية (الخطبة).
أما علاقة الشاب المؤمن، أو الفتاة المؤمنة فمرتبطة برباط الشريعة وهذا الرباط يؤدي - إن تم الوفاق - إلى ارتباط الروحين معاً.
وقد حثّ الإسلام وأكد على ضرورة رؤية الخاطب للمخطوبة والعكس ، لكي لا يحدث في يوم ما كُره من أحدهما للآخر، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من الأنصار وقد خَطب فتاة : [ أنظرت إليها؟ ] قال الرجل: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ فاذهب فانظر إليها ، فإن في أعين الأنصار شيئاً ] رواه مسلم وغيره . ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة: [ انظر إليها فإنه أحرى أن يُؤدَم بينكما ] رواه الترمذي وابن ماجه .
ولا غرو في ذلك فإن النظر يورث المحبة ، والكلام يزيل العوائق ، وهو سبيل لحصول المودة التي تسبق السَّكَن (الزواج) .
الحب بين الزوجين
مضت ليلة الزفاف، فهل مضى معها الحب والذكريات؟ وهل توقفت نبضات المودة والرحمة بينهما؟ إن الجواب نجده في هذه الآية الحكيمة: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكرون) . "        الروم: 21 ".
إنه حب مبني على اللطف والرفق، قد استقر في أعماق القلب وأغوار الحس "لتسكنوا إليها" ووقع في النفس والعقل والجسد، فيجد كل من الزوجين عند الآخر الراحة والطمأنينة والاستقرار، ويستمر هذا الحب بينهما وكأنه نبع فياض، يزيد ولا ينقص، لأنه حب حقيقي نبت على الصدق والعفة وقد وطد النبي صلى الله عليه وسلم علاقة هذا الحب بين الزوجين، وأوضح السبل لاستمراره بقوله: [استوصوا بالنساء خيراً فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله…] رواه مسلم وغيره .
إنها وصية لاستمرار المودة والرحمة بينهما ، وقد بين رسول الهدى: أن خير الرجال من أمته، ذلك الذي يحب أهله فيقول: [خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي] رواه الترمذي .
فما هو خير الزوج لزوجته؟ هل الخير بتقديم كل ما يتطلبه بيت الزوجية من حاجات فقط؟ لا بل هناك الذي يبنى عليه كل خير، إنه الحب إنه العطف والحنان، والمحبة والاطمئنان.
وقد لحظ المصطفى عليه الصلاة والسلام أن هناك بعض المنغصات ربما تحدث بين الزوجين، فنبه على ذلك ليسد باب البغض فقال: [لا يفرِكنّ مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر] رواه أحمد ومسلم
فلا وجود للبغض، بل حب وتسامح من قبل الزوجين، ولا داعي لوجود المنغصات فإن وجد شيء منها فلا بد من إزالته، وذلك بالرجوع إلى العهد الذي بينهما: عهد المودة والرحمة، عهد المحبة والاستقرار، فالمشاحنات اليومية، والخلافات المستمرة لا وجود لها بين زوجين، أحبا بعضهما حباً خالصاً لا تشوبه شائبة
ولقد استنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحدث من بعض الرجال من إيذاء زوجاتهم ثم يريدونهن أن يمتثلن لشهواتهم فقال : [ يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد لعله يضاجعها من آخر يومه] رواه البخاري ومسلم           
إن النبي صلى الله عليه وسلم ينكر هذا العمل، الذي يميل إلى الحيوانية، لا إنساناً محباً يشعر بالمودة والرحمة، والزوجة.. تلك الإنسانة الوديعة التي لا تستطيع أن تدافع عن نفسها بقوة الجسد، بل لها قلب ينبض بالحنان، وروح تسمو إلى الرأفة والألفة، فماذا تفعل إن حدث هذا معها؟!
إنها ستشعر بفقد حبها وكرامتها ومكانتها عند زوجها، وإن فقدت ذلك، تاهت مع التائهات.
ومن توطيد رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا الحب بين الزوجين قوله: ["هلاّ بكراً تداعبها وتداعبك] (رواه الشيخان )فاستمرار المداعبة، دليل على استمرار الحب، ورسوخ الرحمة في قلبيهما، وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الزوج الذي لا يداعب زوجته بالجفاء فقال: [ ثلاثة من الجفاء… - ومنها - أن يجامع الرجل زوجته ولا يقبلها ] (رواه الديلمي ) إنه جفاء حقاً، لأن إشباع الغريزة لا يكفي.
وهكذا وضع الإسلام ركائز عظيمة ليبنى عليها الحب الصادق ، وليبقى الزوجان في سعادة دائمة، واطمئنان نفسي مستمر.
الحب وحق الزوج
حينما يكون الحب قائماً بين الزوجين ، يصبح الشعور بالحب قوياً من كلا الطرفين تجاه الآخر، فالزوجة حينما تكون علاقة حبها قوية مع زوجها، ستطبق جميع الحقوق التي وجبت عليها، وما هذه الحقوق إلا صورة عملية، وإشعار لزوجها بالحب الذي استقر في قلبها، لهذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة ] رواه مسلم .
الحب وحق الزوجة
كما أن الزوجة تظهر حق زوجها بحبها له، كذلك على الزوج أن يظهر حقها بحبه لها، فما هذه الحقوق ؟
إن أول حق للزوجة، هو تلك المعاشرة الحسنة من قبل الزوج، ويتضح هذا من خلال قول الله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) ، "النساء: 19 " فالمعاشرة الحسنة هي أساس اطمئنان النفس، وركن من أركان الحب الذي يظهره الزوج لزوجته، فمهما قدم لها من حقوق، وكان فظاً معها في معاملته فسيبقى الاطمئنان والارتياح النفسي مفقوداً بينهما، ويدلنا على هذا قول نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم: [خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي] رواه الترمذي.
الحب وحق الأولاد
إن النسل هدف أصيل من أهداف الحياة الزوجية، فحينما يكون الحب متبادلاً بين الزوجين لا بد من تقوية لهذا التبادل، وذلك بسعيهما وبدافع الرغبة منهما التي لها جذورها في نفسيهما لوجود طفل بينهما، يرمقانه بعين الرحمة والحنان ويضمانه بروح المحبة والاطمئنان، ويبذلان قصارى جهدهما لإسعاد هذا الطفل لكي يشعر بالحب والألفة، بالسعادة والسلام.
كل ذلك يتحقق حينما يكون هدفهما موحداً ومتجانساً، فيغرس الحب في قلب الطفل كما غرس في قلبيهما .
ويقول الدكتور محمود بن الشريف في كتابه " الحب في القرآن " :
وقد تهب رياح حقد وكراهية فتثير في أرجاء البيت عواصف وزوابع، وقد تظلل سماء البيت سحابة قاتمة سوداء تعكر الصفو وتنذر بالقطيعة والتفرق، وقد تمر فترات تتقلب خلالها القلوب فتنقلب آيات المحبة والرحمة إلى بغض ونفور، وتضيق نفس الزوج أو الزوجة بالمنزل ومن فيه وما فيه، وإن لم يثبت البنيان العائلي أمام ما اعتراه من هذه الطوارئ والمفاجآت تركت أخاديد عميقة في بنائه وإن لم تكن الحياة الزوجية وقت ذاك مدعمة بحسن العشرة.
والقرآن الكريم قد عالج هذه الحالات التي تعتري نفسية الأزواج.. فوضع لهم ذلك المبدأ (وعاشروهن بالمعروف) والمعاملة باللطف واللين، فإن استبدت بهم النوازع وتحجرت العواطف وتملكتهم الكراهية.. ( فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعلَ الله فيه خيراً كثيراً..) وكما يكمن البرء في مر الدواء. وتحمل الشدة في طياتها بوادر الفرج، فقد يكون وراء الكراهة ما وراءها من جليل الخير وجزيل النعم (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا) ، "النساء: 19" على أن حسن المعاشرة لا يطالب به الرجل وحده، ولا المرأة وحدها، بل هو قدر مشترك بينهما يطالب به كل منهما.
إن كلمة رقيقة من أحدهما للآخر.. أو دعابة مستملحة، أو هدية في مناسبة - وما أكثر المناسبات في الحياة الزوجية - أو مشاركة رمزية من الزوج في أعباء المنزل وأعماله.. وإن هذه الأشياء التي تبدو لدى بعضهم أشياء تافهة صغيرة لها وقع في النفوس، ولها نفع وأي نفع .
 الحب يبني الأسرة المسلمة
يقول الأستاذ محمد قطب في كتابه " منهج التربية الإسلامية " :
ومن أجل تحقيق التوازن في سد حاجات الإنسان النفسية والبدنية اعتبر الإسلام الغريزة الجنسية إحدى الطاقات الفطرية في هذا التركيب ويجب أن يتم تنظيم وضبط تصريفها لا إطلاقها ولا كبتها.
إن استخراج هذه الطاقة من جسم الإنسان ضروري كما أن اختزانها غير سوي وفيه مضرة .. ولكن بشرط الانتفاع بها وتحقيق مقاصدها الإنسانية .
وأول تلك المقاصد : عقد أواصر المودة والرحمة بين الرجل والمرأة ...
وثانيها : تكوين الأسرة محضن الأمن والراحة والسعادة ، ومفرخ الأجيال ، ومصنع الرجال ومناط المسؤولية الاجتماعية ، وهي مباءة جديدة يتسع فيها معتى الحب ويكبر ، ويزداد نمواً وتألقاً وإشراقاً .
وثالثها : إخصاب الحياة باستمرار النوع الإنساني وتكاثره ومن ثم يتسلسل الحب مودة ورحمة وتعاطفاً من الأسرة الصغيرة إلى الأسرة الاجتماعية الكبيرة .
ورابع المقاصد : استفراغ الطاقة الجنسية في أسلوب بعيد عن البهيمية المحضة والفوضوية المطلقة تحقيقاً للراحة النفسية والحسية عند الطرفين .
وخامسها: أن يظل الحب عنواناً مهيمناً يسمو بروح الإنسان وجسده عن دنيوية وحيوانية الجنس . انتهى .
إذاً فالميل الفطري نحو الجنس الآخر إذا نبت منه الحب فلا بد أن يروى هذا النبت بالنكاح ليثمر لنا خير الفرد والأسرة والمجتمع.
النكاح هو النهاية الطبيعية للمحبين :
روى ابن ماجه والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ لم يُر للمتحابين مثل النكاح ] . المعنى أنك - أيها المحب - لم تر ما تزيد به المحبة مثل الزواج فإذا رأى رجل امرأة فأخذت بمجامع قلبه فنكاحها يورثه مزيداً من المحبة ولذا قال العلماء: أعظم الأدوية التي يعالج بها العشق النكاح فهو علاجه الذي لا يعدل عنه لغيره ما وُجد إليه السبيل، (راجع فيض القدير للمناوي ) .
ومن القواعد الحياتية المسلَّم بها في دنيا الناس أن لكل داء دواء، ولكل مرض علاجاً، سواء كان في البدن أم في النفس ، في الجسم أم في أعماق الوجدان.
وحيث إن الحب عاطفة أصيلة في الكيان النفسي للإنسان ، بل هي مدار كل الرغبات والانفعالات والصلات، ومرتكز التجاذب أو الابتعاد، تتأثر بالموجودات والمتطلبات تبعاً لصفاء النفس وإشراقها سمواً ، أو عتمتها وإخلادها إلى الأدنى هبوطاً فهي بين استقامة وانحراف…
والاستقامة علامة صحة وسلامة، والانحراف مؤشر مرض وابتلاء… وكلما كان الانحراف أشد كان الداء أظهر وأكثر فتكاً.
وفي القاموس الطبي : إن صحة وصدق التشخيص نصف العلاج، فإذا وضع الطبيب يده على المرض سهل عليه علاج المريض، وهانت عليه مداواته.
والله تعالى، الذي خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه، وهو أقرب إليه من حب الوريد، والذي ركب فيه طاقاته وقدراته، وهو أعلم به منه.. وقد يسر للإنسان سبيل الوصول إلى تمام العلاج من داء الهوى، صراطاً ميسراً وجرعة كافية، سواء كان ذلك الحب المألوف المعهود، أو للحب بمعناه الأوسع الأعم، فمن تنكب الطريق… أو ازداد من الجرعات فقد أخطأ طريق المداواة، وتفاقمت العلة عنده، وأنذرت بالخطر الشديد حاضراً ومستقبلاً في دنياه وآخرته.
ومن نافلة القول أن نكرر الحديث النبوي الشريف القائل : [ لم يُرَ للمتحابين مثل النكاح ] إذ إن إلحاح الغريزة وسُعرها أشبه بالسياط تلسع البدن وتستحثه، ألا ترى معي كيف أن الحوذيَّ يقرع بهيمته تارة بالعصا، وطوراً يلاحقها بالسياط لتسرع في السير، فتركض وتجري لاهثة تعبة، وقد يكون العبء ثقيلاً فتسقط من الإعياء، وقد تقضى ! ومن العدل والحق أن يخفف الحمل، وأن يتئد في السير، فيضمن الوصول وعدم الخسارة.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه ] رواه مسلم وغيره .
هذا بالنسبة للمتزوج المحب.. أما العازب فماذا من أمره ؟  
قال عليه الصلاة والسلام : [ يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء] رواه البخاري ومسلم .
والحديث من الوضوح إلى درجة لا تتطلب جهداً عقلياً لإدراك معناه ومغزاه.
علماً بأن الفردية مكروهة ممقوتة، شرعاً وعقلاً، فهي لا تنطوي على خير أو استقامة، ولا تؤدي إلى أي واحد منهما. و(لا رهبانية في الإسلام).
[ ... وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني] (رواه البخاري ومسلم ) .
ويروي لنا التاريخ قصص بيوت كثيرة في الإسلام بُنيت على أساس الحب الصادق فأثمرت خير الثمار.
يقول الأستاذ عبدالحليم أبو شقة تحت عنوان " الحب بين الزوجين " :
قال تعالى: ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) ، "سورة الروم:21" .
قبل أن نمضي في بحث الحقوق الجزئية لكل من الزوجين، نود أن نعرض لشعور كريم، نرجو أن يسود بين الزوجين، إذ إنه يعين على أداء تلك الحقوق على أكمل صورة، هذا الشعور هو الحب، يقذفه الله في قلب من شاء من عباده.
والحب الذي نقصده هنا ليس مجرد نزوة عابرة سرعان ما تخبو ، بل هو شعور راسخ عميق الجذور ، طويل العمر، وهو فضل من الله ونعمة. والعاطفة عند علماء النفس : من طبيعتها الهدوء والاستقرار والاستمرار .
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول عن خديجة: [ إني رزقت حبها] رواه مسلم .
على أنه قد يبدأ الزواج بحياد عاطفي لكن سرعان ما تنمو مشاعر الحب بين الزوجين نتيجة العشرة الطيبة وأخلاق الوفاء والعطاء. وعندها ينعم الزوجان بحياة طيبة هنيئ

www.islamweb.net