الخطاب الإعلامي السلفي.. (السياق، والمكونات، والمرتكزات)

30/10/2011| إسلام ويب

لا تكاد تخطئ عين أي متابع للأحداث أنه منذ بدأ عهد الثورات العربية أصبحت التيارات الإسلامية في بؤبؤ النشاط الإعلامي؛ فمع تغيُّر الأنظمة السياسية العربية تغيرت كثير من المعادلات داخل تلك المجتمعات؛ سواء منها السياسية أو الاجتماعية أو الأمنية أو الإعلامية.

ففجأة أصبح النشاط السياسي والحزبي وحرية التعبير عن الرأي متاحةً للجميع، وفجأة اختفى الكابوس الأمني الذي كان يكمم الأفواه ويعتقل المصلحين ويُغَيِّب كل من يعترض عليه في غياهب السجون.
نستطيع أن نقول: إننا بصدد سياق جديد نشأ في مجتمعات ما بعد الثـورة، يلعب الإعلام فيه الدور الرئيسي لتوجيه الرأي العام، وتسيير الحالة الاجتماعية والسياسية وتشكيل وعي الجماهير؛ خاصة في ظل حالة الانهيار التي تعرَّضت لها المجتمعات العربية والإسلامية؛ فقد حرصت الأنظمة الديكتاتورية السابقة على تغييب هوية مجتمعاتها وحرمت الإنسان من قيمه الذاتية والشخصية .
هنا نشأت حالة جديدة من الصراع أصبحت فيها كل التيارات - سواء الإسلامية منها أو العَلمانية والليبرالية - في حالة سباق مع الزمان لإثبات الوجود على الساحة، عندها انبرت وسائل الإعلام - التي هي في مجملها عَلمانية الهوى والنشأة - للهجوم على التيارات الإسلامية - خاصة السلفية - لتشويه صورة تلك القوة الإسلامية الصاعدة.
وأصبحت السلفية هي الفزاعة التي استخدمها الليبراليون والعَلمانيون الخائفون من عودة الإسلام شريعة ومنهجاً للسلطة كلياً أو جزئياً؛ بحيث أصبحت الصورة الذهنية لرجل الشارع العادي: أن الشريعة الإسلامية هي تقطيع آذان وأيدي وأرجل الناس، وحرق المتبرجات وتشويههن، وما إلى غير ذلك من الادِّعاءات والأكاذيب. وتصبح مكونات الصورة النمطية يستدعي بعضها بعضاً؛ فلفظة الشريعة الإسلامية تستدعي في الذهن صورة الشخصية السلفية ذات اللحية الطويلة والجلباب القصير، وبدورها هي أيضاً تستدعي صورة القهر والسلطوية وقطع آذان وألسنة وأيدي الناس.
وإذا كنَّا بصدد الحديث عن الخطاب الإعلامي فلا بد ابتداءً من التفريق بين وسيلة الخطاب (التي ما هي إلا أداة لتوصيل الفكر)، وبين الفكر نفسه، ومناط التفريق هنا يرجع إلى أن ضعف الخطاب لا ينسحب بالضرورة على ضعف الأفكار؛ فقد يكون الفكر قوياً وناضجاً ولكن يضيعه خطابه، والعكس صحيح.
لذلك ابتداء يجب الإقرار بأن الخطاب الإعلامي الإسلامي بصفة عامة والسلفي بصفة خاصة يواجه تحديين خطيرين:
التحدي الأول: مكونات ووسائل الخطاب الإعلامي التي تبدأ من المسجد ولا تنتهي بالفضائيات:
هذا التحدي هو من الأهمية بمكان، بل يُعَد من واجبات الوقت؛ فقد أورد ابن القيم ضابطاً عظيماً في أفضل الأعمال تقرباً إلى الله وحدَّها بواجب الوقت؛ فإذا حضرت الصلاة فأفضل العبادات هي الصلاة، وإذ دعا داعي الجهاد صار الجهاد فريضة الوقت، وإذا حضر المسلم منكَراً واستطاع أن يزيله بضوابط إنكار المنكر صار أفضل العبادات إنكار المنكر... وهكذا؛ لذلك قد لا يكون في الأمر مبالغة إذا قلنا: إن امتلاك قناة فضائية أو صحيفة إسلامية تنافح وتصحِّح المفاهيم المغلوطة عند كثير من الناس، لهو أفضل من إيواء اليتامى وإطعام المساكين، والتبرع للفقراء والمحتاجين؛ ففي مصر الآن - على سبيل المثال - عشرات المطبوعات اليوميَّة والأسبوعيَّة، وكلها - تقريباً - توجِّه سهام النقد لتعاليمَ إسلامية بشكل أو بآخر في معظم الأوقات، كما أنها لا تكاد تخلو من مادة أو أكثر تحرِّض على تيارات الحركة الإسلاميَّة عامة والسلفية منها خاصة؛ فلا بد من السعي لامتلاك عدد من وسائل الإعلام ومكوناته؛ سواء المقروءة منها أو المسموعة.
إضافة إلى ذلك ينبغي الاهتمام بتشكيل فريق عمل إعلامي يتضمن أصحاب الاختصاص في الإعلام وعلم النفس وعلوم الاجتماع والعلوم السياسية إذا اقتضت الضرورة، تكون مهمتهم إعداد الدراسات الميدانية والبحوث المتخصصة المستنطقة لأهم احتياجات المجتمع المعنيِّ بالبث الإعلامي، بدلاً من الواقع الحالي لكثير من المشاريع الإعلامية التي تعتمد على التيار والجماعة لتشكيل فريق من الخبراء والاستشاريين والإداريين والتنفيذيين؛ فالإعلام لا يحتمل المجاملات والعواطف والحزبية الضيقة.
إعداد فريق مدَّرب من الفنيين: من كتاب أو معدِّين (مذيعين أو مخرجين)، تتملكهم الرغبة في الإبداع والتميز، ولديهم القدرة على فهم احتياجات المرحلة، والجرأة على خوض غمار التطوير المستمر للمواد المطروحة وطرق بثِّها والتوقيت الملائم لذلك.
هيكلة البرامج من جديد بصورة جذرية، والتفكير بصورة إبداعية علمية بنوعية المواد الإعلامية والبرامج الصالحة للعرض، وانتقاء الأفضل منها حسب رسالة الوسيلة الإعلامية وبما يحقق رؤيتها العامة وأهدافها المستقبلية.
•  بالنسبة إلى الفضائيات والوسائل الإعلامية التي تصل إلى الدول الغربية أو تنطلق منها لمخاطبة المغتربين من المسلمين هناك، فينبغي أن تولي اهتمامها لإيصال أفكار وقضايا العالم الإسلامي إلى الغرب بدلاً من الانشغال في نقل برامج بعيدة عن اهتمامات الإنسان الغربي.
التحدي الثاني: مضمون الخطاب نفسه وسيطاً لإيصال الفكرة:
فالحديث عن مضمون الخطاب يجرُّنا للإجابة عن سؤالين هامين: من نخاطب؟ وبماذا نخاطب؟
فالسؤال الأول يتمحور حول شخصية مستقبِل الرسالة الإعلامية، التي من الممكن أن نقسمها إلى عدد من الأنساق والدوائر المتداخلة:
فالنسق الأكبر هو: عامة الناس؛ سواء كانوا مسلمين أوغير مسلمين، مؤمنين أوكفاراً؛ لأن الوسائط الإعلامية الآن تشمل الكرة الأرضية، ثم الدائرة الثانية وهي الجمهور الإسلامي خاصةً، تليها الدائرة الثالثة وتشمل أبناء الحركات الإسلامية على تنوعاتهم المختلفة.
النسق الثاني: النخب الفكرية والقوى السياسية المختلفة، التي من الضروري أن يتوجه الخطاب الإعلامي الإسلامي عامة والسلفي بصفة خاصة، إلى العمل على كسب قطاع لا بأس به من نُشطاء النخب العَلمانيَّة: فإما أن يصيروا في خندق المدافعين عن الحركة الإسلاميَّة وأطروحاتها، أو على الأقل يقفون على الحياد ويكفون عن صبِّ أذاهم على الحركة الإسلاميَّة وأطروحاتها؛ وذلك يحقق مزيداً من التأثير الإعلامي والسياسي الإسلامي؛ لأن هذه النخب ذات صوت عالٍ، ورأيها مسموع في الداخل والخارج، كما أنها تمثل قطاعاً من قطاعات المجتمع الذي نعمل فيه.
النسق الثالث: العالم الخارجي الذي يرصد بدقة الخطاب الإعلامي للحركات الإسلامية؛ ليحدد موقفه منها، ويضع خططه للتعامل معها، خاصةً في حال مشاركتها المنتظرة بقوة في البرلمانات التي تلعب دوراً خطيراً في البلاد الديمقراطية أو حتى مشاركتها في الحكومات المرتقبة بعد حين، وهنا لا بد للخطاب الإعلامي أن يتبنَّى رؤية إسلامية عالمية موجَّهة إلى العالم الحذر والقلق والمترقب. ومن المفيد أن ندرك أن الغرب نفسه ليس كتلة واحدة متناغمة؛ بل يحوي في داخله تنوعاً كبيراً وتبايناً في الآراء ونستطيع أن نكسب من خلال خطاب إعلامي متزن من يدافع عن قضايانا من بني جلدتهم، وَلْنراجع - على سبيل المثال - موقف جورج غالوي من القضية الفلسطينية.
والسؤال الثاني يتمحور حول تحديد مضمون الخطاب ومرتكزاته:
لا شك أنه لكل خطاب ورسالة إعلامية مرتكزاتها، ولكل مرحلة زمنية طبيعتها. والسلفية وأخواتها من التيارات والحركات الإسلامية جميعها تمر بمرحلة غاية في الدقة، تستلزم وضع أطر ومرتكزات واـضحة، تضبط الخطاب الإعلامي بضوابط محددة.
فمن الضروري أن يكون الخطاب الإعلامي السلفي خطاباً تسامحياً مجمِّعاً لا تصادمياً منفِّراً.
مع تسامحية الخطاب ينبغي أن يكون مزيلاً للشبهات؛ سواء منها التي تتعرض للإسلام كمنهج أو تلك الشبهات التي تساهم في تشويه حَمَلَة رسالة الإسلام من الدعاة والمصلحين.
أن يكون الخطاب مطمئناً للمسلمين والأقليات، للداخل وللخارج، للتيارات كافة (الإسلامية منها وغير الإسلامية).
التركيز على القضايا ذات البعد الجماهيري التي تحظى باهتمام شعبي قوي. وأن يبتعد عن القضايا التي تَظهر للناس بالمظهر الفئوي.
أن يكون شاملاً لكافة مناحي الحياة ومجالاتها، وأن يكون الخطاب الإسلامي قادراً على ترسيخ قيمة الشمول، وأنه جاء لسعادة الفرد في كافة مناحي الحياة.
•  أن يكون الخطاب الإعلامي الإسلامي عالِـماً بمتطلبات العصر وتطبيقات المرحلة، ويتبنَّى هموم الأمة، ويشعر رجل الشارع بأن من يتحدث يملك حلاً إسلامياً عملياً لا مجرد نظريات لا حياة فيه.
• أن يكون مهتماً بعملية التغيير الحقيقي، تغيير السلوكيات والأخلاق على المستوى العام والخاص.

المساهمة في صناعة الرأي العام (الإسلامي والعربي)، والانتقال بالجمهور الإسلامي إلى وعي أكبر وحضور مؤثر؛ خاصة على الصعيد السياسي والإعلامي.
ــــــــــــــــــــ
أحمد عمرو (البيان:287)

www.islamweb.net