الوضع في الحديث 2-3

09/09/2012| إسلام ويب

أحس الأئمة والعلماء بالخطر الداهم الذي نشأ مع الوضع، فانتدبوا أنفسهم للمحافظة على السنة واجتهدوا في ذلك، فعنوا بالإسناد واهتموا به، وفحصوا أحوال الرواة بعد أن كانوا يرجحون توثيق من حدثهم، وطلبوا الأسانيد منهم قبل المتون، لأن السند للخبر كالنسب للبشر، يقول الإمام محمد بن سيرين عن ذلك: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة, قالوا: سموا لنا رجالكم, فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم, وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم".

وقد أثمرت جهود علماء الحديث في الكشف عن الأحاديث الموضوعة وعزلها وإخراجها من دائرة الحديث النبوي الشريف؛ الأمر الذي حفظ على المسلمين دينهم وتاريخهم؛ لأن السنة هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي كما هو مقرر ومعلوم.

والحديث الموضوع قد يخترعه الواضع من نفسه ابتداءً, وينسبه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم, ويُعرف ذلك: إما بإقراره أو ما ينزل منزلة الإقرار كأن يدعو الحديث إلى مبدأ يدعو إليه الوضاع، أو تدل على ذلك قرائن الأحوال.

وقد يأخذ الواضع كلام غيره فينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم, ويكون الموضوع إما من كلام الصحابة أو من كلام التابعين أو بعض قدماء الحكماء، ونحو ذلك.

وقد يهم الراوي فينسب كلام الغير إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن غير قصد وتعمد للوضع مثل: (ومن كثرت صلاته في الليل حسُن وجهه في النهار)، ولذا عده بعضهم في حكم المدرج.

علامات الوضع في السند

وقد ذكر العلماء علامات كثيرة في السند وأخرى في المتن تدل على الوضع والاختلاق، أو على أن الحديث مختلق مصنوع، وأن نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم محض افتراء، وفيما يلي أهم علامات الوضع في السند:

1- أن يكون راوي الحديث معروفًا بالكذب - ولا يروي الحديث أحد الثقات -، وقد اعتنى علماء الحديث بأحوال الرجال وبعلم الجرح والتعديل، وبذلوا عناية فائقة بمعرفة الكذابين وحياتهم وتاريخهم، وقاموا بتتبع أحاديثهم، ووضعوا في ذلك المصنفات الخاصة.

2- أن يروي عن شيخ لم يثبت لقياه له، لأنه ولد بعد وفاة هذا الشيخ، أو لأنه لم يدخل المكان الذي ادّعى سماعه فيه، كما حدث عبد الله بن إسحاق الكرماني عن محمد بن أبي يعقوب، فقيل له: مات محمد قبل أن تولد بتسع سنين، وكما ادعى مأمون بن أحمد الهروي أنه سمع من هشام بن عمار، فسأله الحافظ ابن حبّان: متى دخلت الشام؟ قال: سنة خمسين ومائتين، قال ابن حبان: فإن هشامًا الذي تروي عنه مات سنة خمس وأربعين ومائتين.

ولا شك أن العمدة في مثل هذه الحالة على التاريخ: تاريخ مواليد الرواة وإقامتهم ورحلاتهم وشيوخهم ووفاتهم؛ لذلك كان علم الطبقات علمًا قائمًا بذاته لا يستغني عنه نقّاد الحديث.

3- أن يعترف واضع الحديث بالوضع، كما اعترف نوح بن أبي مريم بوضعه أحاديث فضائل السور - أو حديث فضائل القرآن سورة سورة -، واعتذر عن ذلك بأنه رأى الناس قد أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحاق، وقد عدّ العلماء من أسباب الوضع في الحديث، أو أضافوا إليها: "الجهل بالدين مع الرغبة في الخير"، فقد قام بعض الزهاد الذين نسكوا نسكًا أعجميًّا بوضع أحاديث في الترغيب والترهيب، ظنًا منهم أنهم يتقربون إلى الله، ويحببون الناس بالعبادة والطاعة، لأن هؤلاء حين ذُكّروا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار)، قالوا: نحن نكذب له لا عليه.

علامات الوضع في المتن

وعلى الرغم من أن قواعد دراسة الأسانيد قد مكنت العلماء من التعرف على الموضوع من الحديث، وهيأت لهم فرصة تنقية الأحاديث النبوية من الدخيل والموضوع؛ فإن هذا لم يمنع العلماء من وضع قواعد لنقد متون الأحاديث في المرحلة التالية من مراحل نشأة علم المصطلح، وهو النقد الذي دعاه بعض العلماء بـ"النقد الداخلي"، في حين سمّوا نقد الأسانيد ودراسة أحوال الرواة "النقد الخارجي"، وهو النقد الذي يسبق إلى الخاطر حين يخبرك أحد بخبر عن آخر؛ فإنك تستوثق أولاً من صدق المخبِر، بالنظر في حاله وأمانته ومعاملته وغير ذلك، فإذا استوثقت منه نظرت بعد ذلك في الخبر نفسه، ويصح أن يكون مرجعها وهمًا أو نسيانًا من المخبر، كما يصح أن ترجع إلى سر في الأمر لم تتبينه، ولعل في مستقبل الزمن ما يكشف السر ويوضح لك ما غاب عنك، فإذا أنت لم تقتصر على التوقف في الخبر في هذه الحالة، بل حكمت بكذبه، كان ذلك افتئاتًا منك على من أخبرك، ونقضًا لما أبرمته، إذ كذبت المخبر وأنت له مصدِّق وبه واثق.

وأما أهم علامات الوضع في المتن - وهو نصّ الحديث النبوي المروي أو المنقول -، وهو المقصود بالحماية من الكذب والتحريف، أو هو الذي نشأ علم مصطلح الحديث للتحقق من صحة نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنوجزها فيما يلي:

1- أن لا يخالف صريح القرآن الكريم، مثل حديث: "ولد الزنا لا يدخل الجنة إلى سبعة أبناء"، فإنه مخالف لقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} (الأنعام: 164).

2- أن لا يكون ركيك اللفظ، بحيث لا يقوله بليغ أو فصيح؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفصح من نطق بالضاد، وقد أوتي جوامع الكلم؛ بل إن بلاغته الفريدة تقع على القنطرة الواصلة بين إعجاز القرآن وبلاغة البلغاء.

3- أن لا يكون الحديث فاسد المعنى لمخالفته لبدهيات العقول، مثل: "أن سفينة نوح طافت بالبيت سبعًا، وصلّت عند المقام ركعتين"، أو خروجه عن القواعد العامة في الحكم والأخلاق، مثل: "جور الترك ولا عدل العرب"، أو مخالفته للحس والمشاهدة ولسنن الله تعالى في الكون والإنسان، مثل: أن نوحًا عليه السلام كان يدخل يده في البحر فيلتقط السمكة من قاعه ويشويها قرب الشمس، أو لاشتماله على سخافات يصان عنها العقلاء، مثل: "اتخذوا الحمام المقاصيص فإنها تُلهي الجِنَّة عن صبيانكم".

4- أن لا يشتمل الحديث على إفراط في الثواب العظيم على الفعل الصغير، والمبالغة بالوعيد الشديد على الأمر الحقير.

وأخيرًا ما أحسن قول الإمام ابن الجوزي: "ما أحسن قول القائل: كل حديث رأيته تخالفه العقول، وتناقضه الأصول، وتباينه النقول؛ فاعلم أنه موضوع".

www.islamweb.net