وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ

25/08/2013| إسلام ويب

للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند ربـه مقام عظيم، وقـدر جليل، فاق كل الخلائق أجمعين، فهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ سيد ولـد آدم، ولا يعرف حقيقته وعظيم قدره إلا خالقه سبحانه وتعالى .. والمتأمل في آيات القرآن الكريم ونصوص السنة النبوية الصحيحة يجد الكثير من الأدلة التي تبين مكانة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعِظم قدره عند ربه ـ عز وجل ـ، فقد حباه الله وامتن عليه وأكرمه بخصائص كثيرة في الدنيا والآخرة، دلت على جليل قدره وشرف منزلته عند ربه، قال الله تعالى: { اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }(الحج:75)..
ومن هذه الخصائص قوله تعالى: { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ }(الشرح:4) .. فرَفْعُ ذِكْرِ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أجَّل النعم، وأعظم الخصوصيات، ومن الشمائل الحميدة، التي تدل على حب الله - تعالى - لرسولنا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ .. 

{ وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ }(الشرح:4) :

قال ابن كثير: " قال مجاهد: لا أُذكر إلا ذكِرْتَ معي، أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، وقال قتادة: رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة فليس خطيب ولا متشهّد ولا صاحب صلاة إلا ينادي بها أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " .. وأورد من شعر حسان بن ثابت :

          أغـرَّ عـليه للـنبـوةِ خـاتـمٌ              من اللهِ مشهـودٌ يـلـوحُ و يُـشهــدُ
         
ضمَ الإله اسم النبي إلى اسمهِ          إذا قال في الخمسِ المـؤذنِ: اشهـدُ
         وشـق له مـن اسـمه لـيـجُـلـه           فـذو العـرشِ محمودٌ وهـذا محمدُ

وقال القرطبي: " وروي عن الضحاك عن ابن عباس قال: يقول له: ما ذُكِرْتُ إلا ذكِرْتَ معي في الأذان، والإقامة والتشهد، ويوم الجمعة على المنابر، ويوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام التشريق، ويوم عرفة وعند الجمار، وعلى الصفا والمروة، وفي خطبة النكاح، وفي مشارق الأرض ومغاربها، ولو أن رجلا عبد الله - جل ثناؤه -، وصدّق بالجنة والنار وكل شيء، ولم يشهد أن محمدا رسول الله، لم ينتفع بشيء وكان كافرا " .

وقال الشيخ السعدي: { وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ } أي: أعلينا لك قدرك، وجعلنا لك الثناء الحسن العالي الذي لم يصل إليه أحد من الخلق، فلا يُذكر الله إلا ذكِرَ معه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، كما في دخول الإسلام، وفي الأذان والإقامة، والخطب، وغير ذلك من الأمور التي أعلى الله بها ذكر رسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وله في قلوب أمته من المحبة والإجلال والتعظيم ما ليس لأحد غيره، بعد الله تعالى، فجزاه الله عن أمته أفضل ما جزي نبيّا عن أمته " .

ومن صور ووجوه رفع ذِكْرِهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

- اقتران اسمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع اسم الله - سبحانه -، وهو أعظم وأجل أوجه رفع الذكر، ولا يمكن أن نستوعب عظيم هذا الأمر، إلا إذا علمنا ووقر في قلوبنا عظيم شأن الله ـ عز وجل -، الخالق لكل شيء، المتصرف في كل شيء، العالم بكل شيء، المقدر لكل أمر، النافذ حكمه في كل أحد، قال تعالى واصفا قدرته وعظمته: { وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ }(الزمر: 67) ، وقال تعالى واصفا إحاطته بعلم كل شيء: { وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ }(الأنعام: 59) ، فهل بعد هذا التكريم من الله ـ عز وجل لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والرفع والإعلاء والتشريف من رتبة أعلى؟!! .

- ذِكْرُهُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الملأ الأعلى، وذلك بصلاة الله تعالى والملائكة عليه، بالثناء والذكر الحسن، بل ينسحب هذا الثناء والذكر الحسن إلى المؤمنين ببركة صلاتهم عليه، لقوله ـ صلى الله عليه وسلم : ( من صلى عليَّ صلاة، صلى الله عليه بها عشرا ) رواه مسلم .

- حفظ الله لعِرْضِه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مِنْ سب ولعن كفار قريش، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ألا تعجبون كيف يصرف الله عنّي شتم قريش ولعنهم!، يشتمون مُذمّما، ويلعنون مذمّما، وأنا محمّد ) رواه البخاري .
من كمال رفع الذكر أن يذكر الإنسان بكل الصفات الحميدة، وأن يُبَّرَّأ من كل سب ولعن، وقد أثبت الحديث أن الذي صرف عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ السب واللعن هو الله سبحانه وتعالى، وأن أمر صرف هذا اللعن والسب مع حرص كفار قريش عليه، من الأمور العظيمة التي يُتعجب منها، وما يتعجب منه يجب الوقوف عنده للتأمل والتدبر .

ومن أوجه وصور رفع ذكره ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

لم يناده الله - سبحانه - باسمه أبدا في القرآن العظيم، فلم ترد آية واحدة بصيغة ( يا محمد ) كما ورد عن بقية الأنبياء، عليهم جميعا ـ الصلاة والسلام ـ، كما في قوله تعالى: { يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا }(هود: من الآية76)، وقوله تعالى: { قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ }(هود: من الآية48)، وقوله: { إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ }(آل عمران: من الآية55)، وهكذا مع كل الأنبياء، ولما ذكر اسمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان على سبيل الإخبار وأتبع بصفته، قال تعالى: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ }(الفتح: من الآية29) ..
ولا شك أن توجيه الخطاب إليه في القرآن الكريم، دائما بصيغة الرسالة: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ }(المائدة: من الآية41)، أو بصفة النبوة كقوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّه }(الأنفال: من الآية64)،  هو من علامات رفع ذكره وعلو شأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

- ومنها : أن الله تعالى أمر بعدم التسوية بين دعائه ودعاء غيره، قال تعالى: { لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً }(النور: من الآية 63) . قال ابن كثير: " قال ابن عباس: كانوا يقولون: يا محمد، يا أبا القاسم، فنهاهم الله ـ عزَّ وجلَّ ـ عن ذلك، إعظاماً لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، قال: فقولوا: يا نبي الله، يا رسول الله، وقال قتادة: أمر الله أن يُهاب نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأن يُبَّجَّل، وأن يعظم، وأن يسود، وقال مقاتل في قوله: { لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً } يقول: لا تسموه إذا دعوتموه يا محمد، ولا تقولوا: يا ابن عبد الله، ولكن شرِّفوه فقولوا: يا نبي الله، يا رسول الله " .

- ومن كمال رفع ذكره ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن جعل الله - سبحانه وتعالى - كتابه أحسن الكتب، قال تعالى: { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ }(الزمر: 23)، بل جعل كتابه ـ صلى الله عليه وسلّم ـ مهيمنا على بقية الكتب، قال تعالى: { وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ }(المائدة: من الآية 48) .

وكذلك من رفع ذكره ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن خصه الله ـ عز وجل ـ بأزكى الخُلق، وأثنى عليه به في كتابه العزيز، فقال تعالى: { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }(القلم: 4) .. وكل ذلك وغيره من تمام رفع ذكره ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

ومن أجلّ مظاهر رفع ذكره ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الله - عزّ وجلّ - قد أبطل كل شبهات الكافرين وأكاذيبهم حوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فما من شبهة أثارها الكفار أو أكذوبة مثل الجنون والسحر، وادعاء كتابة القرآن من عنده أو من غيره من البشر، إلا وأقام القرآن الكريم ـ ومِن بعده علماء السلف والخلف ـ الحجج الدامغة على كذبها وفريتها .

فائدة :

ليس معنى رفع ذكره ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن يذكر كلما ذُكِر الله ـ عز وجل ـ في مثل التشهد والأذان، أن ذلك يعني التشريك في الأمر، أو المساواة في التعظيم، كلا، فما زال وسيظل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبدا مخلوقا، فلا يجب أن نخلط بين الأمرين، فكما أن الله هو الذي رفع ذِكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فهو نفسه ـ سبحانه وتعالى ـ الذي علمنا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس له من الأمر شيء، قال الله تعالى: { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ }(آل عمران: 128)، فالغلو فيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورفعه فوق منزلة العبودية والنبوة، وإشراكه في علم الغيب، أو سؤاله من دون الله، أو الحلف به، مخالف لهديه ودعوته، بل يخالف الأصل الذي أرسله الله به وهو التوحيد، فهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبد الله ورسوله، وهو يفتخر بذلك أشد الافتخار، ومن ثم قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( لا تُطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله ) رواه البخاري .

                       فمبلغ العلم فيه أنه بشر         وأنه خير خلق الله كلهم

 

www.islamweb.net