تركيا بعيون إسرائيلية..." من الحليف الاستراتيجي " إلى محور الشر

18/10/2009| إسلام ويب

قليلة هي الطرق السالكة بين أنقرة وتل أبيب ، فالعلاقات بين "الحليفتين الاستراتيجيتين" تزداد تدهورا وتراجعا ، ويوما إثر آخر ، تتسع الفجوة بينهما وتزداد "خطورة".

إسرائيل خرجت عن طورها ، وتخطت ما كانت تسميه "ضبط النفس" ، وأخذ سياسيوها ومحللوها ، يكيلون الاتهامات لتركيا ، لا سيما الاتهام بأنها تنتقل تدريجيا إلى "محور الشر" ، في إشارة إلى إيران وسوريا وحزب الله وحركة حماس ، وبلغت الغطرسة ببعض الكتاب الإسرائيليين حد التنبوء بعودة تركيا إلى عصر "الرجل المريض" لا لشيء إلا لأنها أخذت تغادر مربع التحالف الاستراتيجي مع إسرائيل ، لكأن العلاقة مع الدولة العبرية هي المصدر الوحيد للصحة والعافية اللتين تمتعت بهما تركيا في العقد الأخير خصوصا.

والحقيقة أن ثمة أسبابا عميقة ، فعلت فعلها على ضفتي المعادلة التركية - الإسرائيلية ، وجعلت عودة عقارب الساعة للوراء أمرا متعذرا ، فتركيا التي ترفض أن تسمى سياساتها الخارجية الجديدة والتي تحمل اسم "مبدأ أحمد داود أوغلو" بـ"العثمانية الجديدة" ، قررت تصفير خلافاتها مع دول الجوار ، وتنمية علاقاتها الاقتصادية والتجارية معها ، ورفع كافة الحواجز والعوائق التي تحول دون تمتع بالحريات الأربع مع هذه الدول: حرية تنقل السلع والأفراد والرساميل والخدمات ، وتركيا تريد أن تكون عقدة اتصالات ومقصد سياحة وبؤرة إشعاع فني وثقافي ودرامي ، ومحطة ترانزيت وتوزيع للنفط والغاز المتدفق إلى أوروبا من قزوين والأسود وإيران والخليج والعراق.

أما على المستوى السياسي فإن أنقرة تسعى إلى لعب أدوار في مختلف ملفات المنطقة وأزماتها المفتوحة ، من فلسطين إلى العراق مرورا بمفاوضات السلام والمصالحة الفلسطينية وحصار غزة وسلام سوريا وإسرائيل وعلاقات دمشق ببغداد ، وصولا إلى أفريقيا والصومال والقرن الأفريقي وصعدة واليمن ، عطفا على القوقاز وآسيا الوسطى والبلقان.

كل ذلك ، من دون أن تسقط أنقرة رغبتها في الانضمام للاتحاد الأوروبي ، وسعيها الجاد لتلبية معايير العضوية وشروط كوبنهاجن ، فتركيا المنفتحة على خصوم الأمس وحلفائه ، لن تغادر مسرحا أو تفرط بفرصة لتعظيم دورها وتنمية مصالحها ، فما بالك حين يتصل الأمر بعضوية الاتحاد الأوروبي التي ستمنح تركيا وزنا مماثلا لأوزان بريطانيا وفرنسا وألمانيا في تقرير سياسة الاتحاد وتوجهاته إن هي انضمت إليه ، بفعل وزنها الديموغرافي الهائل.

أمام كل هذه التوجهات والأولويات ، تحتل إسرائيل مكانة متضائلة في سلم الأولويات التي تشغل الأجندة التركية ، ولم يعد إرضاء تل أبيب سوى واحد من معايير عدة وضوابط كثيرة ، وليس أهمها ، تأخذها السياسة الخارجية بنظر الاعتبار وهي ترسم خطواتها وتنسج خيوطها.

ومع دخول الرأي العام كلاعب مهم في عملية صنع القرار التركي ، ومع تنامي المشاعر المناهضة لإسرائيل في أوساطه والمتضامنة مع الفلسطينيين والعرب ، تجد حكومة أنقرة نفسها مرغمة كما قال رئيسها ، على التعبير عن "نبض شعبها" وتطلعاته ، فتركيا اليوم تعيش تجربة ديمقراطية حقيقية ، وتقدم أنموذجا في الحكم المستند إلى "مرجعية إسلامية عامة" لم تبلغها بعد أي حركة إسلامية في العالم العربي ، وتركيا اليوم لم تعد ساحة لاستعراض عضلات المؤسسة العسكرية أو لاختبار دورها في تشكيل الحكومة واختيار الرئاسات. ...  

مقابل ذلك ، بدت إسرائيل في السنوات الأخيرة في أبشع صورها ، فهي موضع غضب وسخط الرأي العام الدولي ومنظماته الحقوقية ، وحروبها القذرة على لبنان وقطاع غزة وما تخللهما من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ، جعلت منها موضع غضب وسخط الرأي العام والقيادة التركية سواء بسواء ، وهذا ما أوجب الافتراق وأحدث التدهور في العلاقات الثنائية.

ليس متوقعا أن تنحدر العلاقات بين أنقرة وتل أبيب إلى مستوى القطيعة الكاملة أو التأزم الحقيقي ، فليس لتركيا أو إسرائيل مصلحة في ذلك ، لكن عهد العلاقات الخاصة والمتميزة بينهما ولّى إلى غير رجعة ، ومن المنتظر أن تلعب تركيا دورا ملهما على صعد عدة في العالم العربي ، بل وهي مرشحة للاضطلاع بأدوار قيادية بعد أن أنكفأت أدوار العواصم العربية الكبرى ، أو بعضها على الأقل.

ـــــــــــ

صحيفة الدستور

 

www.islamweb.net