حذر الدكتور علي محيي الدين القره داغي – عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أســتاذ الفقه والأصول بجامـعة قطر- من الجرأة على الفتوى بغير علم معتبرا أنها كالقتل.
وشدد القره داغي ، في بحث جديد بعنوان "الفتوى بين الـنَّص والواقع، والثابت والمتغير.. الضوابط والآداب.. مع تطبيق عملي على الفتاوى المباشرة في وسائل الإعلام" عرضه أمام أساتذة كلية الشريعة بجامعة قطر الأربعاء 6-12-2006 على أنه لا يجوز لأحد أن يفتي في دين الله إلا إذا كان فقيها عالما بكتاب الله وسنة رسوله، وبأقوال العلماء؛ إجماعهم واختلافهم، وله ملكة فقهية قادرة على الاجتهاد.
ودعا القره داغي -الخبير بمجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة وجدة، وعضو المجلـس الأوروبي للإفتاء والبحوث- الفقهاء إلى ضرورة الحجر على "المفتي الماجن"، وقال بأنه "لا يجوز تركه طليقا بل يجب على ولي الأمر منعه من الإفتاء، لأن ضرره عظيم لا يخص نفسه بل يعم غيره".
وطالب بذم الجمود على الآراء الفقهية القديمة وخروج العالم المتعصب عن زمرة العلماء المفتين، وعدم الخضوع لواقعنا المنحرف الذي صنعه غيرنا، وحث على مراعاة منهج الوسطية بين التشدد والتفلت، والانحلال والتقوى وعدم اتباع الأهواء وعدم الخضوع لضغوط السلطة والعامة.
شروط الإفتاء
ومضى قائلا: "الإفتاء واجب على من كان مؤهلا له وتوافرت فيه شروطه". وحدد شروطا جوهرية رأى أنه يجب توافرها فيمن يتصدى للإفتاء، وأهمها "أن يكون المفتي على علم بالقرآن وعلومه، وبالسنة النبوية رواية ودراية، وأن يكون عالماً بأسباب نزول الآية، وورود الحديث وأن يكون محيطا بالأدلة الشرعية الأخرى كالقياس والاستحسان، وشرع من قبلنا، والاستصحاب، وقول الصحابي وإجماع أهل المدينة، والمصالح المرسلة، وسد الذرائع، ومقاصد الشريعة".
وأن يكون لديه -بالإضافة إلى العلم بالنصوص الشرعية- فقه بالمبادئ الكلية والقواعد العامة لهذه الشريعة كمبادئ العدالة، والشورى، والحرية، وكرامة الإنسان، والمساواة ونحوها حتى لا يتجاوزها في اجتهاده وفتاواه.
واشترط فضيلته أن يكون لدى المفتى دراية بفقه المقاصد الشرعية بما فيها فقه المصالح والمفاسد وفقه الموازنة بينهما في حالة تعارضهما، وفقه سد الذرائع، وفقه المآلات، وأن يكون لديه فقه الميزان أو الموازين بحيث يعرف ميزان كل باب من أبواب الفقه.
ولفت إلى ضرورة توافر عدة شروط داخلية في المفتي مثل العدالة، والتقوى، والورع، وعدم الازدواجية بين قوله وفعله، وأن يكون ذا هيبة وله احترام بين العامة والخاصة. ونبه لأهمية أن يكون من يتصدى للإفتاء على علم بفقه التنزيل (تنزيل النص)، أو العلة على الواقعة أو النازلة وذلك بأن يكون لدى المفتي القدرة العلمية على تنزيل الدليل على الواقعة التي وقعت، والنازلة التي جدت.
مشاكل الأمة
وأكد د.القره داغي على ضرورة الالتزام بالفتاوى الجماعية بدلا من الفتاوى الفردية لأن عصرنا يمتاز بكثرة المستجدات التي ظهرت حيث ظهرت قضايا معاصرة جديدة لم تكن معروفة من قبل، كطفل الأنابيب، والتلقيح الصناعي، والاستنساخ، والتحكم في الجينات، والشركات المساهمة، والأسهم والسندات، والبورصة، والتأمين ونحوها. وهذه القضايا معقدة وتحتاج إلى بذل جهد كبير لفهمها واستيعابها، بل قد لا يستطيع الفقيه فهمها إلاّ من خلال المتخصصين فيها، لذلك لا ينبغي للفقيه أن يتسرع في إبداء الرأي فيها، بل عليه أن يبذل جهده من خلال الاجتهاد الجماعي للوصول إلى حل هذه القضايا وبيان الحكم الفقهي لها.
وأشار إلى أن أهم مشاكل الأمة الإسلامية تعود إلى فتاوى مضطربة وفتاوى صادرة من غير أهل العلم، وفتاوى متشددة تكفر بعض الدول، وبعض الجماعات الإسلامية، وبعض المسلمين، مما أحدث خلافات ونزاعات شديدة أدت إلى تمزق المسلمين والجماعات الإسلامية بشكل أكبر وأخطر.
ونبه د.القرده داغي لخطورة الفتاوى المباشرة التي تبثها الفضائيات والإذاعات لكونها تقال على استعجال دون رجوع للأدلة الفقهية وآراء الفقهاء القدامى والمعاصرين وذكر أن الفتاوى المباشرة تحتاج إلى علم كبير، وثقافة واسعة، وخبرة وافية، وتجارب كافية، وملكة فقهية راقية في فهم النص والواقع، وقدرة رائدة في مجال التنزيل وتخريج المناط وتحقيقه، ودراية واسعة بمقاصد الشريعة، ودربة جيدة في نطاق فقه الأولويات والموازنات.
حلول واقتراحات
واقترح حلولا للخروج من عواقب الفتاوى المباشرة، منها إيجاد مرجعية جماعية إما من خلال المجامع الفقهية أو المؤتمرات والندوات الفقهية، بحيث يلتزم المفتون بالقرارات والفتاوى الصادرة منها، أو على الأقل في نطاق الفتاوى المباشرة. ومنها تشكيل مجموعة من العلماء في كل بلد لإصدار فتاوى جماعية في كل ما يعرض من الأسئلة الواردة إليها أو إيجاد دائرة عالمية لذلك.
وذكر فضيلته أن هناك فرقا بين الإفتاء والقضاء من ناحية وبين الإفتاء والاجتهاد من ناحية أخرى مبينا أن الإفتاء أو الفتوى هي بيان الحكم الشرعي عند السؤال عنه من خلال النظر في الأدلة المعتبرة بعد استقرائها، والاستنباط منها وذلك إن كان مجتهداً، وإن كان مقلداً فهو ناقل لما وصل إليه مقلَّده.
وأما القضاء فهو إنشاء الحكم وإلزام الخصمين به، وبذلك يختلف عن القضاء في أمرين: أحدهما أن القضاء ملزم في حين أن الفتوى غير ملزمة قضاء.
وثانيهما أن المفتي يظهر له الحكم من الأدلة الشرعية وأما القاضي فهو ينشئ الحكم مما ظهر له من واقع القضية وظروفها المحيطة بها حيث يطبق عليها الحكم الذي تبين له أنه مناسب لها.
وقال: إن الفرق بين الفتوى والاجتهاد يأتي من أن الاجتهاد هو استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة الإجمالية، وأما الفتوى فهي بيان الحكم الشرعي لواقعة معينة جوابا عن السؤال عنها.
ـــــــــــ
الدوحة - محمد صبرة - موقع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بتصرف يسير.