لكم دينكم ولي دين

02/03/2009| إسلام ويب

التوحيد منهج والشرك منهج آخر، وهما متباينان أشد التباين: فالتوحيد منهج يتجه بالإنسان مع الكون إلى الله وحده لا شريك له، ويحدد له الجهة التي يتلقى منها عقيدته وشريعته، وقيمه وموازينه، وآدابه وأخلاقه، بل وكل تصوراته عن الحياة، وعن الوجود وتصوراته لما بعد الموت والحياة.. وهذه الجهة هي الله تعالى والله تعالى وحده. وعلى هذا الأساس تقوم الحياة غير متلبسة بالشرك في أي صورة من الصور.

وأما منهج الشرك فسبله معوجة متعددة، ومناهجه كثيرة متشعبة وعقائده مختلفة متباينة كمثل قوانينه تختلف اختلافا كثيرا ولا تكاد تتفق في شيء إلا أنها لا تأخذ عن الله شيئا.
فشتان ما بين المنهجين، وما أبعد ما بين الطريقين، فهذا سبيل وهذا سبيل، ولا يمكن أن يلتقيا بحال من الأحوال أو في صورة من الصور، أو وجه من الوجوه.

وهذا المعنى هو الذي تقرره سورة الكافرون وتؤكد عليه وتغرسه في قلوب العصبة المؤمنة تجاه كل المذاهب الكفرية والمخالفة لمنهج التوحيد.

وسورة "الكافرون" سورة من قصار المفصل (والتي تبدأ من سورة ق إلى آخر سورة الناس)، آياتها ست آيات، نزلت بمكة كما قال ابن مسعود وابن عباس والحسن وعكرمة.

سبب نزولها:
وسبب نزول السورة كما  يقول ابن جرير وابن مردويه ورواه الطبراني عن ابن عباس: "أن قريشا وعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطوه مالا فيكون أغنى رجل بمكة، ويزّوجوه ما أراد من النساء، ويطئوا عقبه، فقالوا له: هذا لك عندنا يا محمد، وكفّ عن شتم آلهتنا، فلا تذكرها بسوء، فإن لم تفعل، فإنا نعرض عليك خصلة واحدة، فهي لك ولنا فيها صلاح. قال: "ما هي؟" قالوا: تعبد آلهتنا سنة: اللات والعزى، ونعبد إلهك سنة، قال: "حتى أنْظُرَ ما يأْتي مِنْ عِنْدِ رَبّي"، فجاء الوحي من اللوح المحفوظ:(قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ) السورة، وأنزل الله:(قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ)... إلى قوله:(فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ).

وذكر ابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن مينا قال: "لقي الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وأمية بن خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد هلم فلتعبد ما نعبد، ولنعبد ما تعبد، ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله، فإن كان هذا الذي نحن عليه أصح من الذي  أنت عليه كنت تقد أخذت منه حظا، وإن كان هذا الذي أنت عليه أصح من الذي نحن عليه كنا قد أخذنا منه حظا. فأنزل الله "قل يا أيها الكافرون".

وقوله تعالى "قل يا أيها الكافرون": خطاب لكفار قريش ويعم كل الكافرين في كل مكان وحين، وصفهم الله بصفتهم وناداهم بحقيقتهم التي هي الكفر ليقطع عليهم كل ظن بأن هناك علاقة بينهم وبين الله، ويقطع كل طريق للمهادنة أو التقارب فهذا طريق وهذا طريق وهذا منهج وهذا منهج وهذه عبادة وتلك عبادة أخرى.

وقوله سبحانه "لا أعبد ما تعبدون": أي من الأصنام والأنداد والشركاء على اختلاف أشكالهم وتعدد أنواعهم. فإنهم لا يملكون من أمر السموات والأرض شيئا. كما بين القرآن حقيقتهم في كثير من آيات القرآن الكريم:
-  {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلا غُرُوراً) (فاطر:40)
-  {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) (سـبأ:22)
-
 {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ . وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ . أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (النحل19 :21)

فإذا كان هذا حالهم وواقعهم فإنهم لا يملكون لعابديهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا كما قال سبحانه: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} (الفرقان:3)

{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}(يونس:18)

 {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ . إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) (فاطر13 :14)

{قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}(الزمر: من الآية38)

فهذا حال كل معبود من دون الله لا يملك من أمره ولا من أمر من يعبدونه شيئا، فكيف ترك عبادة الله لعبادة هؤلاء؟ أو كيف يشرك هؤلاء مع الله في عبادته؟! فالأمر السليم والحق القويم أن {لا أعبد ما تعبدون}.. {أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ . أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ . فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ) (الشعراء75 :77)
فهي براءة من آلهة المشركين ومعبودات الكافرين، وإخلاص العبادة لله وحده رب العالمين.

ولا أنتم عابدون ما أعبد:
لا يمكنكم أن تجمعوا بين عبادة الله إلى جانب شرككم فإذا كانت آلهتكم المزعومة ترضى الشركة في العبادة فإن الله لا يرضى ولا يقبل أن يشرك معه غيره في قليل ولا كثير.
{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لقمان:13)
{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} (النساء:48) 
{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (المائدة:72)
فطالما أنتم باقون على ما  أنتم عليه فلا يمكن أن  تكونوا عابدين ما أعبد.

ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد:
فأعاد عليهم مرة أخرى، وفي هذه الإعادة ثلاثة أقوال للعلماء:
1-   نفي لاتباع طريقتهم  بعد أن نفى اتباع معبوداتهم؛ فلكل دين معبود وطريقة للعبادة.
2-   نفي لاتباع طريقتهم ومعبودهم الآن وفي المستقبل.
3-  توكيد وهو قول الكثيرين وبه قال ابن جرير والشوكاني (توكيد لقطع أطماع المشركين أن يجيبهم صلى الله عليه وسلم لما سألوه) وف الظلال: توكيد بعد توكيد ليكون أبلغ من رفع الشبهة وفطنة القربة.

لكم دينكم ولي دين
ليس هذا من باب الإقرار... وإنما هو من باب المفاصلة والتحذير.. قال الإمام البخاري: لكم دينكم الكفر ولي دين الإسلام.
وهو مثل قوله تعالى: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) (يونس:41)، وقوله: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(فصلت: من الآية40)، وقوله: {اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}(الشورى: من الآية15)، )مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (فصلت:46)
فهو تأكيد على أن هذا الافتراق لا التقاء فيه، وأن هذا الاختلاف لا تشابه بينه، وأن هذا الانفصال لا اتصال معه، وهذا التمييز لا اختلاط بينه.. أنتم من هاهنا ونحن من هاهنا لا صلة بين ديني ودينكم ولا عبادتي وعبادتكم.

www.islamweb.net