الجيش الصهيوني.. بين إعادة التسليح والمهام العسكرية القادمة

21/10/2007| إسلام ويب

لم يكن مفاجئاً كثيراً القرار الذي اتخذه رئيس هيئة أركان الجيش الصهيوني غابي أشكنازي أوائل أيلول/سبتمبر الماضي حول خطة تسلح الجيش للسنين 2008– 2012، وأطلق عليها اسم الخطة الخمسية ((تيفن))، وتنحصر أساساً في تعزيز ذراع البر، كدرس من حرب لبنان الثانية. وتعني الخطة منح أولوية للقوات البرية مع تعزيز معقول للقوات الجوية والبحرية، ويتعلق تطبيقها بتصديق الحكومة، حيث وصلت كلفتها إلى 50.5 مليار شاقل، علماً بأن الخطة الاقتصادية العسكرية للجيش تستند إلى زيادة المساعدات المالية العسكرية الأمريكية، بعد اتفاق وقعته تل أبيب وواشنطن مؤخراً يقضي بزيادة المساعدات بمبلغ ستة مليارات دولار خلال السنوات العشر المقبلة.

طبيعة الخطة التسليحية
تشمل الخطة ((تيفن)) التي أطلق عليها ((ثورة في الجيش الإسرائيلي)) الخطوات التالية:
1- 
تسليح الجيش بمئات المدرعات من طراز ((ستريكر)) الأمريكية ودبابات ((ميركافاه))، بحيث يُستمر في إنتاج الجيل الرابع منها، وتصفيح ((الميركافاه)) القديمة في وجه الصواريخ المضادة للدروع.
2-
زيادة قدرة المناورة بالنار الدقيقة للفِرق البرية، والعودة لمستوى المخزون الذي يسمح بالقتال لفترات زمنية أكثر مما كان في الماضي.
3-
شراء وحدة طيران واحدة من طائرات قتالية حديثة من نوع ((إف 35 – الشبح))، سيتم استيعابها في 2012 أو 2013 في أقرب تقدير، على الرغم من أن منح أولوية لسلاح البرّ سيكون على حساب إرجاء تحويل ميزانيات لسلاح الجو.
4-
تزويد سلاح البحرية بسفينة حربية جديدة متعددة الغايات، وتطوير منظومة الغواصات، وتحسين قدرة سلاح البحرية في استخدام النار، إضافة إلى بوارج حربية جديدة وتطوير منظومات دفاعية في البوارج، تحميها من استهدافها بصواريخ طويلة المدى وصواريخ برّ- بحر، بعد أن تعرضت بارجة من طراز ((ساعر 5)) لصاروخ كهذا عندما رست قبالة شواطئ بيروت في أولى أيام حرب لبنان العام الماضي.
5-
تطوير جهاز دفاع الصواريخ القصيرة المدى من إنتاج رفائيل ((القبة الحديدية))، وتطوير الجيل القادم من الصاروخ المضاد للصواريخ ((حيتس 3))، بحيث يتم الإبقاء على سلاح الجو ((ذراعاً طويلة)) للجيش، وتقضي الخطة بتطوير الدفاعات ضد صواريخ القسام وصولاً للصواريخ بعيدة المدى.
6-
تقوية الوحدات الاستخبارية وتحسين معاملة القوى البشرية، وإقامة فرقة احتياط ولواء احتياط، بالرغم من الخلاف بين أشكنازي وباراك حول هذه النقطة، حيث يعتقد الأخير بوجوب زيادة حجم قوات المدرعات أولاً وقبل كل شيء.
7-
المساعي الجارية لأن تتمكن الولايات المتحدة من تزويد تل أبيب بصواريخ ((تاد)) عام 2009، بعد استكمال تطوير الصاروخ وإجراء تجارب أخرى تسمح بنشره عملياً، وتضمينه تكنولوجيا أكثر تطوراً من الطراز الحالي الذي تستخدمه القوات الأمريكية، بحيث سيكون بوسع (إسرائيل) شراء الصاروخ بأموال المساعدات الأمريكية، فيما يجب على المؤسسة السياسية في تل أبيب أن تراعي في قرارها الجوانب المالية والتكلفة الباهظة للاستمرار في تطوير منظومة ((حيتس))، إضافة لسعيها الدؤوب للاستقلال التكنولوجي العسكري عن أمريكا.

أهداف الخطة
تشدد الخطة، كما تبين أعلاه، على تعزيز روحية الجيش والمحافظة على صورته كـ((جيش الشعب))، كما طالب بذلك أشكنازي وهو يقدم المسوغات للمصادقة على هذه الخطة، وبالتالي يعتبر إقرار خطة ((تيفن)) تحوّلاً عن المنحى العام للجيش الإسرائيلي في العقدين الأخيرين، حيث كان يقلص القوات البرية ويزيد من التركيز على القوات الجوية والبحرية، وذلك بالنظر إلى قائد الجيش أشكنازي ووزير الحرب باراك القادمين من سلاح البر.
فضلاً عن أنه لم تكن لهذه الخطة التسليحية المتقدمة أن تتم ويعلن عنها، في ظل قيادة الجيش من قبل وزير الحرب الحالي إيهود باراك وقائد الجيش الأعلى أشكنازي، لولا وجود تهديدات تشعر بها الدولة العبرية عن كثب، تتمثل بالأخطار التالية:
1-
العمل على الاستفادة من الأخطاء التي وقعت بها الدولة والجيش خلال الحرب الأخيرة مع حزب الله، واحتمال اشتعال مواجهة جديدة مع الحزب الذي يبني نفسه سريعاً منذ الحرب، ورغبة (إسرائيل) باستعادة قوة ردعها التي أصيبت في مقتل، حيث أصيبت دبابات ((ميركافاه)) إصابات بالغة جداً، وأدت لمقتل أطقمها بعد تعرضها لقذائف مضادة للمدرعات أطلقها مقاتلو حزب الله. وسيتم إجراء تحسينات لمئات الدبابات الموجودة حالياً لدى الجيش.
2-
التقديرات الاستخباراتية المتزايدة يوماً بعد يوم حول استعدادات مكثفة لمواجهات ممكنة في المستقبل أمام المشروع النووي الإيراني، حيث تفترض الأوساط الأمنية أن إيران ستكون حتى 2012 ذات قدرة ذرية.
3-
كما أُخذ في الحسبان ازدياد قوة سوريا التي تُسلّح نفسها بنظم سلاح حديثة من إنتاج الصين خاصة.
4-
إمكانية نشوب مواجهة عسكرية ضارية مع حركة حماس في غزة؛ لاسيما في ضوء التقارير الصادرة عن أجهزة الأمن الإسرائيلية حول تعاظم قواتها العسكرية.
ولذلك، ففي الوقت الذي أعلنت فيه مصادر مقربة من الجيش أنه قبل ثلاث أو أربع سنوات كانت الأفضلية الأولى تكمن في مواجهة حماس وباقي الفلسطينيين، لكن الواقع الحالي يصعب على الجيش، فأين سيحصر اهتمامه في المرة القادمة: هل في الجهاد العالمي؟ أم في الحدود الشمالية؟ أم مع الإيرانيين؟ أم في الوسائل القتالية الحديثة التي دخلت سوريا؟ ولذا جاءت تأكيدات نائب رئيس الأركان، موشيه كابلنسكي، من أن هدف الخطة هو الاستعداد للقتال في الميادين المختلفة، سواء أكان ذلك مع المقاومة حولنا، أو مع تهديدات جيوش تقليدية أو تهديدات استراتيجية أيضاً، وبخلاف سنين سابقة، لا تضيق هذه الخطة بل تبني الجيش وتقويه.
ومع أن الجيش الإسرائيلي لم يوضح بعد كيف سيتمكن من شراء الطائرات المقاتلة التي لا يرصدها الرادار، كونها باهظة الثمن، لكن وسائل الإعلام رجحت أن تتم صفقة كهذه من خلال تسديد أثمان الطائرات خلال فترة طويلة، حيث يبلغ ثمن الطائرة المقاتلة الواحدة من طراز ((إف – 35)) حوالي 100 مليون دولار، ويفترض أن يتم التوقيع على صفقة شرائها عام 2009 على أن يتسلمها سلاح الجو الإسرائيلي عام 2014، بالرغم من معارضة وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في الماضي بيعها لـ(إسرائيل). فيما تحدثت تقارير صحفية عن أن حصول تل أبيب على هذه الطائرات سيكون مقابل عدم معارضتها وعدم تفعيل اللوبي اليهودي وأصدقائها في الكونغرس ضد صفقات بيع الولايات المتحدة أسلحة للسعودية والإمارات العربية.

المنطقة أقل استقراراً
الكثير من التعليقات التي أثيرت حول هذه الخطة العسكرية الجديدة كشف أن فرصة التوصل إلى حل سلمي والتي كانت متوافرة خلال التسعينات قد انتهت، وبات الجيش يستعد للأسوأ، وبالتالي أتت مبادئ الخطة للسنوات المقبلة التي كشفتها قيادة الجيش لتقضي على أي مكان للتفاؤل. فالمسؤولون الكبار في قيادة الأركان يقولون إن نافذة الفرص التي برزت في التسعينات وبداية القرن الحالي قد أُغلقت، ومن الآن علينا أن نتحضر بسرعة لوضع بات فيه الشرق الأوسط مكاناً أكثر خطورة وأقل استقراراً، بحيث ستتعرض الدولة لمجموعة من الأخطار من أحجام لم تعرفها من قبل.
وتناولت الصحف الإسرائيلية أبرز الأخطار التي قد تتهدد (إسرائيل)، بدءاً بالخطر الذي قد يأتي من عشرات الأمتار عبر الهجمات المسلحة لحماس وشريكاتها في برنامج المقاومة، أو من على بعد آلاف الكيلومترات عبر السلاح الإيراني والصواريخ الباكستانية، إلى جانب الصواريخ التي تملكها سوريا وحزب الله التي تهدد الجبهة المدنية.
كما ترتبط هذه الخطة ارتباطاً وثيقاً بما صرّح به باراك مؤخراً حول مطالبته ببناء مشاريع قوة، تمكن الدولة من توفير قدرة ردع وإنذار وحسم من أجل تحقيق نصر كبير وواضح في أي حرب مستقبلية محتملة، بحيث ينبغي العمل على زيادة حجم ونظام القوات وتشكيل ألوية جديدة من المدرعات، وتزايد تدريجي مناسب لعدد الدبابات، كاشفاً النقاب عن أن الدولة اليوم في وضع أقل من نصف الذروة في نظام القوات، الذي توفّر لديها في الماضي. ومن أجل مواجهة أكثر من جبهة، فإنها بحاجة إلى نَفَس لوجستي طويل، يشتمل على احتياطي من الذخائر والوسائل القتالية، وأن القوة العسكرية ليست مجرد أدوات وتكنولوجيا، وإنما الثقة بالنفس تأتي أولاً، والتحلي بالروح القتالية العالية.
علماً بأن المصادر العسكرية الإسرائيلية كشفت بعضاً من تفاصيل الخطة السابقة بين عامي ٢٠٠٣ و٢٠٠٦، وبرز فيها تقليص موازنة أسلحة البر بحوالي ٣٠%، وهي نسبة تزيد بكثير على نسبة التقليص في سلاح الجو، كما ألغيت الكثير من الوحدات البرية الخاصة. وكان من المفترض أن يُتخذ قرار بإلغاء وحدات إضافية، لكن ذلك توقف بسبب الحرب على لبنان. كما تمّت دراسة إمكانية إلغاء قيادة المنطقة الوسطى وتقسيم مسؤولية المنطقة التابعة لها بين القيادتين الشمالية والجنوبية، والآن أُسقط هذا الأمر من جدول الأعمال، وبالتالي جاءت العناية الفائقة بسلاح البر تحديداً لعدم تكرار ما حصل خلال الحرب الأخيرة، بحيث ينبغي ألا يتكرر أبداً وضع يرى فيه قائد التشكيلة تشكيلته لأول مرة فقط أيام الحرب!
بمعنى أكثر وضوحاً وجلاء: تأتي هذه الخطة التسليحية الجديدة لتشير إلى أن الواقع الاستراتيجي لدولة الاحتلال يتطلب قدرة على العمل بعيداً عن حدودها المحتلة، بحيث ينبغي حسم النصر على ((أرض العدو))، واعتراف بفشل الخطط السابقة بما في ذلك تلك التي كان أشكنازي شريكاً مركزياً فيها كنائب لرئيس هيئة الأركان السابق موشيه يعلون.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فلسطين المسلمة

www.islamweb.net