الشيخ الشهيد .. قعيدٌ أيقظ الأمة وظاهرة معجزة أذهلت السجانين وأرعبت المحتلين

24/03/2008| إسلام ويب

 

إن استشهاد الشيخ أحمد ياسين، رغم عظم المصيبة التي نزلت على المسلمين عامة وعلى الفلسطينيين خاصة لم تتزعزع بها مدرسة "حماس" ولا طلابها المخلصون المجاهدون. لقد أرعب ذلك الشيخ القعيد الأعداء وأتباعهم وأشياعهم في كل بقعة من العالم، أرعبهم في حياته وبعد مماته.

هذا الشيخ الكبير الذي يدفع عربته من البيت إلى المسجد، هذا المقعد، الذي أسس جبهة للجهاد والمقاومة تعد من أروع مدارس البطولة على مر التاريخ والأزمان، إن الفكرة التي حملها أحمد ياسين، تزداد انتشاراً وحركته تزداد قوة وصلابة، فقد كان، رحمه الله، شمعة حرقت نفسها لتضيء للآخرين طريق العزة والكرامة والإباء، فالشيخ الشهيد أحمد ياسين قائد متفان مقدام، وشهيد قعيدٌ أيقظ الأمة، فمتى يفيق صحيح البدن قعيد الهمة؟!.

ميلاد الشيخ الشهيد

ولد الشيخ الشهيد أحمد إسماعيل ياسين في قرية تاريخية عريقة تسمى "جورة عسقلان" في يونيو/ حزيران 1936 وهو العام الذي شهد أول ثورة مسلحة ضد النفوذ الصهيوني المتزايد داخل الأراضي الفلسطينية، ومات والده وعمره لم يتجاوز خمس سنوات، حيث عايش أحمد ياسين الهزيمة العربية الكبرى المسماة بالنكبة عام 1948م وكان يبلغ من العمر آنذاك 12 عاما وخرج منها بدرس أثر في حياته الفكرية والسياسية فيما بعد مؤداه أن الاعتماد على سواعد الفلسطينيين أنفسهم عن طريق تسليح الشعب أجدى من الاعتماد على الغير سواء كان هذا الغير الدول العربية المجاورة أو المجتمع الدولي.

ويتحدث الشيخ ياسين - قبل استشهاده - عن تلك الحقبة فيقول: "لقد نزعت الجيوش العربية التي جاءت تحارب الكيان الصهيوني؛ السلاح من أيدينا بحجة أنه لا ينبغي وجود قوة أخرى غير قوة الجيوش، فارتبط مصيرنا بها، ولما هزمت هزمنا وراحت العصابات الصهيونية ترتكب المجازر والمذابح لترويع الآمنين، ولو كانت أسلحتنا بأيدينا لتغيرت مجريات الأحداث".

حياة قاسية وهمة عالية

التحق أحمد ياسين بمدرسة الجورة الابتدائية وواصل الدراسة بها حتى الصف الخامس، لكن النكبة التي ألمت بفلسطين وشردت أهلها عام 1948م، لم تستثن هذا الطفل الصغير فقد أجبرته على الهجرة بصحبة أهله إلى غزة، وهناك تغيرت الأحوال وعانت الأسرة - شأنها شأن معظم المهاجرين آنذاك - مرارة الفقر والجوع والحرمان، فكان يذهب إلى معسكرات الجيش المصري مع بعض أقرانه لأخذ ما يزيد عن حاجة الجنود ليطعموا به أهليهم وذويهم، وترك الدراسة لمدة عام (1949-1950) ليعين أسرته المكونة من سبعة أفراد عن طريق العمل في أحد مطاعم الفول في غزة، ثم عاود الدراسة مرة أخرى.

في السادسة عشرة من عمره تعرض أحمد ياسين لحادثة خطيرة أثرت في حياته كلها منذ ذلك الوقت وحتى وفاته، فقد أصيب بكسر في فقرات العنق أثناء لعبه مع بعض أقرانه عام 1952م، وبعد 45 يوما من وضع رقبته داخل جبيرة من الجبس اتضح بعدها أنه سيعيش بقية عمره رهين الشلل الذي أصيب به في تلك الفترة.

وقد عانى الشيخ الشهيد إضافة إلى الشلل التام من أمراض عديدة منها فقدان البصر في العين اليمنى بعدما أصيبت بضربة أثناء جولة من التحقيق على يد المخابرات الصهيونية فترة سجنه، وضعف شديد في قدرة إبصار العين اليسرى، والتهاب مزمن بالأذن وحساسية في الرئتين وبعض الأمراض والالتهابات المعوية الأخرى.

الشيخ .. مدرسا وسياسيا محنكا

أنهى الشيخ الشهيد أحمد ياسين دراسته الثانوية في العام الدراسي 57/1958 ونجح في الحصول على فرصة عمل رغم الاعتراض عليه في البداية بسبب حالته الصحية، وكان معظم دخله من مهنة التدريس يذهب لمساعدة أسرته.

وشارك أحمد ياسين وهو في العشرين من العمر في المظاهرات التي اندلعت في غزة احتجاجا على العدوان الثلاثي الذي استهدف مصر عام 1956 وأظهر قدرات خطابية وتنظيمية ملموسة، حيث نشط مع رفاقه في الدعوة إلى رفض الإشراف الدولي على غزة مؤكدا ضرورة عودة الإدارة المصرية إلى هذا الإقليم.

ياسين في سجون الاحتلال

كانت مواهب أحمد ياسين الخطابية قد بدأت تظهر بقوة، ومعها بدأ نجمه يلمع وسط دعاة غزة، الأمر الذي لفت إليه أنظار المخابرات المصرية العاملة هناك، فقررت عام 1965 اعتقاله ضمن حملة الاعتقالات التي شهدتها الساحة السياسية المصرية والتي استهدفت كل من سبق اعتقاله من جماعة الإخوان المسلمين عام 1954، وظل حبيس الزنزانة الانفرادية قرابة شهر ثم أفرج عنه بعد أن أثبتت التحقيقات عدم وجود علاقة تنظيمية بينه وبين الإخوان. وقد تركت فترة الاعتقال في نفسه آثارا مهمة لخصها بقوله: "إنها عمقت في نفسه كراهية الظلم، وأكدت (فترة الاعتقال) أن شرعية أي سلطة تقوم على العدل وإيمانها بحق الإنسان في الحياة بحرية".

الشيخ يلهب مشاعر المصلين

بعد هزيمة 1967 التي احتل فيها الكيان الصهيوني كل الأراضي الفلسطينية بما فيها قطاع غزة استمر الشيخ أحمد ياسين في إلهاب مشاعر المصلين من فوق منبر مسجد العباس الذي كان يخطب فيه لمقاومة المحتل الصهيوني، وفي الوقت نفسه نشط في جمع التبرعات ومعاونة أسر الشهداء والمعتقلين، ثم عمل بعد ذلك رئيسا للمجمع الإسلامي في غزة.

وقد آمن الشيخ الشهيد أحمد ياسين بأفكار جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر على يد الشيخ حسن البنا عام 1928، والتي تدعو - كما تقول - إلى فهم الإسلام فهما صحيحا والشمول في تطبيقه في شتى مناحي الحياة.

ملاحقات صهيونية متواصلة

أزعج النشاط الدعوي للشيخ أحمد ياسين سلطات الاحتلال الصهيوني فأمرت عام 1982 باعتقاله ووجهت إليه تهمة تشكيل تنظيم عسكري وحيازة أسلحة وأصدرت عليه حكما بالسجن 13 عاما، لكنها عادت وأطلقت سراحه عام 1985 في إطار عملية لتبادل الأسرى بين سلطات الاحتلال الصهيوني والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين "القيادة العامة".

تأسيس حركة حماس

اتفق الشيخ أحمد ياسين عام 1987 مع مجموعة من قادة العمل الإسلامي الذين يعتنقون أفكار الإخوان المسلمين في قطاع غزة على تكوين تنظيم إسلامي لمحاربة الاحتلال الصهيوني بغية تحرير فلسطين أطلقوا عليه اسم "حركة المقاومة الإسلامية" المعروفة اختصارا باسم "حماس"، وكان له دور مهم في الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت آنذاك والتي اشتهرت بانتفاضة المساجد، ومنذ ذلك الوقت والشيخ ياسين اعتبر الزعيم الروحي لتلك الحركة.

مطاردات من جديد

مع تصاعد أعمال الانتفاضة بدأت سلطات الاحتلال الصهيونية التفكير في وسيلة لإيقاف نشاط الشيخ أحمد ياسين، فقامت في أغسطس/آب 1988 بمداهمة منزله وتفتيشه وهددته بالنفي إلى لبنان. ولما ازدادت عمليات قتل الجنود الصهاينة واغتيال العملاء الفلسطينيين قامت سلطات الاحتلال الصهيوني يوم 18 مايو/أيار 1989 باعتقاله مع المئات من أعضاء حركة حماس. وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول 1991 أصدرت إحدى المحاكم العسكرية حكما بسجنه مدى الحياة إضافة إلى 15 عاما أخرى، وجاء في لائحة الاتهام أن هذه التهم بسبب التحريض على اختطاف وقتل جنود صهاينة وتأسيس حركة حماس وجهازيها العسكري والأمني.

اختطاف جندي صهيوني

حاولت مجموعة فدائية تابعة لكتائب عز الدين القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس- الإفراج عن الشيخ ياسين وبعض المعتقلين المسنين الآخرين، فقامت بخطف جندي صهيوني قرب القدس يوم 13 ديسمبر/ كانون الأول 1992 وعرضت على سلطات الاحتلال الصهيوني مبادلته نظير الإفراج عن هؤلاء المعتقلين، لكن السلطات الصهيونية رفضت العرض وقامت بشن هجوم على مكان احتجاز الجندي مما أدى إلى مصرعه ومصرع قائد الوحدة الصهيونية المهاجمة ومقتل قائد مجموعة الفدائيين.

وفي عملية تبادل أخرى في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 1997 جرت بين المملكة الأردنية الهاشمية وسلطات الاحتلال الصهيوني في أعقاب المحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل في العاصمة عمان وإلقاء السلطات الأمنية الأردنية القبض على اثنين من عملاء الموساد سلمتهما للكيان الصهيوني مقابل إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين، أفرج عن الشيخ وعادت إليه حريته منذ ذلك التاريخ.

الشيخ ياسين تحت الإقامة الجبرية

وبسبب اختلاف سياسة حماس عن السلطة كثيراً ما كانت تلجا السلطة للضغط على حركة حماس، وفي هذا السياق فرضت السلطة الفلسطينية أكثر من مرة على الشيخ أحمد ياسين الإقامة الجبرية مع إقرارها بأهميته للمقاومة الفلسطينية وللحياة السياسية الفلسطينية.

شهادة مرتقبة

وقد تعرض الشيخ أحمد ياسين في 6 سبتمبر/ أيلول 2003م، لمحاولة اغتيال صهيونية حين استهداف مروحيات صهيونية شقة في غزة كان يوجد بها الشيخ وكان يرافقه إسماعيل هنية (رئيس الوزراء الحالي). ولم تكن إصاباته بجروح طفيفة في ذراعه الأيمن بالقاتلة.

وفي يوم الاثنين 1/2/1425هـ الموافق22/3/2004م، استشهد الشيخ المجاهد أحمد ياسين في غارة صهيونية حاقدة نفذها سلاح الطيران الصهيوني وذلك بعد خروج الشيخ القعيد من صلاة الفجر، عندما أقدمت الطائرات ذاتها بإطلاق عدة صواريخ نحو جسده الطاهر، مما أدى إلى تناثر جسده وتحويله إلى أشلاء، وهنا ارتقت روحه إلى بارئها، ومات كما كان يتمنى.

استشهاد الشيخ الياسين لم يكن حدثا عابرا حيث حوّل هذا الحدث التاريخ بأكمله، فقد نعته وأدانت اغتياله آلاف الدول والمؤسسات، واعتبرت تلك الدول والمؤسسات أن استهداف جسد الشيخ أحمد ياسين يعتبر جريمة حرب، وتجاوزا خطير، وقد تصاعدت التفاعلات في كافة البلدان العربية والإسلامية حيث تفننت كل جهة في تخليد ذكرى استشهاد هذه الأسطورة التي مثلت منارة للجهاد والمقاومة في فلسطين المحتلة.

ثقافة الإمام الشهيد أحمد ياسين

رابطة علماء فلسطين في قطاع غزة أصدرت كتابا بعنوان: "ثقافة الإمام الشهيد أحمد ياسين"، وذلك ضمن سلسلة نحو "مجتمع خلوق ومثقف" التي تصدرها، لكل من الدكتور نسيم شحدة ياسين، والدكتور يحيى علي الدجني، حيث خلص الكتاب إلى جملة من النتائج، كان في مقدمتها، أن الشيخ أحمد ياسين كان ظاهرة فريدة من نوعها، حيث يعتبر مدرسة متكاملة يتتلمذ فيها الأصحاء والمعاقون على السواء، ويتعلمون فيها كيفية الانتصار على العجز البدني والضعف الصحي، وأن العجز الحقيقي هو عجز الإرادة وضعف العقول.

شدة الذكاء وقوة الذاكرة

وأشار الكتاب إلى أن الصلة بالله تبارك وتعالى والمداومة عليها، سبيل لازم لتحقيق التقوى، ولقطف ثمار المعرفة والثقافة، إضافة إلى أن شدة الذكاء وقوة الذاكرة التي أنعم الله بها على الشيخ ساهمتا إلى حد كبير في ارتقاء مستواه الثقافي، كما وأوضح الكتاب أن بلوغ أقصى درجات الثقافة والمعرفة، يحتاج إلى كسب وجهد وصبر ومطالعة، وأن التذرع بالظروف والابتلاءات هو سبيل العاجزين، مستشهدا بأن الشيخ أحمد ياسين لم يكن بوسعه أن يقلب صفحة كتاب، وأنه كان يفعل ذلك بلسانه مع صعوبة ذلك كي يغتنم وقته، وتزيد علومه ومعارفه، وهو ما يعكس قوة إرادة الشيخ في ذلك.

كسب احترام الآخرين

وأشار الكتاب إلى أن الشيخ ياسين لم يقنع بتحديد مصادر المعرفة، وإنما استفاد من مختلف تلك المصادر سواء البيت أو المدرسة أو الجامعة أو المسجد أو المعتقل، وغيره، وسواء كانت وسائله في ذلك تقليدية أم حديثة كالإنترنت ووسائل الإعلام المختلفة، وأوضح الكتاب الذي تناول حياة الشيخ أحمد ياسين أن اتساع دائرة الثقافة لدى الشيخ، وشمولها للثقافة الإسلامية واللغوية والتاريخية والاقتصادية والواقعية، مكّنت الشيخ من كسب احترام الآخرين، ومن قيادة حركته؛ لأن الجميع فيهم رأوا فيه الرجل العالم العارف بالله تعالى، الذي يبني رأيه على أسس متينة من الوعي والعلم والمعرفة، الأمر الذي يجعله جديراً أن نعدّه مجدداً للدعوة الإسلامية في فلسطين خلال القرن العشرين، مبينا في الوقت ذاته أن ثقافة الشيخ ووعيه جعلتا الشعب الفلسطيني ينجو من ويلات حرب أهلية يمكن لها أن تأتي على الأخضر واليابس، ولا تخدم إلا الاحتلال الصهيوني.

الشيخ ياسين الظاهرة المعجزة

وفي ختام الكتاب المتميز فقد أوصى المؤلفان بضرورة إجراء المزيد من الدراسة حول شخصية الشيخ أحمد ياسين الظاهرة المعجزة، سواء المتعلقة بالجانب الثقافي، وذلك بإفراد كل نوع من أنواع الثقافة لدى الشيخ ببحث مستقل، أو الجوانب التربوية لديه، وكذلك فقه الدعوة عنده، إلى غير ذلك من الجوانب المتعددة، والتي في محصلتها جمع تراث الشيخ من الصدور والسطور، وذلك قبل أن ينقطع السند بوفاة أتباعه وأصحابه أو استشهادهم، كما وطالبا أيضاً بضرورة دراسة تراث الشيخ أحمد ياسين دراسة علمية موثّقة، كي يستفيد الدعاة والأجيال اللاحقة منه.

 

www.islamweb.net