مثل الذين لا يجيبون داعي الله

15/09/2016| إسلام ويب

ذم القرآن الكريم موقف المشركين من دعوة الحق، وضرب المثل في موقفهم؛ إبلاغاً في البيان، واستحضاراً للمراد بالعَيان، فقال جلَّ من قائل: {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون} (البقرة:171). فهذا المثل القرآني يبين حال المشركين من دعوة الإسلام، حيث إنهم لا يسمعون نداء الإيمان، ولا يلتفتون إلى دعوة الإسلام، وحالهم هذه كحال الأنعام التي يخاطبها صاحبها، لكن لا تفقه له قولاً، ولا تدرك له مقصداً.

هذا فحوى المثل على وجه الإجمال. وقد ذكر المفسرون أن هذا المثل قد يراد منه أمرين:

الأول: تشبيه الرسول صلى الله عليه وسلم مع الكفار بالراعي الذي ينادي بالغنم والإبل، فلا تسمع إلا دعاءه ونداءه، ولا تفهم ما يقول. فالمعنى: ومثلك يا محمد ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به من البهائم التي لا تفهم.

قال الزمخشري: مثل داعي الكفار إلى الإيمان، في أنهم لا يسمعون من الدعاء إلا جرس النغمة ودوي الصوت، من غير إلقاء أذهان ولا استبصار، كمثل الناعق بالبهائم، التي لا تسمع إلا دعاء الناعق ونداءه، الذي هو تصويت بها وزجر لها، ولا تفقه شيئاً آخر ولا تعي، كما يفهم العقلاء ويعون.

وعلى هذا القول، فالمراد من المثل تشبيه حال الكفار عند سماع دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إياهم إلى الإسلام بحال الأنعام عند سماع دعوة من ينعق بها في أنهم لا يفهمون دعاء، ولا يفقهون نداء. فالغنم تسمع صوت الدعاء والنداء، ولا تفهم ما يتكلم به الناعق، والمشركون لم يهتدوا بالأدلة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم.

الثاني: أن مثل الذين كفروا في دعائهم الأصنام، كمثل الصائح في جوف الليل، لا يلقى إلا صدى لصوته وندائه. فهو يصيح بما لا يسمع، ويجيبه ما لا حقيقة فيه ولا منتفع. قال الطبري: المراد مثل الكافرين في دعائهم آلهتهم كمثل الذي ينعق بشيء بعيد، فهو لا يسمع من أجل البعد؛ فليس للناعق من ذلك إلا النداء الذي يتعبه وينصبه.

وحاصل المعنى على التقديرين: أن الكفرة لانهماكهم في اتباع الآباء، وإخلادهم إلى ما هم عليه من الضلالة، لا يلقون أذهانهم إلى ما يُتلى عليهم، ولا يتأملون فيما يقرر معهم، فهم في ذلك كالبهائم التي يُنعق عليها، وهي لا تسمع إلا جرس النغمة ودويَّ الصوت.

والغرض الرئيس من ضرب هذا المثل، تنبيه السامعين، أن الكفار إنما وقعوا فيما وقعوا فيه بسبب ترك الإصغاء، وقلة الاهتمام بالدين، فصيرهم من هذا الوجه بمنزلة الأنعام، ومثل هذا المثل يزيد السامع معرفة بأحوال الكفار، ويحقر إلى الكافر نفسه إذا سمع ذلك، فيكون كسراً لقلبه، وتضييقاً لصدره، حيث صيره كالبهيمة، فيكون في ذلك نهاية الزجر والردع لمن يسمعه عن أن يسلك مثل طريقه في التقليد والاتباع.

وعلى العموم، فالمقصود من هذا المثل ابتداء، هو تشبيه حال الكفار في رفضهم الدعوة، ويستتبع ذلك تشبيه حال النبي صلى الله عليه وسلم وحال دعوته.

ثم إن هذا المثل أيضاً قد يراد منه ذم التقليد، واتباع الآباء الضالين؛ وذلك أن هذا المثل سُبق بقوله تعالى: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا} (البقرة:170)، ومن ثم يكون هذا المثل جاء ليرسم صورة مزرية للمقلدين، تليق بهذا التقليد وهذا الجمود، إنها صورة البهيمة السارحة التي لا تفقه ما يقال لها، بل إذا صاح بها راعيها، سمعت مجرد صوت، لا تفقه ماذا يعني! بل هم أضل من هذه البهيمة، فالبهيمة ترى وتسمع وتصيح، وهم صم بكم عمي. ولو كانت لهم آذان وألسنة وأعين، ما داموا لا ينتفعون بها، ولا يهتدون. فكأنها لا تؤدي وظيفتها التي خُلقت لها، وكأنهم إذن لم توهب لهم آذان، وألسنة، وأعين.

وعلى هذا، يرسم هذا المثل -كما يقول سيد رحمه الله- صورة تبين منتهى الزراية بمن يعطل تفكيره، ويغلق منافذ المعرفة والهداية، ويتلقى في أمر العقيدة والشريعة من غير الجهة التي ينبغي أن يتلقى منها أمر العقيدة والشريعة.

ويُستفاد من هذا المثل أن المقلدين الذين ألغوا مداركهم وأفهامهم، فلم يتفكروا في خلق السموات والأرض، ولم يتوصلوا ببحثهم وتفكرهم إلى الاعتقاد الجازم، والإيمان المكين. والذين صَمَّوا عن سماع دعوة الحق آذانهم، هؤلاء هم السلبيون، مسلوبو الإرادة والتصرف. الذين كلما دعاهم داعيَ الله إلى الحق والهدى، كان قصاراهم أن يقولوا: لنا في آبائنا قدوة وأسوة، فلن نحيد عن معتقداتهم، ولن نخرج عن سننهم.

أمثال هؤلاء المقلدين مثَّلهم القرآن بالبهائم، التي تطيع صيحات راعيها من غير تفكير في مدلولاتها، لا تفهم أوامره، ولا تفقه نواهيه، ولا تعقل صيحاته وندائه، بل تسمع أصواتاً منه اعتادت عليها، تدعى بصوت، فتأتي وتُقبل، وتُصرف بآخر، فتُدبر وتعود. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

www.islamweb.net