عبث مفاجئ بحق العودة

13/04/2002| إسلام ويب


بينما الأبصار والأفئدة مشدودة نحو المشهد الأفغاني الملتهب‏ ، حدثت فرقعة مثيرة في الساحة الفلسطينية لم يسمع كثيرون صوتها‏، وسط أزيز الطائرات النفاثة المحلقة في سماء قندهار وكابول‏، وهدير الصواريخ التي ما انفكت تشيع الموت والخراب في الأفق الأفغاني‏.‏

أما الذين سمعوا الفرقعة فإنهم لم يصدقوا آذانهم من وقع المفاجأة وشدة الصدمة‏ ، إذ ما كان يخطر على بال أحد - لا في أول الزمان ولا في آخره - أن يقول مسئول فلسطيني على ملأ من الناس إن السلام لن يعم ولن تقوم للدولة الفلسطينية قيامة‏، إلا إذا تخلي الفلسطينيون عن حقهم في العودة - هكذا بصريح العبارة ومرة واحدة - لكن يبدو أنه بعدما اهتزت مسلمات كثيرة‏، وبعدما صار اللامعقول معقولا‏، قيل هذا الكلام‏، وممن؟ - من المسئول الجديد عن ملف القدس - وأين؟ - على مسمع من الإسرائيليين في داخل الجامعة العبرية‏!‏ - أما كيف ولماذا وما العمل‏، فإليك الحكاية وما فيها‏.‏

‏(1)‏ في البدء كان الأمر بمثابة طلقة خرجت من مسدس كاتم للصوت‏ ، أصابت الحلم في السر دون أن يسمع أحد‏، لأن الكلام الطلقة قيل أمام الإسرائيليين وداخل حرم الجامعة العبرية‏، ولا أعرف ما الذي كان يمكن أن يحدث لو أنه قيل أمام تجمع فلسطيني أو عربي‏، لكن الذي أثق فيه أن قائله في هذه الحالة الأخيرة لن يخرج بمثل ما دخل‏، هذا إذا قدر له أن يخرج أصلا‏!‏

ما قيل وراء جدران الجامعة العبرية في‏ 15/10 أفشته وعممته صحيفة " نيويورك تايمز " ‏التي نقلت الكلام في عددها الصادر يوم‏2001/10/17، منسوبا إلى الدكتور سري نسيبه خريج جامعة هارفارد‏، وأستاذ العلوم السياسية السابق بجامعة بيرزيت‏، الذي كان قد سافر في مهمة علمية إلى الولايات المتحدة‏، وعاد منها مديرا لجامعة القدس في أيوديس‏، وبعد وفاة السيد " فيصل الحسيني " تم تعيينه مكانه‏، في‏ 12/10 مسؤولاً عن ملف القدس في السلطة الفلسطينية‏.‏

نعم ، الرجل معروف بمواقفه وآرائه المثيرة للغط والمستفزة للشارع الفلسطيني‏.‏ والمتابعون للمسيرة الفلسطينية يذكرون أنه في عام‏ 86‏19م كان قد تسبب في مشكلة بالقدس‏، حينما صدم الناس بدعوته إلى مشاركة الفلسطينيين في انتخاب رئيس بلدية المدينة‏، التي تعد من الناحية القانونية واقعة تحت الاحتلال منذ عام‏ 1967م.‏

وفهمت دعوته تلك بحسبانها حثا للفلسطينيين على الاعتراف بشرعية الاحتلال‏، والتسليم بعملية تهويدها وتثبيتا لوضع رئيس بلديتها الإسرائيلي‏.‏

تعددت مظاهر الغضب التي عبر بها الفلسطينيون عن مشاعر استيائهم تجاهه‏، وكان من بينها قيام بعض عناصر منظمة فتح التي يرأسها السيد ياسر عرفات بإحراق سيارته‏، والاعتداء عليه بالضرب‏، الأمر الذي أصابه آنذاك بكسر في ذراعه‏!‏
منذ ذلك اليوم سكت الدكتور سري نسيبه‏، وانشغل نسبيا بالعمل الأكاديمي، وأصدر في عام‏91‏19م كتابـًا مشتركـًا مع أحد أساتذة مركز " جافي " التابع لجامعة تل أبيب - إسرائيلي يميني اسمه " مارك ديللو " ‏، كان عنوانه " لا مزامير ولا طبول‏ " :‏ إقامة الدولتين حل للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني - ألمح الكتاب إلى الفكرة التي طرحها الدكتور نسيبه أخيرًا‏، والتي تلقى بطبيعة الحال ترحيبًا واسعًا من الإسرائيليين‏ ؛ لأنها تزيح عن صدورهم حملاً ثقيلا‏ً ، وتريحهم من عقدة ملف اللاجئين الذي تجاوز عددهم أربعة ملايين‏، وقد مر الكلام آنذاك‏، لأنه صدر كوجهة نظر في كتاب لم يكن له تأثيره على الرأي العام‏، فضلاً عن أن نسيبه كان يعبر فيه عن رأيه الخاص كأكاديمي يمثل نفسه في أحسن فروضه وأبعدها‏.‏

‏(2)‏ طوال العقود التي تلت النكبة ظل التمسك بحق العودة أحد ثوابت القضية الفلسطينية‏، التي لم يجرؤ أحد على العبث بها أو المساومة عليها‏، ومن أسف أن السيد نسيبه حين تحدث في الموضوع وصفه بأنه مطلب وليس حقا‏، والأول أضعف من الثاني بكثير‏، وبينما الحق مقدس وثابت بمقتضى ميثاق حقوق الإنسان والشرعية الدولية والشرعية التاريخية‏، كما نري بعد قليل‏، فإن المطلب مجرد رغبة‏، مشروعة أو غير مشروعة‏، وهي لا تعكس حقا بالضرورة‏، ثم إنه يمكن المساومة عليها والتنازل عنها‏ .

فاستمرار المستعمرات في الأراضي الفلسطينية التي تعد إقامتها مخالفة للقانون الدولي‏، هو مطلب إسرائيلي له أهدافه الشريرة‏، ولا يمكن أن يوضع على قدم المساواة ولا في ذات المربع مع رغبة في عمق وأصالة حق العودة‏.‏

لكي أكون دقيقا فإن موضوع حق العودة جري المساس به على نحو آخر‏، في شهر يوليو من العام الماضي‏، حين كان الوفد الفلسطيني في طريقه إلى محادثات " كامب ديفيد‏ " ، التي قيل أنها ستتناول قضايا الحل النهائي‏، إذ صرح أحد مستشاري الرئيس عرفات - خالد سلام مستشاره الاقتصادي - بأن موضوع حق العودة يمكن حله عن طريق صرف تعويضات للاجئين قدرها آنذاك بمبلغ‏ (30‏) مليار دولار‏، وقد انتقد هذا التصريح في حينه‏، ولم يؤخذ على محمل الجد‏، ثم جري تجاوزه بعد الفشل الذي منيت به المحادثات‏، ومع ذلك ظل التصريح دالا على أن فكرة التعويض مطروحة في الكواليس وأن هناك من يؤيدها داخل دوائر السلطة الفلسطينية‏.‏

سكت الدكتور سري نسيبه دهرا‏، ثم نطق على النحو الذي رأيت‏!‏ - وجاء كلامه مفاجئا وصادما من نواح عدة‏، مرة لأنه قاله في محفل إسرائيلي (‏ الجامعة العبرية‏)، ومرة لأنه هون من شأن العودة‏، ووصفها بأنها مجرد مطلب‏، ودعا إلى التنازل عنه‏.‏ ومرة ثالثة لأنه زاد الطين بله وقال في حديثه الذي نقلته عنه " نيويورك تايمز" : إن الانتفاضة الفلسطينية ليست سوي حالة من التشنج ملطخة بالدماء وليست ثورة شعبية‏، وتلك كبيرة أخري‏، ومرة رابعة لأن هذا الكلام صدر عنه بعد ثلاثة أيام فقط من انضمامه رسميا إلى السلطة الفلسطينية‏، بقرار من الرئيس عرفات‏، ومرة خامسة لأنه أفتى في مسألة اللاجئين‏، بينما مسئوليته منحصرة في ملف القدس‏.‏ ومرة سادسة لأنه قال كلامه هذا في توقيت بالغ السوء‏، بينما السياسة الشارونية تمارس بحق الشعب الفلسطيني أقسى أنواع القمع والوحشية‏.‏ ومرة سابعة لأن‏ (98%‏) من اللاجئين الفلسطينيين أعلنوا تمسكهم بحقهم في العودة إلى ديارهم‏، وهناك أكثر من مائتي جمعية فلسطينية تتبنى الدفاع عن هذا الحق في تجمعات الفلسطينيين بمختلف أنحاء العالم‏.‏

ومرة ثامنة لأن ثمة مناقشات جادة دائرة الآن حول كيفية العودة‏، وإمكانية تحقيقها دون أن يتمثل ذلك التهديد المزعوم للإسرائيليين‏، وإذا به يقطع الطريق على تلك المناقشات‏، ويدعو إلى التنازل جملة‏، هدية مجانية لإسرائيل‏!‏

‏(3)‏ هو مشهد عبثي مسكون بالمفارقة‏، عبثي لأن كل لاجئ في الكرة الأرضية يحق له العودة إلى وطنه‏، باستثناء اللاجئين الفلسطينيين الذين ينكر عليهم هذا الحق‏، وتتواطأ الدول الكبرى لتوطينهم في أي مكان باستثناء وطنهم الأصلي‏، ويفرض عليهم فرضا التنازل عن ذلك الوطن أو بيعه‏، والمفارقة هنا تكمن في أن الإسرائيليين يتحرون استحقاقاتهم حيثما وجدت‏، ولا يملون في تفتيش الأوراق والوثائق القديمة لاستعادة قيمة مدخرات ومنقولات يهود أوروبا الشرقية التي اختفت منذ نصف قرن‏، وفي الوقت نفسه يطالبون الفلسطينيين بأن يتخلوا عن كل ما نهب منهم‏، بدءا بممتلكاتهم وعقاراتهم وانتهاء بوطنهم وحقهم في العودة إليه‏، وتبلغ المفارقة ذروتها حين نجد في إسرائيل قانونا للعودة‏، يسمح لكل يهودي في الكرة الأرضية بأن يصبح مواطنا في إسرائيل يتجنس ويتملك ويتمدد كيفما شاء على أرض فلسطين‏، بينما تصادر حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة‏، وكل منهم له قريب وأسرة وعنوان في فلسطين‏، وبعضهم لا يزال يحتفظ بمفاتيح بيوتهم هناك‏، سواء تلك التي هدمت ومحيت‏، أم بقيت واغتصبت وسكنها المستجلبون من شذاذ الآفاق‏!‏

إن الميثاق العام لحقوق الإنسان ينص على حق كل مواطن في العيش في بلاده‏، أو تركها أو العودة إليها ومنذ النكبة - في عام‏ 1948م - هناك قرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ينص على أن اللاجئين الراغبين في العودة إلى أوطانهم‏، والعيش بسلام مع جيرانهم‏، يجب أن يسمح لهم بذلك‏، في أول فرصة عملية ممكنة‏.‏ ويجب دفع تعويض لممتلكات الذين لا يرغبون في العودة‏، ودفع تعويض للخسائر والضرر الذي أصاب الممتلكات لإصلاحها‏، وإرجاعها إلى أصلها‏، من قبل الحكومات والسلطات المسئولة‏، بناء على قواعد القانون الدولي والعدالة‏.‏

وإذا تمعن المرء في القرار يلاحظ فيه ما يلي‏:‏ أن خيار العودة متروك للاجئين أنفسهم‏، وليس لغيرهم‏، - أن العودة كانت واجبة في أول فرصة ممكنة‏، وقد لاحت تلك الفرصة بعد توقيع الهدنة في سنة‏ 1949م - إن التعويض واجب في كل الأحوال‏، فالذين يعودون لهم الحق في التعويض عن الضرر الذي أصاب ممتلكاتهم‏، والذين يختارون البقاء في الخارج لهم الحق في التعويض عما تركوه ومن ثم فليس صحيحا أن اللاجئين مخيرون بين العودة أو التعويض‏، كما يشيع البعض‏، وإنما لهم الحق في الاثنين‏، العودة والتعويض‏، طبقا لنص القرار - ثم إن المسئول عن التعويض هو الحكومات والسلطات المسئولة‏، وذلك يشمل حكومة إسرائيل المؤقتة عام‏ 1948م ، وتلك التي أعقبتها‏، ومنظمات الهاجاناه والارعون والشتيرن‏، والصندوق القومي اليهودي وغيرها‏.‏
ظلت الأمم المتحدة على موقفها من قضية العودة‏، لم تغيره‏، وكان آخر ما أصدرته في هذا الصدد قرار في‏ 22/11/1974م ؟ أعاد تأكيد الحق غير القابل للتصرف لعودة الفلسطينيين إلى ديارهم التي اقتلعوا منها‏.‏

ثبوت الحق محسوم إذن‏، الأمر الذي يعد خطوة مهمة لا ريب عززت أثبات المبدأ والتأكيد عليه‏، وهو ما استوجب نقل المناقشة إلى مستوي آخر هو‏:‏ كيف؟ - غير أن كلام السيد نسيبه ارتد بنا إلى نقطة الصفر للأسف‏، وأعادنا مرة إلى السؤال‏:‏ هل؟

(4)‏ في السادس والعشرين من شهر سبتمبر الماضي تم بقاعة " وستمنستر " في لندن لقاء مهم شهده جمع غفير من أعضاء مجلس العموم البريطاني والسياسيين ورجال الإعلام وأعضاء المنظمات غير الحكومية المعنية بقضايا الشرق الأوسط‏.‏

كان المتحدث الرئيسي في ذلك اللقاء هو الدكتور " سلمان أبو سته " الخبير الفلسطيني البارز‏، والمعروف عالميا بتخصصه في قضية اللاجئين‏، وصاحب الدراسات المتعددة التي ظلت العودة محورا لها‏، وأحدثها كتاب صدر له بالإنجليزية بعنوان‏ :‏ من لاجئين إلى مواطنين في بلدهم‏.‏

أما الذين رتبوا اللقاء مع النخبة البريطانية فقد كانوا جهات ثلاثا‏:‏ مكتب الجامعة العربية في لندن‏، ومجلس تعزيز التفاهم العربي - البريطاني‏، ومركز العودة الفلسطيني هناك‏.‏

وفيما علمت فإنه يجري الآن ترتيب لعقد لقاء آخر بين الدكتور " أبو سته " وبين أعضاء البرلمان الأوروبي‏، لكي يشرح مشروعه المتعلق بالتطبيق العملي لخطة عودة اللاجئين إلى ديارهم‏.‏

الفكرة الأساسية التي يقوم عليها مشروع الدكتور " أبو سته " أن عودة اللاجئين الفلسطينيين بملايينهم التي تجاوزت الأربعة‏، ليست حقا مقدسا فحسب‏، ولا هي تستند إلى القانون والشرعية فحسب‏، ولكنها ممكنة أيضا من الناحية العملية‏، دون أن ينال ذلك من وجود الإسرائيليين ودولتهم‏.‏

في الوقت نفسه فإنه يدحض بالخرائط الجوية والمعلومات الموثقة أن القرى الفلسطينية التي كان يسكنها هؤلاء قد اختفت ولم يعد لها أثر‏.‏

يعتمد الدكتور " أبو سته " في مشروعه على كم هائل من الصور والوثائق التي سجلت كل معالم فلسطين منذ عام‏ 1871‏م حين أمضت بعثة اكتشاف فلسطين‏ (8‏) سنوات لإتمام مسح شامل لكل شبر في البلاد‏، وإلى عامي‏ 45‏19 و 1946م ‏ حين أجرت بريطانيا - دولة الانتداب - مسحا جويا شاملا أرضا لكل فلسطين‏، مرورا بالخرائط التي أعدتها مصلحة المساحة في عهد الانتداب‏(1920‏ -‏1998م )‏ سجلت فيها كل التغيرات التي طرأت على فلسطين خلال تلك الفترة‏.‏

في لقاء " وستمنستر " عرض الخبير الفلسطيني على الحاضرين البرلمانيين والسياسيين الإنجليز (24‏) خريطة بينت حقائق الوضع السكاني في إسرائيل، التي تشير كلها إلى الأرض التي يمكن تجهيزها خلال فترة تتراوح بين‏ (8‏ و‏ 10‏) سنوات‏، بحيث يمكن تعمير‏ (90%‏) من القرى المهجورة في فلسطين‏، كي يعود إليها سكانها الأصليين‏ (‏العرب‏)‏ دون أي تأثير يمس اليهود الإسرائيليين‏.‏

ومن العشرة في المائة الباقية هناك‏ (7%‏) يمكن أن يعود إليها سكانها مع بعض التعديلات‏، وهناك‏ (3%‏) فقط ستواجه صعوبة في ذلك‏.‏

من النتائج المهمة التي بينتها دراسة التركيبة السكانية لإسرائيل المقسمة إلى (36‏) إقليما طبيعيا‏، أن‏ (80%‏) من اليهود يعيشون في عشرة إقاليم‏ ، مساحتها‏ (2.458‏) كيلومتر مربع أو‏ (12.1%‏) من مساحة إسرائيل (‏ الباقون يعيشون في المدن‏)‏ - وهذه المساحة التي يعيش عليها اليهود الآن تزيد بمقدار‏ (841‏ كيلومترا مربعا) فقط عن مساحة الأراضي التي كانت مملوكة لليهود إبان الاحتلال البريطاني‏.‏ أي أن نمط اليهود في معيشة الجيتو‏، والالتصاق والتجمع لم تتغير‏، برغم توافر مساحة كبيرة من الأراضي المحتلة‏.‏

ليس هذا فحسب‏، وإنما لا يزال معظمهم يشتغل في المهن التقليدية‏، مثل المال والتجارة والصناعة الدقيقة‏، وقلة منهم التي غيرت نمط حياتها وعملت بالزراعة بالمقابل فإن الفلسطينيين يعيشون في‏ (26‏) من الـ‏(36‏) إقليمًا طبيعيًا في البلاد‏، وقد ساعد على ذلك طبيعتهم الزراعية من ناحية‏، ثم ظروف الحكم العسكري التي عاشوا في ظلها‏، ومنعتهم من الانتقال إلى المناطق المكتظة باليهود‏.‏

‏(5)‏ أدري أن موضوع العودة تحيط به ملابسات شديدة التعقيد والحساسية‏، وأن المسألة لا يمسها فقط كون الـ‏(530‏) مدينة وقرية التي طرد منها سكانها منذ عام‏ 1948م ، يمكن إعادة الحياة فيها أم لا‏ ، لكن ذلك لا ينفي أن هناك حوارا علميا جادا يحاول إثبات إمكانية تحقيق ذلك الأمل‏، وأن الدعوة إلى إسقاط ذلك الحق بمثابة سعي لإجهاض المحاولة‏، وهي تكتسب خطورتها من كونها تصدر عن طرف فلسطيني‏، وأخطر من ذلك أن يكون الفلسطيني مسئولا في السلطة الوطنية‏.‏

لا أحد يستطيع أن يتكهن بصدي الاستجابة لهذه الدعوة في أوساط اللاجئين الفلسطينيين‏، وما الذي سيفعله أولئك اللاجئون الذين يعيشون في المخيمات والمنافي منذ أكثر من نصف قرن‏، حين يكتشفون أنه تمت التضحية بهم وأن أملهم الذي انتظروه طويلا قد تبدد‏.‏ غير أننا نستطيع أن نقول - بغير مبالغة إن خطوة من هذا القبيل من شأنها أن تفتح الأبواب لشرور لا حصر لها لا يعرف إلا الله وحده طبيعتها ومداها‏.‏

إن السؤال الذي يحير المرء ويثير في نفسه الشكوك والهواجس هو‏:‏ حين أطلق الدكتور سري نسيبه قذائفه تلك‏، هل كان يتحدث باسمه أم بصفته؟ وإذا كان يتحدث باسمه فقط فلماذا تم السكوت على كلامه ولم يؤاخذ عليه‏، وإذا كان يتحدث بصفته مسئولا في السلطة‏، فلماذا لم يصحح الكلام‏، ولم تعلن السلطة موقفها من مسألة التنازل؟
وإذا ذهبنا إلى أسوأ الفروض وأتعسها‏، وكان لهذا الكلام أصل في الأجندة الرسمية الفلسطينية للتفاوض‏، فهل من الحكمة وحسن التدبير أن يشهر هذا التنازل على الملأ ويتم التبرع به قبل أن تلوح في الأفق احتمالات التفاوض‏، في حين أن ألف باء ذلك الفن تقضي بأن ترفع الأطراف المعنية سقف استحقاقاتها إلى أبعد مدي قبل الجلوس على الطاولة‏، أما إلغاء السقف بالكامل والتسليم بمطالب الآخر قبل بدء الكلام‏، فذلك نهج جديد لم نسمع به في عالم المفاوضات‏، حتى فيما بين المنتصر والمهزوم‏.‏
اللهم احم القضية الفلسطينية من بعض أبنائها‏، أما أعداؤها فنحن كفيلون بهم‏!

الأهرام 13/11/10

www.islamweb.net