تحولات التغطية الإعلامية الإسرائيلية في مواجهة الانتفاضة

13/04/2002| إسلام ويب

حاول الخطاب الإعلامي الإسرائيلي أن يخدع جمهوره ويخدعنا ، وذلك من خلال إيهامنا بأنه يأتي في سياق رد الفعل على الأحداث . والحقيقة أن هذا الخطاب هو أبعد ما يكون عن رد الفعل هنا وهناك ، وإنما عمل ممنهج يمتلك رؤية مباشرة وبعيدة ، ويحشد لها أسباب تحقيقها الفاعل ، وكل ذلك في إطار نهج متكامل.

وتلعب الأنتليجنسيا الإسرائيلية دور الكاسحة في هذه المعركة التي تخوضها إسرائيل في مواجهة الانتفاضة والدور الذي يلعبونه بالأبعاد المختلفة لكون أنهم يعلنون ويجاهرون بأطروحاتهم المعادية.

والمقصود بالأنتليجنسيا الإسرائيلية بعض المثقفين من اليسار الصهيوني . فكيف خاض هذا اليسار معركته ؟ وأي دور يلعب - وما يزال - في هذه المواجهة الشاملة ؟

يقول إسحاق لاؤور، وهو شاعر معروف، في مقالة خص بها مجلة الكرمل الفلسطينية عن دور مثقف اليسار الصهيوني : ولدت هذه الفئة من المثقفين من داخل إنكار الجريمة المنفذة بالفلسطينيين من عام 1948 والسنوات التالية لها مروراً بالحكم العسكري ومصادرة الأراضي .

ويورد لاؤور مقارنة لكشف هذه الحقيقة بالرجوع إلى أحداث النفق عام 1996حين رأى اليسار أن أسباب هذه الأحداث هي: البطالة والفقر وغلق فرص السلام والتدخل المتواصل في حياة الناس وأرزاقهم وممارسات الجيش وغيرها من مظاهر الانسداد وفقدان المخرج والأمل . أما الانتفاضة الحالية فيرى هؤلاء أن أسبابها تعود إلى أنه لم يعد هناك شريك فلسطيني يريد السلام وأن الفلسطينيين يريدون تدمير إسرائيل من خلال مطالبتهم بحق العودة والإصرار على تقسيم القدس والسيطرة عليها .

إذاً لا صلة بين انتفاضة الأقصى والفقر والبطالة ومصادرة الأراضي وإقامة المستوطنات الجديدة وخلق الوقائع الديموغرافية وتوسيع المستوطنات والإغلاق والحصار وتقييد مصادر رزقهم ، والصلة الوحيدة هي النهم الفلسطيني والطموحات غير المشروعة والإصرار على حقوق مستحيلة .

ويقول مناحيم برينكر في هآرتس 17/7/2000: جاء باراك إلى كامب ديفيد مع برنامج سياسي بعيد المدى لم يسبق لأي قائد إسرائيلي أن عرض خطة كهذه على الفلسطينيين، لا يوجد لدى اليسار أي سبب لتوجيه النقد لخطوطه الحمر . يتابع: أنا معني بسلام على أرض الواقع وليس على الورق، لذلك فإنني ملزم بأن أفهم أن هناك أسباباً موضوعية تفرض على باراك حدود تنازلاته .

ويقول البروفسور آنشاي مارغليت: أقوال باراك عن خطوط حمر لا تهمني حقاً. هذه بلاغة كلامية، وهي لن تكون ملزمة له فعلاً، تحت هذه الخطوط يمكنه إدخال كل ما يريد إدخاله . يمكن إبقاء 70-80 في المئة من المستوطنين في إسرائيل على 5، 6 في المئة من مساحة الضفة ويمكن إبقاؤهم حتى على 50 في المئة من مساحة الضفة (هآرتس 17/7/2000).

أما أبراهام ياهوشغ فيقول: إن رد فعل اليسار الإسرائيلي وخيبته مفهومة، جلسنا مع عرفات وكان عرض باراك سخياً، لكنه (عرفات) تجاوز كل الأصول بدافع من الاعتقاد بأنه بالعنف والضغط الدولي فقط يمكنه إحراز إنجازات كبيرة، هذه هي خيبة الأمل وهو يرتكب خطأ كبيراً لأن من وقف أمامه هو باراك لا شارون أو نتنياهو، وهنالك إجماع قومي عريض للانتهاء من الأمر . (ملحق هآرتس 20/10/2000).

وكتب عاموس عوز: يبدو أن ياسر عرفات لم يقطع شوطاً طويلاً ووحيداً كهذا نحو الإسرائيليين . لعله لم يكن قادراً أو أنه افتقد إلى الحماسة المخلصة لصنع السلام (الغارديان 25/7/2000).

هذه اللغة المهذبة التي استخدمها عاموز تشبه ما يقوله دان ميرون في يديعوت احرنوت (24/3/2000). في الصراع الحالي، إن إسرائيل محقة أكثر مما كانت في جميع صراعاتها من يوم خروجها إلى حرب الأيام الستة، وربما كذلك من حرب الاستقلال في 1948، إسرائيل لا تحارب عن التمسك بالمناطق المحتلة ولا حتى على وجود المستوطنات والأحلام ، في إسرائيل الكبرى انقطعت عنها غالبية الجمهور الإسرائيلي، كل ما طالبت إسرائيل به هو أن تُخلى المناطق بغالبيتها الساحقة وتسلم للسلطة الفلسطينية لكي تقيم عليها دولة مستقلة في إطار اتفاق ومصالحة شاملة يُعبَّر فيهما عن بعض متطلباتها الحيوية .

هذه النماذج عن مواقف اليسار الصهيوني في ما يتعلق بكامل رواية كامب ديفيد التي مثلت منطلق الحرب القائمة اليوم.

تغير الموقف قليلاً بعد سقوط مئات القتلى الفلسطينيين وآلاف الجرحى، فأصدر المثقفون المحسوبون على اليسار الصهيوني بياناً أكدوا فيه على دور المستوطنات في تأجيج الصراع تحت عنوان " أوقفوا التدهور " (هآرتس 17/11/2000).

والسؤال : لماذا اكتشف المثقفون فجأة أن الاستمرار في الاستيطان يخلد الصراع بين فلسطين وإسرائيل ؟
السبب واضح ؛ لأن الفلسطينيين لا يهمهم على الإطلاق الذي يهمكم - يتابع لاؤور - الذي يهمكم هو أنه إذا كان الليكود في السلطة فأنتم مع السلام وضد الليكود وعندما تكونون أنتم في السلطة وحتى إشعار آخر فأنتم ببساطة تكذبون.

وبالعودة إلي البروفيسور برينكار، يقول: لا يمكن لإسرائيل قبول المطلب الفلسطيني بخصوص مسؤوليتها التاريخية والقانونية والأخلاقية عن خروج اللاجئين، ما يطالب به الفلسطينيون أمر من اختصاص المؤرخين وليس السياسيين، ماذا يريدون ؟ أن يتحدد في مفاوضات سياسية عدد الفلسطينيين الذين طردتهم إسرائيل ، وكم كان عدد المغادرين بمحض إرادتهم لكي يعودوا بعد انتصار الجيوش العربية ؟ هذا من اختصاص بيني موريس (مؤرخ إسرائيلي) وليس من اختصاص إيهود باراك (هآرتس 17/7/2000).

هنا يؤكد لاؤور أن هذا النص يكثف كل عنصرية المثقف الصهيوني ، بل إن برينكر يعطي للمؤرخ اليهودي الحق في البت بموضوع اللاجئين وليس المؤرخ الفلسطيني، ويتابع: عندما اختتم هذه المقالة فإن الأحداث في المناطق المحتلة بما في ذلك القتلى والحصار الشديد والنقص في المال والموارد والأدوية وقطع الأشجار وهدم البيوت بأيدي المستوطنين والجيش وكل هذه الأشياء ليست مغطاة في وسائل الإعلام الإسرائيلية وتقريباً ليست مغطاة في وسائل الإعلام العالمية ، وهذه الجرائم تكبر كل يوم وسندفع جميعاً ثمن ذلك كله.

إذاً المشكلة في رأي الانتليجنسيا الإسرائيلية ليست في الاحتلال ولا في الاستيطان ، بل في طموحات غير مشروعة لأناس ليسوا راغبين في السلام ويعشقون العنف، إنهم ببساطة ليسوا شركاء حقيقيين في عملية السلام، عرفات لا يرغب وليس مخلصاً ولا متحمساً ولذلك لم يعد شريكاً ! ونحن نريد السلام ونبحث عنه ونمد يدنا، نحن في حاجة إلى شريك حقيقي، هذا هو خطاب الانتيليجنسيا الإسرائيلية قبل كامب ديفيد وبعده.

خلاصة الأمر أن دور المثقفين الإسرائيليين تميز بالبلادة ، ولم يكن الألم الفلسطيني في يوم من الأيام دافعاً لاتخاذ المواقف، وكانت الهواجس والمخاوف الإسرائيلية هي الأساس، إنها أنتليجنسيا " قومية " بكل معني الكلمة . وعن هذا يقول المؤرخ الإسرائيلي امنون راز: اشتغلوا بأنفسهم وبهويتهم أكثر مما اشتغلوا بحقوق الفلسطينيين (فصل المقال، أكتوبر 2000).

الصحافة الإسرائيلية والانتفاضة :
كتب أستاذ الصحافة في قسم الإعلام بجامعة تل أبيب دانيئيل دور كتاباً تحت عنوان " صحافة تحت التأثير " نشر ملخصاً له باللغة الإنكليزية في (هآرتس)، يقول: خلال الشهور المنصرمة علي اندلاع الانتفاضة عاد الوعي الجماعي الإسرائيلي ليتقوقع على نفسه، إنه وعي مبلبل وغاضب تسوده أجواء الإحباط والفقدان مثل كل مجتمع يشعر بأن حرباً لا مفر منها أصبحت مفروضة عليه . معظم الإسرائيليين اليوم لديهم قناعة بأن إسرائيل بذلت كل جهد ممكن من أجل السلام ، ولكنها جوبهت بالعنف الذي يثبت أن الفلسطينيين ليسوا معنيين بالسلام وهو عنف خطط له وأعد له من عرفات . وهذه القناعة أو الصورة ، لها جذورها ولها أسبابها وانعكست في الصحف الإسرائيلية الكبيرة الثلاث معاريف، هآرتس، يديعوت احرونوت ؛ إذ قدمت هذه الصحف صورة إخبارية أحادية الجانب مراقبة وانفعالية وحماسية أحياناً وفي كل الحالات غير متوازنة عن قصد ، اتفقت مع الأهداف الدعائية لرئيس الحكومة (باراك) ، لكنها كانت مناقضة ليس فقط للحقائق ولكنها كانت مناقضة حتي للتقارير التي أرسلها المراسلون الميدانيون. يتابع دور: تميزت الصحافة الإسرائيلية منذ اليوم الأول للانتفاضة ببعض الموضوعية وبقدرة خارقة على ملاءمة نفسها مع (الأهداف القومية)، إنها صحافة تعمل تحت تأثير من الخوف والغضب والكراهية والجهل، وقبل كل شيء هي تعمل تحت تأثير جهاز الدعاية المكثف الذي أداره مباشرة رئيس الحكومة في حينه ورؤساء أجهزة الأمن في إسرائيل في حربهم الإعلامية ضد الشعب الفلسطيني . ويؤكد دور في الفصل الأخير من الكتاب أن شارون تسلم من باراك أرضية ممهدة لإجماع لم يسبق له مثيل وكل ذلك بإسهام ومساعدة فاعلة من الصحف.
يستحيل علينا أن نمتلك المساحة والوقت لتتبع الحملة الإعلامية هذه ، ولكننا نستطيع تكثيف دور هذه الصحافة في المحاور الثلاثة الآتية:

الأول : المنشيتات :
في إسرائيل، شعور عام بالغدر والخيانة، اتق شر من أحسنت إليه، استمرار إطلاق النار علي كل المحاور، أحداث خطيرة داخل البيت ، تنكر للجميل ، البركان الإسلامي في الناصرة ، وعلى الصفحات الأولى ايتان يقول : لو كانت السلطة بيدي لما سمحت لأي عربي بالسير في شوارع إسرائيل وكنت ألغيت عنهم مخصصات التأمين الوطني ، بل وأقطع عنهم الماء والكهرباء قبل أن أطلق عليهم النار طبعاً، عنف فلسطيني في كل مكان، حرب استقلال، عرب يافا يهاجمون المدينة .
هذه مجرد نماذج لمانشيتات الصحف الثلاث.

الثاني: التقارير:
هناك تقرير عن استطلاع للرأي مفاده أن 40 في المئة من اليهود في تل أبيب يعتقدون أنه في حال نشوب حرب بين العرب وإسرائيل فإن عرب يافا سيهاجمون يهود المدينة. هذا هو جوهر التقرير . لكن دعونا نرى كيف ظهر هذا التقرير في ملحق يديعوت احرونوت 31/10/2000 عرب يافا يهاجمون تل أبيب . وليت أن الأمور وقفت عند هذا الحد بل نشرت على الصفحة نفسها صور لسيارات إسعاف وسيارات محترقة وألسنة اللهب تمتد في ساحة الحرب وأناس يتظاهرون بهياج كامل، ملاحظة الصورة ليس لها علاقة بمدينة يافا، (عن دانئيل دور في كتابه صحافة تحت التأثير).

الثالث: المصطلحات:
فجأة اختفت مفردات الضفة الغربية وأصبحت يهودا والسامرة، واختفت مفردات المسجد الأقصى في القدس الشرقية وأصبح جبل الهيكل، دبابة في مقابل حجر وطائرة اف 16 في مقابل بندقية آلية أصبح اسمها تبادل إطلاق النار الخ... ولاحظ كثير من المراقبين أن الصحف الإسرائيلية تستخدم صوراً عجيبة . وفي معظم الأحيان ترافق التقارير والأخبار والمنشيتات صور للجنود الإسرائيليين عليهم ملامح الوداعة يصوبون بنادقهم إلى الأرض أو إلى السماء في مواجهة أناس غاضبين ملثمين تظهر عليهم علامات (الإجرام) مع تعليقات مثل: اضطرت قوات الجيش للرد على إطلاق النار الفلسطيني في إطار استراتيجية ضبط النفس فقتلت ثمانية.

وتبين أن المراسلين زوّدوا بأكاذيب وأضاليل وأن معلوماتهم كان مصدرها الرئيس وأحياناً الوحيد هو الشرطة . وهذا ينطبق علي الإذاعة والتلفزيون، فقد أصبح المحلل الإسرائيلي (يعاري) المصدر الأهم بالنسبة إلى الشؤون العربية في التلفزيون وفي الإذاعة. على رغم الحقائق التي أثبت من خلالها تهافت كل أطروحاته الإعلامية وعلى لسان صحافيين إسرائيليين، وأصبح برنامج شأن آخر الصباحي المصدر الرئيس لمعرفة حجم الهجوم الذي شنه العرب، علماً بأنه منعت الأصوات العربية من مجرد التعبير عن رأيها.

فالقناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي مثلاً رفضت إدخال طواقمها للبحث عن الحقيقة في البلدات العربية المحتلة في 1948 كما فعلت القناة الثانية، وبقيت المعلومات تقتصر على تقارير الشرطة التي تسلم مباشرة للمراسلين. بعض صور الأحداث نشر بعد ثلاثة أيام وللمرة الأولى التي عرف فيها الشعب الإسرائيلي بحقيقة الموقف وبعدد القتلى كان عندما توجه بعض اليهود لبيوت العزاء في الناصرة ورفضت الصحف الثلاث نشر صور الضحايا وأجرت تحقيقاً بعد شهر ونصف من المذبحة وبعد مفاوضات مضنية بين مؤسسات إعلامية فلسطينية محلية مثل مؤسسة إعلام ومؤسسة مساواة ومؤسسة عدالة من جهة، وبين القناتين الأولى والثانية، من جهة أخرى.

إلي ذلك جرى إغلاق راديو 2000 وهو صوت عربي حر لعب دوراً بارزاً في تغطية الأحداث وتبيان الحقائق عن دور الشرطة ودور الإعلام الإسرائيلي في تزييفها.

ويكفي أن نستعرض الحملة التي قادتها وسائل الإعلام الإسرائيلية ضد أعضاء الكنيست العرب وعلى رأسهم القائد الفلسطيني عزمي بشارة وحملة التحريض العنصرية التي يتعرض لها وإخوانه، وأصبح معروفاً الآن منع وسائل الإعلام الإسرائيلية من إجراء مقابلات مع بشارة وأصبح معروفاً توجيه البوليس السياسي للصحافة بالتحريض ضد التجمع الوطني الديموقراطي وضد الحركة الوطنية والإسلامية في إسرائيل. وترافق الأمر مع تسريب وثيقة هيرتسيليا التي تعاطفت في أحد محاورها مع فكرة الترانسفير ودعت إلى تغيير اللعبة الانتخابية في إسرائيل من خلال إعادة توزيع السكان العرب ومنع التواصل الجغرافي بينهم وإعطاء الرعايا الإسرائيليين في الخارج حق الانتخاب، بل وإعطاء العرب في منطقة المثلث إقامات دائمة بدلاً من الجنسية.

إن دور وسائل الإعلام هنا يتكامل ويتساوق بالملموس مع الأهداف التي حددتها الوثيقة علماً بأن الأصوات الديموقراطية في إسرائيل بدأت تتلمس هذا الخطر.

www.islamweb.net