هجرة العقول العربية

14/02/2010| إسلام ويب

تقدر دراسة لـ"مؤسسة فلسطين الدولية للأبحاث"  أن عشرة آلاف عربي من العلماء والأطباء والمهندسين والفنيين ذوي المهارات العالية يهاجرون سنوياً إلى الغرب، نصفهم يهاجر إلى الولايات المتحدة، ويقدر عدد العلماء العرب الذين استقطبتهم الولايات المتحدة الأميركية منذ العام 1977 بثلاثة أرباع المليون، أي أن حوالي مليون ونصف المليون عالم عربي يعيشون في الغرب، وتشير الإحصائيات إلى أن 54 % من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى وطنهم الأم.

وبالطبع، فإن للهجرة حسناتها الكثيرة، ولكنها يغلب عليها في نتائجها وتأثيراتها خسارة كبرى لا تعوض للتنمية والتقدم في الوطن العربي، ومن المنطقي وكما تؤكد الدراسات أن الهجرة ارتبطت بالاحتلال والاستبداد والفقر والتخلف، وبالطبع فإن الظروف الجاذبة في الغرب من الفرص والعدالة والتقدم تستقطب الكفاءات العربية.

تصل نسبة الباحثين والعلماء في الولايات المتحدة الأميركية إلى 3700 لكل مليون مواطن، وفي اليابان 6000 عالم وباحث، وفي بريطانيا 5600، بينما لا تتعدى هذه النسبة 300 عالم وباحث لكل مليون مواطن عربي، وتقدر الدراسات أن البيئة المشجعة للعلم والإبداع والمواهب يجب أن تتوافر على 1500 عالم وباحث على الأقل لكل مليون مواطن.

لقد أثبتت الدراسات أن 90% من زيادة النمو الاقتصادي في الدول المتقدمة يرجع الفضل في تحقيقها إلى التقدم العلمي والتقني، كما أن 50% من الزيادة في حصة الفرد من الدخل القومي تعود للسبب ذاته، ولذلك فإن الدول المتقدمة تستحوذ على 95% من العلماء في العالم، وتستحوذ أيضا على النسبة ذاتها من البحث العلمي، وعلى 97% من براءات الاختراع في العالم، في حين أن عدد سكان هذه الدول لا يتجاوز 12% من عدد سكان العالم، وتستحوذ أيضا على 64 % من الدخل العالمي. وتعتبر تجربة الهند مثالا يُحتذى في توظيف العقول الهندية سواء في الهند أو في الخارج، واستطاعت أن تحقق دخلاً سنوياً يزيد على 12 بليون دولار من البرمجيات فقط، بعد أن طبقت تجربة ناجحة ومبتكرة مكنتها من تعليم الأطفال والنساء استخدام الكمبيوتر من خلال توفيره في الشوارع والحارات والبيوت والمدارس على نطاق واسع وشامل، واجتذبت العقول المهاجرة بعد أن هيأت لها المناخ العلمي المناسب، وطلبت من الدول المتقدمة والكبرى، وأبرزها الولايات المتحدة، تعويضها عن كلفة دراسة العلماء الهنود الذين هاجروا إليها.
كما يتوقع وفقاً لدراسة مؤسسة فلسطين الدولية "العقول العربية المهاجرة"، أن العلماء العرب في الخارج يقدمون للولايات المتحدة الأميركية دخلاً لا يقل عن 40 بليون دولار سنويا، وهو ما يعادل نصف دخل الوطن العربي من النفط، ولا شك أنها قضية قومية واقتصادية تستحق العمل الجاد والحقيقي لاستيعابها وتوظيفها.

وبالطبع، فإن فكرة تقييد الهجرة للعلماء غير مقبولة، وقد تأتي بنتائج عكسية، ولا مجال لاستعادة هذه الكفاءات سوى بإنشاء بيئة من الحريات العامة والأكاديمية والعلمية وإقامة مشروعات علمية وتنموية ونهضوية كبرى، وتطوير الجامعات ومراكز البحوث والدراسات والمستشفيات والشركات والمصانع والمشروعات المتقدمة التي تستوعب الكفاءات العلمية وتوظفها، والنظر في أسباب الهجرة لمعالجتها.

ويجب ألا نغفل عوامل أخرى أيضا، مثل ضعف الانتماء الوطني والثقافي والاستلاب، وضعف علاقات الانتماء كالزيارات العلمية والشخصية للكفاءات المهاجرة لتبقى على الأقل على صلة بوطنها ومجتمعاتها الأم، وقد أكدت الدراسات أن عامل الدخل ليس هو الحاسم ولا الأكثر أهمية في قرار الهجرة، بل إن بعض المهاجرين خسر اقتصادياً ومالياً بسبب هجرته، لكن الأسباب السياسية والثقافية والاجتماعية هي الأكثر أهمية وحسماً.
لماذا نجحت دول نامية في اجتذاب علمائها وفنييها من ذوي المهارات العالية والدقيقة في حين فشلت الدول العربية؟ الدول العربية فشلت في مشروع التنمية الشاملة والمتوازنة، وتفضل التعاون مع الكفاءات والشركات الأجنبية برغم توافر مثلها وأفضل منها محلياً وعربياً، وفشلت الدول العربية في التنسيق والتعاون فيما بينها، وباستمرار النزف والفجوة تزداد وتيرة الهجرة.
______________
مجلة العصر 3/2/2010م  بـ"تصرف"

www.islamweb.net