كيف ننتفع بالقرآن؟!

19/02/2013| إسلام ويب

القرآن هو كلام الله المعجزُ، المتعبدُ بتلاوته، المنزَّلُ من الله تعالى بلفظه ومعناه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والمنقول إلينا بالتواتر.

أحيانا به بعد الموات، فهو الروح التي نفخت في هذه الأمة فبعثت بعد وفاتها {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(الشورى:52).

أضاء لنا به الطريق: فهو النور الذي أخرجنا به من الظلمات: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(المائدة:16).

انتشلنا به من الضياع: وهدانا به من الضلال، وأنقذنا به من الهلاك، أعلى به قدرنا ورفع به ذكرنا، وأعزنا به من الذلة، وكثرنا به من القلة، وأعلى به مقامنا فوق رؤوس الأشهاد: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ}(الأنبياء:10).

أسعد به حياتنا، وجمل به آخرتنا: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى}(طـه:123)

خير كتاب أُنزل على خير نبي أرسل، إلى خير أمة أخرجت للناس؛ ليكون لها دستورًا ومنهج حياة، فهو كتاب هداية وإعجاز، وأحكام وشرائع، وقصص وأمثال، وحكم ومواعظ، وهو الكتاب الذي يرسم للمؤمن والطريق الذي يسلكه في تصوره وعقيدته، وفي عمله وسلوكه، وفي نفسه وأسرته، علاقته مع سائر الناس.

هو المخرج من الفتن، والهادي من الضلال؛ كما روي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إنها ستكون فتن قال: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه جبارا قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسن ولا تنقضي عجائبه ولا تشبع منه العلماء من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم". (ضعفه الألباني) ويروى هذا الكلام عن علي وهو أصح.

هذا الكتاب رسائل من الله للعباد، فيها أوامره ونواهيه، ومساخطه ومراضيه، والعبد لا يعلم ذلك إلا بأن يفتح الرسالة فيقرؤها أولاً ثم يتدبرها ثانيًا، ثم يتفهمها ليعمل بما فيها، ولن ينتفع عبد برسالة تسلمها ثم نظفها، وفي أجمل مكان في البيت وضعها ليتبرك بها أو ليحفظه الله بها؛ لابد من القراءة والتدبر والعمل، ولذلك أثنى الله على الذين يقرؤون القرآن ويتدبرونه فيؤثر في ظواهرهم وبواطنهم، فتقشعر منه جلودهم وتخشع له قلوبهم، وتدمع منه عيونهم، وهؤلاء هم أهل الهداية: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}[الزمر:23].

السلف والقرآن:
لقد عرف الأولون فضل القرآن فأقبلوا عليه ينهلون منه وينتفعون بما فيه، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان صورة حية من القرآن تمشي على هذه البسيطة.
ففي البخاري وأحمد عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن خُلقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: [كان خلقه القرآن].
فمن أراد أن يتعرف على أخلاق القرآن فلينظر إلى خلقه، ومن أراد أن يتأدب بأدب القرآن فيتأدب بأدبه، ومن أحب أن يعيش بالقرآن فليلتزم هديه وليتمسك بسنته صلى الله عليه وسلم.

وأما الصحابة فكان موقفهم من القرآن يقوم على ثلاثة أمور أبلغتهم مقصدهم:
الأول: الاستقاء منه وحده:
فاتخذوه دستور حياة يستقون منه وحده، ويستغنون به عن كل ما سواه، فهو نبعهم الصافي ووردهم الكافي. مسترشدين بقوله تعالى عن الذين لم يكتفوا به: {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[العنكبوت:50، 51].

لبيد الشاعر صاحب المعلقة الشهيرة أسلم وأقسم ألا يقول الشعر بعد أن سمع القرآن.. روى ابن عبد البر أن عمر رضي الله عنه قال له يوما: قل لي من شعرك؟ فقرأ عليه من سورة البقرة.

الثاني: العمل الحقيقي بما فيه:
فعن أبي عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا الذين كانوا يقرؤوننا القرآن كعثمان وابن مسعود أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات من القرآن لم يجاوزها حتى يعلموا ما فيها ويعملوا بها، فتعلموا العلم والعمل جميعًا.

وجاء في شعب الإيمان للبيهقي: أن ابن عمر بقي ثماني سنوات في سورة البقرة فلما ختمها أولم وذبح شاة.
وأن عمر بقي فيها اثنتي عشرة سنة.

الثالث: ترك كل ما سواه وخالفه وكراهية ذلك:
فقد كانوا يعيشون معنى قوله تعالى: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ}[الأنبياء:10].. فرأوا أن القرآن عزهم وفخرهم ومجدهم؛ فأقبلوا عليه وحده وتركوا كل ما عداه، خصوصا مع قوله تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء}، وقوله: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون}؛ فاتبعوه رضوان الله عليهم لينالوا به خير الدارين، وليتجنبوا الوقوع فيما حذرهم منه نبيهم عليه الصلاة والسلام كما روى الحاكم بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [إن من اقتراب الساعة أن ترفع الأشرار، وأن توضع الأخيار، وأن يفتح القول، وأن يخزن العمل، وأن يقرأ في الناس بالمثناة ليس فيهم من ينكرها. قالوا: وما المثناة: قال: كتب غير كتاب الله].

ومرت سنون وتتابعت أزمان على هذا الجيل الطيب المبارك. ثم جاء جيل آخر، قرئ فيهم بالمثناة وابتعدوا عن القرآن، وصار الغناء أحب إلى البعض من آيات القرآن، ونطق البعض بأن الموسيقى الهادئة والغناء يسمو بالنفس ويريح القلب ويغذي الروح... وقديما قال ابن القيم:
حب الكتاب وحب ألحان الغنا .. ... .. في قـلب عبد ليس يجتمعان
ثـقـل الكـتاب عليهم لـما رأوا .. ... .. تقيـيـدة بشــرائـع الإيـــمان
واللـهو خـف علـيهم لما رأوا .. ... .. ما فيه من طرب ومن ألحان

عودة لازمة
إننا نحتاج أن نعود إلى القرآن.. ليس قراءة وتلاوة فحسب، وإنما عودة شاملة كاملة.. أن نعود إليه قراءة وتدبرا، ودراسة وتعلما، وعملا وتأدبا، وأن نعود إليه تحكيما وتحاكما؛ إذ ماذا تغني القراءة إذا لم تحمل على العمل والاتباع؟!.

لقد ذكر الله أمة أعطاها كتابا فنبذته وراءها ظهريا وأعرضت عنه فقال فيهم: {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا}.. وذكر الله عبدا آتاه علما فلم يعمل به فقال: (فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث).

وهكذا كل أمة تعرض عن كتابها المنزل وشرعها المكرم وتلتفت إلى غيره يكون هذا مثلها وهذه صفتها.

 

www.islamweb.net