التلازم بين العقيدة والدعوة

24/01/2007| إسلام ويب

الحديث عن الدعوة ذو شجون؛ لأنك تقتفي آثار المصطفى – عليه الصلاة والسلام – في أعظم أعماله، بل الهدف من بعثته وهو دعوة الناس إلى الخير. والعجيب أن أكثر الناس يحرصون على ترسُّم خطاه في كل صغيرة وهذا حق، مثل: تحريك الأصابع في التشهد، أو الإشارة بها؛ وهذا هو الصحيح، ولكن لا يتصورون أن التأسي يكون في حركته الدعوية في المجتمع، وتنقُّله بين الديار والقبائل والمجالس حاملاً همِّ الدعوة إلى الله تعالى.
إنها مفارقة عجيبة تحتاج إلى تأمل!

وعندما نبحث عن الأسباب نجدها كثيرة، يهمنا هنا الجهل بالترابط الوثيق بين العقيدة والدعوة إلى الله تعالى، لذلك نحاول الربط بين الأمرين من خلال مسائل معينة، من أهمها في نظري:
أولاً: كلمة العقيدة كما نفهمها من لغتنا العربية تُفيد الربط والإحكام، كما قال تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما عقَّدتم الأيمان}[المائدة:89]. وقال عز وجل: {أوفوا بالعُقُود}[المائدة:1]. فكيف يُتصوَّر أن ينطلق إنسان من دعوة لم تنعقد بعدُ في قلبه بشكل واضح وقوي؟ لأن الدعوة كما أنها تشريف؛ فإنها تكليف بأعباء وأثقال لا يقوى عليها إلا من تربَّى تربية عميقة على العقيدة. قال تعالى – بعد الأمر بقيام الليل -: {إنا سنُلقي عليك قولاً ثقيلاً}[المزمل:5].

وهذه فرصة للتذكير بأحد جولات النبي صلى الله عليه وسلم الدعوية، من خلال الجهاد في غزوة أحد، حيث تجلت مواقف البطولة عند أصحاب العقيدة، وتكشفت صور النكوص والهزيمة عندما ضعفت العقيدة. أترك الكلام لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – حول هذا، حيث ذكر بعد حصول رجوع رأس النفاق (عبد الله بن أُبيِّ ابن سلول): "انخذل معه خلق كثير، كان كثير منهم لم ينافق قبل ذلك؛ فأولئك كانوا مسلمين، وكان معهم إيمان هو الضوء المضروب به المثل. فلو ماتوا قبل المحنة والنفاق لماتوا على الإسلام".
إذن طريق الدعوة طويل يحتاج إلى طول نفس وعمق في العقيدة، نسأل الله الثبات والإعانة.

ثانيًا: إذا لم تكن العقيدة واضحة في ذهن الداعية، فإلى أي شيء سيدعو الناس؟! .. هل سيدعوهم إلى قضايا وهمية؟ أم تناقضات عقلية؟ .. فما أجمل قوله عز وجل: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة}[يوسف:108].

لذلك رتب النبي صلى الله عليه وسلم الأولويات عند معاذ – رضي الله عنه – فقال: (وليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله).. وهذا الترتيب الشرعي في الدعوة يؤدي إلى قبول الناس للدعوة، والعمل بمقتضاها من التشريعات والأحكام، وهذا مثل جذور الشجرة وجذعها وفروعها وأوراقها، فعلى قدر ترسخ الجذور يكون النمو في الخارج، لذلك تجد القرآن يربط بين الجذور العقدية والتطبيقات الشرعية. قال تعالى: {ويل للمطففين * الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون * وإذا كالوهم أو وزنوهم يُخسرون * ألا يظن أولئك انهم مبعوثون * ليوم عظيم}[المطففين:1-5].
إذًا لا يمكن الانضباط الشرعي في السلوك والأخلاق، إلا بالشعور بقضية عقدية مهمة وهي هنا قضية البعث بعد الموت ثم الحساب على كل ما سبق.

وتأمل كلام ابن القيم في زاد المعاد، عندما تكلم عن الصيام.. قال رحمه الله تعالى: "تأخر فرضه إلى وسط الإسلام، لأن فطم النفوس عن مألوفاتها أمر شاق. ولكن لما توطن التوحيد في القلوب، واستقرت العقيدة نزل فرضه".
وهكذا شأن القرآن المكي يغلب عليه الطابع العقدي، بينما المدني يغلب عليه الطابع التشريعي بعد ترسخ العقيدة.

فدعوة الناس إلى قضايا فرعية، مع أهميتها قبل التذكير بقضايا العقيدة وإحيائها، كالحرث في الماء والزراعة في الهواء.

ثالثًا: استحضار العقيدة يُريح الداعية كثيرًا ممَّا يزعجه، كما أزعج ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى أتاه البيان من ربه: {فلعلك باخعٌ نفسك على آثارهم إن لم يُؤمنوا بهذا الحديث أسَفًا}[الكهف:6].

إذن ليس عليك هداهم، ولكن الله يهدي من يشاء. فشأنك وشأن الدعاة جميعًا البلاغ المبين بالأسلوب الرفيق الذي يُقرِّب ولا يفتن. أما أمر القلوب فعند مقلبها..
هذه بعض جوانب الربط بين العقيدة والدعوة، وهي أكثر من ذلك.. وبالله التوفيق..

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحبب إلينا الإيمان، وألا يزغ قلوبنا بعد إذ هدانا، إنه سميع مجيب.

www.islamweb.net