محمد بن القاسم.. وطاقات الشباب

04/03/2013| إسلام ويب

في سنة 88هـ حدث أن سفينة عربية كانت قادمة من جزيرة الياقوت (بلاد سيلان) عليها نساء مسلمات مات آباؤهنَّ في بعض بلاد السند ولم يبق لهنَّ راعٍ هناك، فقررن السفر للإقامة في العراق، وبينما كانت السفينة في طريقها إلى البصرة مارة بميناء «الديبل» ببلاد السند، خرج قراصنة من السند واستولوا عليها. فبعث الحجاج حملتين على «الديبل» ولكن الحملتين فشلتا وقتل القائدان على يد جنود السند.

ووصلت الأخبار إلى الحجاج أن النساء المسلمات مسجونات في سجن «الديبل» ويأبى ملك السند الإفراج عنهن عنادًا للعرب، فأرسل الحجاج جيشًا كبيرًا لفتح تلك البلاد التي كان قراصنتها يضايقون السفن العربية التجارية المارة بين موانئ البلاد العربية وموانئ بلاد الهند.

واختار محمد بن القاسم الثقفي ليكون قائد جيش المسلمين وكان عمره 17 سنة، فتحرك القائد الشاب بجيش تعداده ستة آلاف مقاتل سنة 90هـ، وهناك انضم إليه ستة آلاف من الجند، فاتجه نحو بلاد السند وفتحها مدينة بعد أخرى في مدة سنتين إلى أن التقى جيش المسلمين بقيادته الشابة مع الجيش السندي بقيادة الملك داهر في معركة دامية مصيرية سنة 92هـ، فانتصر المسلمون وقتل ملك السند في الميدان.

وقد برزت مواهب محمد بن القاسم الفذة في القيادة وإدارة المعارك حيث حفر الخنادق ورفع الرايات والأعلام ونصب المنجنيقات، ومن بينها منجنيق يقال له: العروس كان يقوم بتشغيله عدد كبير من الجند، تقذف منه الصخور إلى داخل الحصون فيدكها دكًّا.

واستمر محمد بن القاسم في فتوحاته لبقية بلاد السند حتى انتهى منها سنة 96هـ، ليكون بذلك مؤسسًا لأول دولة إسلامية في الهند، وليبقى اسمه شامخًا في سجل الفاتحين الأبطال، وقد كان محمد بن القاسم رغم صغر سنه متميزًا برجاحة العقل وحسن الإدارة والتدبير ومتصفًا بالعدل والكرم.. وفيه قال الشاعر:

إن المــروءة والسماحـــة والنـدى .. .. لمحمد بن القاسـم بن محمد
ساس الجيوش لسبع عشرة حجّة .. .. يا قرب ذلك سؤددًا من مولد

لقد أثبت محمد بن القاسم أن تحمل المسؤولية أثناء الشباب ليس من باب تكليف ما لا يطاق ولا هو خلل تربوي بل هو الأسلوب الصحيح في بناء الرجال، وما أحوجنا إليه في عصرنا هذا الذي كثرت فيه ميوعة بعض الشباب وتفاهة أفكارهم وضعف هممهم حتى أنك ترى أحدهم وقد قارب الثلاثين فارًا من المسؤولية ومؤثرًا العيش على الهامش همه في الحياة الركض وراء شهواته.

صناعة جيل
إننا اليوم أحوج ما نكون لصناعة جيل جديد من الشباب يمتلك مقومات الرجولة والمروءة ويتحمل المسؤولية ومستعد للتضحية والإنجاز فينفع نفسه وأمته. وهذا لا يتحقق إلا من خلال إعادة النظر في كثير من مناهج التربية الموجودة وفي نظرتنا وتعاملنا مع الشباب مع إيمان المجتمع بفئاته كافة بهذا الهدف وتكاتف جهودهم في سبيل ذلك.

وأيضًا من خلال الثقة بهم وفتح المجال أمامهم للوصول لمناصب القيادة التي تحتاج للدماء الجديدة وإزاحة الديناصورات التي تعشش في الأماكن القيادية لفترات طويلة مع تواضع في الأداء وفقر في الإبداع.

إن أغلى ثروة لأي أمة ليس البترول والغاز ولا غيرها من الثروات المادية، وإنما ثروتها الحقيقية شبابها الذين يمثلون حاضرها وعماد مستقبلها.

هذا وإن تولية الشباب المسؤولية ودعمهم وتشجيعهم للنجاح فيما كلفوا به منهج تربوي نبوي، فقد ولى عليه السلام أسامة بن زيد إمارة الجيش وعمره 18 سنة، وكان عمر بن الخطاب يُجلِس عبد الله بن عباس مع كبار الصحابة رغم صغر سنه يستشيره ويعجب برأيه، فما أحوجنا اليوم أن نعود لاكتشاف مواهب وطاقات الشباب وإعطائهم الفرصة لإثبات وجودهم وتفجير طاقاتهم وإظهار إبداعهم في خدمة دينهم وأوطانهم وتحقيق ذواتهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشيخ فيصل بن جاسم آل ثاني ـ كاتب وأكاديمي قطري
 

www.islamweb.net