مطبوعات لا محل لها من الإعراب

01/04/2010| إسلام ويب

أقرب مثال على العجز عن تحمل تكاليف السير إلى الأمام؛ ما نراه من واقع بعض مجلاتنا الأسبوعية والشهرية التي أصبحت في حالة اجترار لأفكار عادية وسهلة تمنع تطورها، وتحكم عليها بالبقاء في مكانها رغم حركة الزمن الهادرة والدؤوب.

فالأحاديث عن مكياج المرأة وخطوط الموضة وأطباق الطهي إلى جانب الركض الماراثوني الذي تكاد تنقطع معه أنفاس من يكتبون عن الممثل الذي يغار من زميله، والآخر المتصابي الذي تشتكي زميلته الفنانة من مراهقته الثانية، تكفي لتصنف تلك المطبوعة على أنها أصبحت عبثا على المجتمع، طالما أنها لا تخاطب عقل القارئ، ولا تتوفر لها مبررات موضوعية لاعتمادها كنافذة على الثقافة المسؤولة، والفكر الهادف.

التوليفة الفاشلة لصناعة الإعلام الرخيص تكرس في المجتمع روح القبول بما هو كائن، بدلا من البحث عما ينبغي أن يكون.

إذ لا يمكن  تصور إمكانية نجاح مجلات تمثل الموضوعات السابقة عمودها الفقري، لولا أن شرائح لا بأس بها من أفراد المجتمع تقبل على تلك البضاعة، وترحب بما فيها، بل وتستمتع بقراءة موادها، وكأنه لم يعد ثمة بدائل أجدر بأن تقرأ، ويوظف لأجلها الزمن.

قراءة الحركة التي تستوعب مثل هذه الأنشطة الصحفية من زاوية الشراكة بين المطبوعة والقراء، تضعنا وجها لوجه أمام المشهد الكامل لحالة الركود الذهني، والشرود عما هو حري بالحفاظ على ذوق الإنسان ومزاجه ولياقته النفسية التي أصابها الضعف نتيجة الطرق المكثف على موضوعات سقيمة، تستهلك الطاقة النفسية، وتعكر المزاج السليم.

إن الكلمة الصحيحة هي دواء وعافية، والكلمة الناقصة هي سفير حياة ناقصة لا تعرف الكمال ولا تنشده أو تحرص عليه.

والزهد في الكمال والتضحية به هو انتحار بطيء للهمة و الإرادة، وضرب من السير على الشوك الذي لا يدمي الجسد، وإن كان يضر ضررا بليغا بذوق القارئ الذي يهبط مع الأسف الشديد كلما أمعن في تتبع الموضوعات الباردة، وأصرّ على قراءتها، في حين تضعف لديه القدرة مع مرور الأيام على قراءة الموضوعات الأكثر عمقا، والأقدر على بناء شخصيته العلمية التي ترفض الإسفاف، وتحرص على الانتقاء بين البدائل فيما تأتي من أقول وأعمال.

إصرار نسبة من القرّاء على ركوب الموجة دون أن تصدر منهم أدنى محاولة لترشيد سير هذه المطبوعات الضئيلة الفائدة؛ يلقي بالكرة في مرمى آخر بعيدا عن المجلة الأكثر تداولا، وبعيدا بطبيعة الحال عن القارئ المأخوذ بتلك العروض الإعلامية.

الكرة إذن هي في مكان آخر، وأحسبه في مرمى الغيورين على مصلحة المجتمع وعافيته النفسية ومزاجه العام.

الكرة في مرمى من يحرصون على أن يروا الحياة الإعلامية أكثر جمالا وأقدر على  التعبير عن حاجات الناس والأخذ بهم نحو الأمام.

أراها في شباك الذين ما زالوا يؤمنون أن ثمة فرصا أخرى يمكن اقتناصها أو خلقها؛ لإجراء حوار لا تنقصه الصراحة مع المشرفين على وضع سياسة تلك المطبوعات حول أهمية تعديل مسار دورياتهم، وتقويم أدائها الذي لم يعد مرشحا لتقوية أركان العمل الإعلامي الذي يعاني من التصدع في أكثر من جانب.

في مقابل الجهود التي يجب أن تبذل لمواجهة التصدع والانهيار في هذا المجال، ثمة فعل آخر يتجاوز مستوى النصيحة المجردة، والنقد الهادف إلى آفاق الفعل والحركة من خلال العمل على إصدار مطبوعات إعلامية ذات واجهة حضارية، ورسالة تنويرية، وأهداف لصيقة بتطلعات المجتمع ومنتمية إلى قيمه وثوابته الأخلاقية.

ربما يعتبر ما نقول نوعا من السباحة ضد التيار، أو أفكارًا طوباوية لن تستطيع الصمود أمام قسوة الواقع الذي لم يعد يعترف بغير الطرح السائد في الأسواق.

فالقارئ (الزبون) لا يخرج نقوده إلا لمجلات من النوع المألوف، أما أن تكون هناك أفكار أخرى تتطلب مزيدا من الجهد العقلي للإحاطة بها واستيعاب مضامينها فذاك أمر مستبعد، وستؤدي مثل تلك المحاولة إلى فشل المشروع بعد فترة وجيزة؛ لأن المطبوعة الجديدة لن تصمد طويلا أمام الصورة الماثلة التي رسمتها المطبوعات الهشة، ولونتها بلونها الباهت.

فهل حقا علينا أن نسدل الستار على الأفكار التي تطالب بإصدار البدائل الصحيحة، وهل الخيار الأمثل هو الاستسلام وإعلان الهزيمة المدوية للباحثين عن الأفضل؟

أسئلة كثيرة تنتجها اللغة المهزومة، سواء علم بها أصحابها أو غابت عنهم كسائر الأشياء الثمينة التي جهلوها أو تجاهلوها!!

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مريم المناعي

www.islamweb.net