اتصالات أوروبا بحماس.. الدوافع والتبريرات

06/07/2008| إسلام ويب

اعتراف وزير الخارجية الفرنسي "برنار كوشنير" مؤخرًا بإجراء مبعوثيْن فرنسييْن لقاءاتٍ مع قياداتٍ في حركة حماس في قطاع غزة، سلّط الأضواء على الاتصالات السرية التي جرت –وتجرى- بين حركة حماس وممثلين عن الدول الأوروبية.
المسئولون الأوروبيون الذين يبادرون في الغالب إلى عقد هذه اللقاءات يُبدون اهتمامًا بالتعرف على مواقف الحركة، ويستفسرون حول وجهات نظرها من القضايا مثار الجدل، سيما موقف الحركة من حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتحديدًا قضايا الحل الدائم المتمثلة باللاجئين، ومستقبل القدس، والحدود. الأوروبيون يسوغون اهتمامهم بالعلاقة السرية مع حماس بذرائع متعددة، فبعض المبعوثين الأوروبيين- مثلًا- يدّعون السعي لمحاولة للتوسط بين إسرائيل وحركة حماس فيما يتعلق بقضية الجندي الإسرائيلي المختطف "جلعاد شليت".
وهناك بعض المسئولين الأوروبيين أجرى اتصالات بحماس، تحت ذريعة محاولة التوصل لصيغ توفيقية بين الحركة وإسرائيل بشأن تفاهمات حول التهدئة، إلى جانب سعي بعض الدبلوماسيين الأوروبيين- وتحديدًا النرويجيين- للتوسط بين حماس من جهة، وحركة " فتح " والرئيس "أبو مازن" من جهة أخرى، لحل الانقسام الداخلي.
ومع كثرة اللقاءات التي يعقدها المسئولون والدبلوماسيون الأوروبيون، برزت دعوات أوروبية -من مستويات برلمانية- بضرورة إعادة تقييم العلاقة مع حماس، على اعتبار أن العلاقة الحالية القائمة على القطيعة والحصار آتت نتائج عكسية. وفي المقابل يراهن العديد من قادة حركة حماس على هذه الاتصالات، باعتبارها كسرًا -ولو محدودًا- للعزلة المفروضة على الحركة وحكومتها منذ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة، وتشكيل أول حكومة من قبل حماس.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي الدوافع الحقيقية للحرص الأوروبي على إجراء اتصالات سرية وغير رسمية مع قيادة حركة حماس؟ وهل هناك ما يبرر الرهان عليها؟
للإجابة على هذين السؤالين، فإنه يتوجب التأكيد على النقاط الآتية:
أولًا : تسعى الدول الأوروبية من خلال اللقاءات التي تجريها مع قيادة حماس إلى محاولة إحداث اختراق في مواقف الحركة الثابتة من القضية الوطنية الفلسطينية. وقد اتصل كاتب هذه السطور بعدد من ممثلي حماس الذين يلتقون باستمرار بمسئولين ودبلوماسيين أوروبيين، وكلهم أكدوا أن هؤلاء المسئولين والدبلوماسيين يحاولون بكل ما أوتوا من قوة أن يقنعوا ممثلي حماس بالتراجع عن المطالبة باستعادة كل أرض فلسطين التاريخية، ولو من ناحية إعلامية، والإعلان عن قبول فكرة الدولة الفلسطينية في حدود الرابع من حزيران للعام 1967.
وفي حال لم ينجح الأوروبيون في تغيير مواقف حماس، فإنهم يسعون على الأقل إلى محاولة " تعديلها "؛ لتقترب من المواقف المقبولة أوروبيًا.
وفي حقيقة الأمر، فإن أوروبا تحاول بشكل غير مباشر دفع حماس لتقديم تنازلات لإسرائيل دون أن يكون هذا الكيان مطالبًا بتقديم أي تنازلات، فالأوربيون الذين يطالبون حماس بتغيير مواقفها من الصراع لا يمارسون أي ضغط على إسرائيل لتغيير مواقفها من القضايا التي تشكل هذا الصراع؛ فهم يحاولون إغراء حماس بمساعدتها للخروج من العزلة في حال قدمت تنازلات في مواقفها، لكنهم في ذات الوقت يتعايشون مع الموقف الإسرائيلي الرسمي المتعنت، والذي يصر على أن أي تسوية سياسية للصراع يجب أن تضمن لهم الاحتفاظ بمعظم مناطق الضفة الغربية والقدس، وضم التجمعات الاستيطانية، ورفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الأراضي التي هُجِّروا منها.
إن من الأهمية بمكان أن تُظهر حماس مرونة سياسية تمكنها من تجاوز التحديات الهائلة التي تواجهها، ولكن من المحظور -في كل الأحوال- تقديم هذه المرونة كمكافأة لإسرائيل على تعنتها وتشددها.
ثانيًا: اتصالات أوروبا غير الرسمية مع حركة حماس تندرج في إطار " استراتيجية مد الجسور " القائمة على توظيف القوة الناعمة، عبر محاولة استغلال الضائقة التي يمر بها الشعب الفلسطيني وقيادة حركة حماس، بفعل الحصار المفروض على القطاع منذ منتصف حزيران من العام الماضي، ومحاولة استدراج الحركة لتقديم تنازلات. ومن هنا، فإن اتصالات أوروبا بحماس غير الرسمية محاولةٌ لاختراق مواقف حماس وتعديلها، وبدون تقديم حماس لهذه التنازلات فإن الأوروبيين لن يُحَرِّكوا ساكنًا من أجل رفع العزلة عن الحركة، رغم قناعتهم بعدم جدواها.
ثالثًا: ينطلق الأوروبيون في تحركهم تجاه حركة حماس لخدمة مصالحهم الاستراتيجية في المنطقة، والدفع نحو استقرار الأوضاع السياسية والأمنية فيها. ويختلف الأوربيون عن الأمريكيين الذين لازالوا يتشبثون بخيار القوة الخشنة ومحاولة تغيير الظروف بالقوة. لكن الاختلاف في الأسلوب بين أمريكا وأوروبا يؤدي إلى تكامل الأدوار بين الجانبين، وليس إلى التناقض، وخير دليل على ذلك أن أوروبا- التي يواصل دبلوماسِيُّوها اللقاءاتِ مع ممثلي حركة حماس- ترفض رفع اسم الحركة من قائمة المنظمات الإرهابية؛ حيث تقرن هذا التطور بسلسلة الاشتراطات التي وضعتها اللجنة الرباعية، والتي تتضمن "الاعتراف" بإسرائيل، ونبذ المقاومة، أو ما تسميه " الإرهاب "، واحترام التزامات منظمة التحرير، والاتفاقيات التي وقَّعَتْهَا السلطة الفلسطينية مع إسرائيل.
رابعًا : إن استعداد حماس للتجاوب مع الاشتراطات الأوروبية يتوقف على نظرة الحركة لمستقبلها في السلطة، فإذا اعتقدت حماس أن وجودها في السلطة يمثل مصلحة استراتيجية لها ولمشروعها، فإنها -بكل تأكيد- ستقدم تنازلات ولو شكلية للأوروبيين وغيرهم من أجل مساعدتها على البقاء في السلطة. التجربة تؤكد ذلك، فحركة حماس أبدت مرونةً كبيرةً وغير متوقعة أثناء التفاوض على اتفاق مكة؛ حيث وافقت الحركة على المبادرة العربية التي كانت تعارضها بشدة!
قصارى القول: إن الكثير من الأطراف الدولية تحاول توريط حماس بدفعها للتراجع عن مواقفها المبدئية مقابل " السراب "، و كلما استجابت الحركة لمطلب من مطالب الأوروبيين، كلما ثارت شهيتهم ليطالبوا بمزيد من التنازلات والاشتراطات، وصولًا إلى تعرية حماس من مواقفها وثوابتها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإسلام اليوم

www.islamweb.net