العلامة الدكتور عبد العظيم الديب.. إلى رحمة الله

06/01/2010| إسلام ويب

فقدت الأمة الإسلامية والعربية صباح اليوم الأربعاء العشرين من محرم 1431هـ السادس من يناير 2010م واحدا من أفاضل علمائها ورجالات العلم فيها خاتمة المحققين الأصولي اللغوي المؤرخ الدكتور عبد العظيم الديب رحمه الله تعالى، والذي وافته المنية في مستشفى حمد العام صباح اليوم الأربعاء. بعد جهاد طويل في خدمة دينه ومعاناة طويلة مع المرض الذي ألم به منذ سنين.

والعلامة المحقق الدكتور عبد العظيم الديب كان بحق عالمًا فاضلا وفقيهًا بارزًا وأصوليًّا قديرًا، آثر العمل في صمتٍ وجدٍّ واجتهادٍ، في ميدان تحقيق تراث الأمة الفقهي، وتقديم رؤية جديدة للتاريخ الإسلامي".

وكان الفقيد في بداية حياته ونشأته أحد طلاب المعهد الديني بمدينة طنطا في محافظة الغربية، وأحد خرِّيجي كلية دار العلوم بالقاهرة، وعكف منذ دراساته العليا وأثناء دخوله ميدان التحقيق على تراث الإمام الجويني؛ حيث حصل على درجة الماجستير من كلية دار العلوم حول دراسة عن حياة الإمام الجويني وآثاره، كما حصل على درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف برسالة جامعية أخرى عن فقه الإمام الجويني (كما جاء في موقع إخوان أونلاين بتصرف).

لقد اشتهر العلامة الدكتور عبد العظيم الديب بملازمته لكتب ومؤلفات الإمام الجويني رحمه الله تعالى، واعتنى بها عناية كبيرة ـ بل كانت هي كل حياته ـ حتى يصح له بلا منازع أن يُلقب بـ"صاحب إمام الحرمين".

لقد فهم العلامة الدكتور عبد العظيم الديب عن إمام الحرمين وأنصت له ووعى علمه حتى تسنى له أن يحقق كتبه بحق وعلم، ولكتب إمام الحرمين في علمي الفقه والأصول منزلة عظيمة جداً.

إن العلامة الدكتور عبد العظيم الديب نموذج من أولئك المحققين الأفراد في عالمنا العربي والإسلامي؛ فقد تربى على العلامة المحقق شيخ العروبة فريد العصر إمام العربية أبي فهر محمود محمد شاكر رحمه الله تعالى، كما تتلمذ للعلامة المحقق عبد السلام هارون والعلامة الفقيه مصطفى أبو زيد والعلامة الأصولي عبدالغني عبد الخالق رحمهم الله تعالى.

إن العلامة الدكتور عبد العظيم الديب من تلك المدرسة التي أنشأها آل شاكر رحمهم الله تعالى، وأهم ما يميز تلك المدرسة أن كل من تخرج منها علماء مشايخ أفراد بين أقرانهم.

فإذا كان العلامة المحدث الفقيه الأصولي اللغوي محدث الديار المصرية باعث النهضة الحديثية شمس الأئمة أبو الأشبال أحمد بن محمد شاكر أشهر هذه المدرسة ومنشئها، فإن أخاه وربيبه وتلميذه العلامة المحقق شيخ العروبة فريد العصر إمام العربية أبا فهر محمود محمد شاكر رحمه الله تعالى هو الذي فرخ التلاميذ ورباهم ورعاهم.

ولقد كان من أثر هذه المدرسة علماء كانوا أفراداً بين أقرانهم، فمن هؤلاء العلامة المحقق اللغوي عبدالسلام هارون والعلامة المحقق محمد رشاد سالم والعلامة المحدث المحقق السيد أحمد صقر والعلامة اللغوي محمود الطناحي رحمهم الله تعالى وغيرهم كثير.

ومن الأحياء من هذه المدرسة العلامة المؤرخ بشار عواد معروف والعلامة اللغوي محمد محمد أبوموسي، والعلامة المحقق عادل سليمان جمال، والدكتور الوزير ناصر الدين الأسد وغيرهم كثير حفظهم الله تعالى ونفع بهم. وغني عن القول مكانة هؤلاء وأثرهم في بابات العلم والتحقيق.

لقد اختار الدكتور العلامة عبد العظيم الديب (صاحب إمام الحرمين) منذ وعى طريقاً للعلم وعرة وصعبة لا يقدم عليها إلا الأفذاذ من أولي الهمم العالية، فاختار طريق التحقيق العلمي الحقيقي - لا كالذي انتشر بين طلبة العلم اليوم- واختار معه الفهم والوعي لما يحقق وينشر من علم بخلاف كثير من الذين ينشرون الكتب ويحققونها ولم يفهموها. ولو أنه اكتفى بذلك لكفاه، ولكن أبت عليه همته وعلو نفسه إلا أن يختار أن يلازم ويصاحب كتب إمام من أئمة الدين يصعب على كثير من أهل العلم قراءة كتبه بله فهمها وتحقيقها، ومكانة إمام الحرمين بين أئمة الدين في غنى عن التنويه بها.

فأخرج العلامة الدكتور عبد العظيم الديب رحمه الله تعالى كتاب "البرهان" في أصول الفقه لإمام الحرمين، ومن قرأ مقدمة الكتاب ناله العجب من معاناة محققه العظيمة لإخراج الكتاب، ومن قرأ الكتاب ففهمه وفهم كلام المحقق علم الفرق بين التحقيق والادعاء.

ولقد منّ الله تعالى على الأمة العربية والإسلامية وعلى الدكتور عبد العظيم حتى أخرج لنا "نهاية المطلب" في دراية المذهب، وليس لمثلى أن ينوه بالكتاب أو الجهد المبذول في تحقيقه، فكفى بالكتاب فخراً أنه لإمام الحرمين وكفي بالكتاب فخرًا أنه من تحقيق خاتمة المحققين الفقيه الأصولي اللغوي المؤرخ العلامة الدكتور عبد العظيم الديب (صاحب إمام الحرمين) رحمه الله تعالى، وكفى بالدكتور عبدالعظيم الديب فخرًا أن ينشر في الأمة فقه إمام الحرمين.

ويُعدُّ ما قام به د.الديب في تحقيق الكتاب إنجازًا كبيرًا وذخيرةً ثمينةً من ذخائر التراث الفقهي الزاخر؛ حيث يعرفه المشتغلون بفقه المذهب الشافعي، ويُدركون قيمته؛ فهو أحد الأعمدة التي يُستند إليها ويُعوَّل عليها. ويكفي أيضا لمعرفة الجهد المبذول أن تنظر في الكتاب والسنين الطويلة التي قضاها الشيخ في تحقيقه ثم تسمع وصف الشيخ القرضاوي لعمل د.عبد العظيم الديب في تحقيق الكتاب بأنه"ليس هيِّنًا، وأنه قدم للمكتبة الإسلامية خدمةً جليلةً".

وقد رافق أستاذنا الفقيد رحمه الله الدكتور العلاَّمة يوسف القرضاوي على مدار سنوات حياته وتربط بينهما علاقة أخوَّة وطيدة، وكثيرا ما كان يثني عليه وهو أهل لذلك.

وكل من رافق الشيخ أو جلس معه لاحظ بشدة مدى حب الشيخ رحمه الله لأساتذته الذين تعلم عليهم واستفاد منهم ودوام ثنائه عليهم والدعاء لهم خصوصا العلامة الكبير الشيخ محمود شاكر  فقد كان كثير الذكر له والحديث عنه والإعجاب به (وحق له)، وكذلك الأستاذ عبد السلام هارون رحم الله الجميع.

كانت الحياة قد عركت الشيخ وعاصر من الأمور ما جعل الجلوس إليه والحديث معه متعة ما بعدها متعه خصوصا ما يتعلق بتاريخ الأمة (والذي ذكر الشيخ أنه ما طرق بابه إلى دفاعا عن الأمة وغيرة عليها) وأدوار الدعوة فيها والنظرة الثاقبة للمستقبل وما ينبغي أن يقوم به الدعاة تجنبا لكبوات الماضي.. وقد كان الشيخ مرجعا في التاريخ ذا نظرة ثاقبة واعية ودراسة وافية يعلم هذا كل من جلس إليه واستمع منه أو حضر له محاضراته ودروسه.    

والمعروف عن الدكتور عبدالعظيم محبته وحرصه على الخمول وعدم الشهرة، مع تواضعه الجم وأدبه الرفيع وعفة لسانه ولقد شرفت بقابلته مرات قليلة فما سمعته يوما يذكر أحدا بسوء ولا يذم أحدا من العلماء بل ولا أحدا وإن أراد تنبيها لخطأ فبمنتهى الأدب والإنصاف وهو شيء لا يكاد يوجد هذه الأيام، وأشهد الله تعالى أنني كنت استفيد في كل مرة أمورًا لا يمكن لي أن أتعلمها إلا في سنين وقد لا أتعلمها أبدًا، فجزاه الله تعالى عني وعن طلبة العلم خير الجزاء. ورحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.. آمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مصادر الترجمة :

موقع إخوان أونلاين

موقع ملتقى أهل الحديث

لقاءات خاصة مع الشيخ




www.islamweb.net