شاعر الأقصى يوسف العظم.. حينما يترجل الفارس

21/10/2007| إسلام ويب

بعد صراع طويل مع المرض عاشه الشاعر الكبير يوسف العظم، المعروف بشاعر الأقصى، وفي أثناء أدائه للصلاة قبضت روحه إلى بارئها عن عمر يناهز السادسة والسبعين قضاها في العمل الدعوي والتروبي السياسي والثقافي.. وذلك يوم الأحد 29/7/2007 في الأردن.

من هو يوسف العظم؟
الشاعر يوسف العظم ليس - كما يعتقد الكثيرون- فلسطيني الهوية ولكنه فلسطيني الهوى، مقدسي الانتماء.. هو، وإن لم يكن فلسطينياً، فشعره فلسطيني، وفلسطين صارت هوية شعرية ينتمي إليها من يكتب لها..

وكما بات معروفاً أن الشعر العربي الفصيح ينسب إلي الدول بناء علي جنسية الشاعر، وليس الأمر متعلقاً بالمضمون.. غير أن الشعر المنسوب إلي فلسطين يُنسب بالدرجة الأولي إليها بسبب المضمون.. فعندما يقام مهرجان الشعر الفلسطيني مثلاً، يشارك فيه شعراء من مختلف الجنسيات، علي خلاف باقي الجنسيات "الأدبية.. وهذه إحدى خصوصيات الأدب الفلسطيني.. لذلك فإن شعر العظم فلسطيني بامتياز.

المولد والنشأة
ولد الشاعر يوسف العظم في مدينة معان الأردنية التاريخية الواقعة في أقصي جنوب الأردن، وذلك سنة 1931 لأبوين فقيرين متدينين، بدأ ينهل العلوم طفلاً في كتّاب البلدة لمدة عامين حتى دخل المدرسة الابتدائية وتابع الإعدادية في معان أيضاً.. بعد ذلك انتقل إلي العاصمة عمان، حيث تلقي تعليمه الثانوي فيها، ثم انطلق إلي بغداد ليدرس الشريعة فيها لمدة عامين، ثم توجّه إلي مصر حيث درس في الأزهر اللغة العربية وآدابها، ونال شهادتها سنة 1953م، ثم التحق بمعهد التربية للمعلمين بجامعة عين شمس وتخرج سنة 1954م.

في سنوات شبابه التي عاشها في مصر التقي العظم برجال الحركة الإسلامية هناك، وعاش مع شبابها في الجامعات، وتأثر بفكر الإخوان المسلمين فيها، خاصة أن جماعة الإخوان كانت تضم عدداً كبيراً من الأدباء والشعراء والباحثين الذين يتابعون الشؤون الاجتماعية والثقافية والأدبية، مما أطلعَهُ علي هذه الجهود ونتائجها المتوافرة من دواوين وأمسيات الشعر التي كان يقيمها شباب الحركة الإسلامية في ذلك الوقت.

إنتاجه الفكري
بدأ الشاعر نتاجه الفكري الأول وهو لم يزل طالباً، فكتب عن الإيمان وأثره في نهضة الشعوب، ولم يكد هذا الكتاب ينزل إلي الأسواق حتى صدر الأمر بمصادرته..

عاد يوسف العظم إلي عمان وعمل مدرساً للغة العربية في الكلية الإسلامية بعمان، ثم بدأ نجمه في الظهور، فبرز كداعية إسلامي ومُحاضر وخطيب ومحاور وكاتب في مختلف مجالات الدعوة الإسلامية. فكان متعدد النشاط غزير الإنتاج.

جذبه العمل السياسي، فترشح للانتخابات عن الإسلاميين سنة 1963، فاختاره الناخبون في مدينته معان نائباً في مجلس الأمة، وحين حلّ المجلس، أعيد انتخابه سنة 1967م، وكان في المجلس مقرراً للجنة التربية والتعليم وعضواً في لجنة الشؤون الخارجية. وزار عدداً من الأقطار العربية بدعوة من مؤسساتها وهيئاتها الثقافية والفكرية، وألقي عدداً من المحاضرات، في معظم أقطار الوطن العربي وديار الإسلام، كما زار من الأقطار الأوروبية والولايات المتحدة، بدعوة من الاتحادات الطلابية والثقافية هناك، حيث كان يشارك في مؤتمرات الشباب المسلم فيها.

وفي جانب الإنتاج الفكري أصدر عدة كتب منها الإيمان وأثره في نهضة الشعوب، وكتاب المنهزمون، وكتاب رحلة الضياع للإعلام العربي المعاصر ، وكتاب أين محاضن الجيل المسلم؟

ومن جميل ما فعله الأستاذ العظم، أنه كرّس جهوداً مشهودة في تربية النشء والجيل الجديد علي الإسلام، فأصدر سلسلة مع الجيل المسلم وهي عبارة عن ستة عشر كتاباً تتضمن منهاجاً تربوياً خاصاً بالأطفال.. وأصدر من الشعر للأطفال كتاب أناشيد وأغاريد للجيل المسلم حول أركان الإسلام والفرائض والمناسبات والمعارك والأيام الإسلامية المعروفة. وأصدر كتاب مشاهد وآيات للجيل المسلم في قالب تربوي شائق. وكتاب أدعية وآداب للجيل المسلم و ديار الإسلام للجيل المسلم .

بين الصحافة والتربية والشعر
في مجال الصحافة، ترأس الشاعر تحرير صحيفة الكفاح الإسلامي في الأردن، التي رسخت مكانتها بين قطبي الصحافة الإسلامية أيضاً (مصر وسوريا)..

أما نتاجه الأدبي، فكان في النقد والأدب "كتاب الشعر والشعراء في الإسلام" الذي قيل عنه يومها أنه دراسة جديدة في النقد الأدبي والأحكام الشرعية..

وفي الشعر صدر له رباعيات من فلسطين و أناشيد وأغاريد الجيل المسلم، و السلام الهزيل، وعرائس الضياء، ولبيك.
وقد خص المسجد الأقصي بأحد دواوينه بعنوان "في رحاب الأقصى" ويستذكر في مقدمته الصلاة في الأقصى والذكريات مع الأحبة والإخوان والتاريخ العريق!  وفي مطلعه قصيدة طويلة تمتد علي ثلاث عشرة صفحة يقول مطلعها:
يا قدس يا محراب يا منبر.. ... .. يا نور يا إيمان ياعنبر

وكما يبدو، فإن أحداث ديوانه ومناسبات نصوصه تدور في رحاب الأقصى، ومنها قصيدة عن شيخ رآه  "في ساحة المسجد المحزون حدثني.. "شيخ علي وجهه الأيام ترتسم"، ويتابع فيها:
لمن أبث شكاتي والشفاه غدت.. ... .. خرساء ليس لها في الحادثات فمُ؟
من ذا الذي هدّ مني ساعداً ويداً.. ... .. هل ضاع دربيَ أم زلت بي القدمُ
لقد جرعنا كؤوس الذل مترعة.. ... .. والقدس في العار، والمحراب والحرم
والصخرة اليوم باتت غير شامخة.. ... .. لأن نجمة صهيون لها علم

أما القصة، فله عدة مجموعات قصصية، منها: يا أيها الإنسان، قلوب كبيرة.. وفي التراجم أصدر كتاب سيد قطب - حياته ومدرسته وآثاره .

انحصرت اهتمامات العظم الشعرية في موضوعين: فلسطين ومقدساتها ومأساة أهلها. والأوضاع الاجتماعية المتردية التي تعيشها أمتنا. ويبدو واضحاً في شعره اعتزازه بإسلامه وتعويله علي أبناء هذا الدين منذ فجر الدعوة حتى يومنا، ودورهم الحقيق بتحرير الأقصى.
وفؤاد الأقصي الجريح ينادي.. ... .. أين عهد اليرموك والقادسية
وعليّ يزجي الصفوف ويعلي.. ... .. في ذري المجد راية هاشمية
أين عهد الفاروق غير ذليل.. ... .. عفّ قولاً وطاب فعلاً ونيّة
ونداء للتائهين حيارى.. ... ..  أين خنساؤنا وأين سمية
ورماح في كف خولة تزهو.. ... ..  وسيوف في راحة المازنية

وعن الحالة المتردية التي يعيشها اللاجئون يقول:
في خيمة عصفت ريح الزمان بها.. ... .. لمحتُ بعض بني قومي وقد سلموا
فأسلموا لنيوب الليث ضارية.. ... ..  البرد والجوع والإذلال والألمُ

وقد اشتهرت قصيدته التي اعتبر فيها إغاثات الأنروا سبّة لأبناء فلسطين وجريمة تغطي علي جريمة أكبر، ارتكبها المجتمع الدولي ضد الشعب المنكوب. ويري في هذه الإغاثة إذلالاً مقصوداً للشعب الفلسطيني، ليشعر أنه خائر القوي غير قادر علي المقاومة ورفع الرأس، ويصف مشهداً نمطياً للشيوخ والنساء والأطفال في مراكز وكالة الغوث لتوزيع الإعاشة ، ويقول في مجموعة رباعيات من فلسطين :
وسألت القوم عن ضجتهم.. ... .. قيل يبغون دقيقاً وطعاماً
منكب منهم يحاذي منكباً.. ... ..  وعظام دفعت منها عظاماً
كم كميّ عربي ثائر كبلوا.. ... ..  في كفه الدامي الحساما
وجواد عربي قد غدا.. ... ..  يمضغ السرج ويقتات اللجاما

وينتقل من ذل الوكالة إلي أسباب الهزيمة المتعلقة بالابتعاد عن الدين، فيقول:
جعت في يوم فأرسلت يدي.. ... .. لرغيف البؤس من خبز الوكالة
ومضغت العار سماً ناقعاً.. ... ..  وشربت الكأس ذلاً للثمالة
سلبت أرضي وعاشت طغمة.. ... .. في ربوعي تدعي روح العدالة
إنما مزقَنا أعداؤنا .. ... .. حين بدلنا الهدي درب الضلالة

ثم يؤكد أن شعبنا لا يرضى بالعودة بديلا، فحق العودة ثابت لا يتغير أو يتبدل بمرور الزمن أو بجرائم الاحتلال، ولا ينسى الفلسطينيين حقهم في أرضهم وديارهم:
نحن شعب قد سلبنا الوطنا.. ... .. نحن في عري وآلام وجوع
وطعام الغوث لا يشبعنا.. ... ..نحن لا يشبعنا غير الرجوع

ويؤكد شاعرنا أن السبيل هو في الجهاد والقتال والدم، التي هي كما قال أبو تمام "أصدق أنباء من الكتب" فيقول في قصيدته "بسمة شهيد":
اكتب حياتك بالدم.. ... .. اصمت ولا تتكلم!
فالصمت أبلغ في جراح الحادثات من الدم
والصمت أقوى من رنين القيد حول المعصم
والصمت أكرم عند ربك من سفاهة مجرم
إن تاه بالظلم الغشوم فته بعزة مسلم
ولئن خطوت إلى العلى فعلى جباه الأنجم

وعن التزامه الحركي الإسلامي وإيمانه بأن صلاح آخر هذه الأمة لا يكون إلا بما صلح به أولها، وبانتهاج نهج النبوة والدعاة الثائرين والعلماء المجاهدين والشهداء الذين خطوا طريق الحق للأجيال اللاحقة، فكانت قصيدته المقطّعة المشهورة "إنشاداً في سبيل الله والمستضعفين"، وهي قصيدة حيّرتني أي مقاطعها أختار هنا، حيث يتناول المقطع الأول تراث الإسلام وعزة جيل الدعوة الأول، وفي المقطع الثاني يستنير بدماء الشهداء ومداد العلماء وجهاد المؤمنين، ويفرد المقطع الثالث للمؤمنات اللواتي أكرمهن الله بالانتماء إلي الدعوة، وينضح المقطع الرابع بصفاء الروح والأمل المنشود، ونقتطف منها:
اكتب حياتك باليقين.. ... .. واسلك دروب الصالحين
فالصمت من حرّ يفوق.. ... .. زئير آساد العرين

أناشيد الشاعر
ولأن كلمات الشاعر تميزت بأنها قوية المعاني وفيها مفاصلة فكرية وجهادية ومليئة بالثورة..  مع الالتزام بفكر إسلامي حركي عاش فترة عصبية وصراع مرير لذلك فقد تحول كثير من تلك القصائد إلى أناشيد انتشرت بين صفوف الشباب ومنها قصيدة فلسطيني التي نقتطف منها هذه الكلمات:
فلسطيني فلسطيني فلسطيني فلسطيني
ولكن في طريق الله والإيمان والدين
أهيم براية اليرموك أهوي أختَ حطّين
تفجّر طاقتي لهباً غضوباً من براكيني
لأنزع حقي المغصوب من أشداق تنين
وأرفع راية الأقصي وربُّ البيت يحميني

وقد نشرت له مجلة الأمة القطرية قصيدة من روائعه وفيها يقول:
ذبحوني من وريد لوريد وسقوني المرّ في كل صعيد
مزّقوا زوجي فلم أعبأ بهم فمضوا نحو صغيري ووليدي
غرسوا الحربة في أحشائه فغدا التكبير أصداء نشيدي
دمّروا بيتي وهل بيتي هنا إن بيتي خلف هاتيك الحدود
وتلفّتّ فلم أعثر علي غير أبناء الأفاعي والقرود
أين بأس العرّب مذخور لمن أين أبناء الحمي درع الصمود؟
ودمي سال علي تلك الربي ينثر العطر علي حمر الورود
ولغ الغاصب في أشلائنا غير أنّا لم نزل سمر الزنود

و للفقيد العديد من الدواوين الشعرية، من أبرزها:
في رحاب الأقصي نشر عام 1970م.
عرائس الضياء نشر عام 1984.
قناديل في عتمة الضحي عام 1987م.
الفتية الأبابيل عام 1988م.
علي خطي حسّان عام 1990م.
لو أسلمت المعلقات 2001م.
قبل الرحيل 2002م.
أناشيد وأغاريد للجيل المسلم.

وفاته
وقبل وفاته بشهور اشتد عليه المرض، ونقل إلي المستشفي التخصصي بعمان ثم خرج من المستشفي، وقد منعه الطبيب من الوضوء إلا أن ذلك لم يمنعه التيمم والصلاة فقد كان حريصاً عليها في أقسى لحظات مرضه وفي يوم وفاته (29 يوليو 2007) أذن له الطبيب بالوضوء، فما كان منه إلا أن توضأ وأحرم للصلاة فقبضه الله وهو يصلي بين يديه سبحانه وتعالي فنسأل الله أن يجعلها من حسن الخاتمة وأن يتغمده برحمته ويسكنه فسيح جنته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
مجلة فلسطين المسلمة العدد التاسع
جريدة الراية القطرية 6/8/2007

www.islamweb.net