من لوازم الصدق في الدعوة

27/05/2014| إسلام ويب

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}[التوبة:119].
هكذا أوصى الله تعالى عباده المؤمنين.. والدعاة إلى الله أولى الناس باتباع هذا الأمر والإسراع إلى امتثاله والتخلق به؛ لما له من أثر عليهم وعلى دعوتهم ومدى قبول الناس لهم ولها..

غير أن هذا الخلق أو هذا الحال لا يتأتى إلا بالتزام أسبابه والتمسك بأهدابه واستعمال مفاتيح أبوابه.. فمن لوازم الصدق عند الدعاة كما ذكرها بعضهم وهو ينصح نفسه وإخوانه.. يقول:

إن من لوازم الصدق ومقتضياته أن تكون الدعوة إلى الله عز وجل والجهاد في سبيله لأجل الله عز وجل وابتغاء مرضاته، فلا تكون لأجل مال أو منصب أو جاه أو كسب شهرة أو تعصب لشيخ أو حزب أو طائفة، لأن كل ذلك ذاهب وضائع وممحوق البركة في الدنيا والآخرة، فحري بنا أن نحاسب أنفسنا ونحن في طريق الدعوة والجهاد في سبيل الله، و نتبين مدى صدقنا في دعوتنا إلى الله سبحانه، وهل هي خالصة لله وحده، أم يشوبها ما يشوبها من أعراض الدنيا الفانية..؟!

وإن من لوازم الصدق في الدعوة إلى الله سبحانه أن يبادر الداعية إلى تصديق قوله وما يدعو إليه بفعله، وأن لا يقول بلسانه ما ليس في قلبه، أو يرغب في فعل ولا ينوي القيام به، أو يظهر للناس حرقة وغيرة على هذا الدين والأمر لا يتعدى شقشقة اللسان، والقلب مشحون بأمر الدنيا وشهواتها وغارق في وديانها، إن كل ذلك مما ينافي الصدق في الدعوة إلى الله عز وجل.

مع أهمية سلامة قلب الداعية من الغل والحقد والحسد على إخوانه الآخرين من الدعاة، وإنما يُكنّ المحبة لكل مصلح يدعو إلى الخير، ويتعاون معه في طاعة الله عز وجل، ولا يحتقر جهده مهما قل، ولا تراه إلا حريصاً وساعياً إلى اجتماع الكلمة ووحدة الصف، فالداعية الصادق يكره الفرقة والاختلاف إذا لم يكن في أصول الدين وكلياته، والدعاة الصادقون يرحم بعضهم بعضاً، ويرفق بعضهم ببعض، ويتناصحون فيما بينهم.

كما أن الصدق مع الله سبحانه في الدعوة والجهاد يفرض على المسلم أن يكون على بصيرة فيما يدعو إليه ويجاهد من أجله، وهذا يلزمه التفقه في الدين والتبصرة فيه بما قال الله عز وجل وقال رسوله - صلى الله عليه وسلم- وفهِمَه الصحابةُ الكرام رضي الله عنهم.
وإن من لوازم الصدق في الدعوة إلى الله سبحانه الحذر من كيد الأعداء المتربصين بهذا الدين وأهله من الكافرين والمنافقين، وبخاصة في زماننا هذا الذي تنوعت فيه أساليب المكر والخبث، فحري بالداعية الصادق أن يتفطن لدسائس الأعداء ودجلهم ونفاقهم ـ ولو ألبسوا ذلك كله لبوس الحكمة والمصلحة.

إن التنازل اليسير من الداعية إلى الله سبحانه لا يقف عند حد، بل تتبعه تنازلات وتنازلات، لأن أعداء هذا الدين لا يكتفون بالقليل من الداعية، وقد حذر الله سبحانه نبيه - صلى الله عليه وسلم-من هذا الخطر فقال: {فلا تُطِعِ المكذبين * وَدُّوا لو تُدْهِنُ فَيُدْهِنُون}[القلم: 8-9]، والحقيقة التي ينبغي أن يعيش فيها أصحاب الدعوة إلى الله هي هذه الحقيقة التي لقنها الله لصاحب الدعوة الأولى - صلى الله عليه وسلم- وهي أن التكليف بهذه الدعوة تنزل من عند الله فهو صاحبها، وأن الحق الذي تنزلت به لا يمكن مزجه بالباطل الذي يدعو إليه الآثمون الكفار، فلا سبيل إلى التعاون بين حقها وباطلهم، أو الالتقاء في منتصف الطريق بين القائم على الحق والقائمين على الباطل، فهما منهجان مختلفان وطريقان لا يلتقيان، فأما حين يغلبه الباطل بقوته وجمعه -على قلة المؤمنين وضعفهم لحكمة قضاها الله- فالصبر حينئذ حتى يأتي الله بحكمه. والاستمداد من الله والاستعانة بالدعاء والتسبيح هما الزاد المضمون لهذا الطريق.

إنها حقيقة كبيرة لا بد أن يدركها ويعيش فيها رواد هذا الطريق، فكثيرة تلك المحاولات التي حاول المشركون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فيها المساومة على الدعوة، ولكن الله عصم منها رسوله، وهي محاولات الطغاة مع أصحاب الدعوات دائماً؛ محاولة إغرائهم لينحرفوا ولو قليلاً عن استقامة الدعوة وصلابتها، ويرضوا بالحل الوسط الذي يغرونهم به في مقابل مغانم كثيرة، ومن جملة الدعاة من يفتن بهذا عن دعوته لأنه يرى الأمر هيناً، فأولئك لا يطلبون منه أن يترك دعوته كلياً، إنما يطلبون، فقط بعض تعديلات "طفيفة!!"، ليلتقي الطرفان في منتصف الطريق.

ومن لوازم الصدق في الدعوة أن يحذر الداعية من الكذب على إخوانه المسلمين والدعاة المصلحين، ومن ذلك إشاعة الأخبار قبل التحقق من صحتها واستخدام الأساليب الملتوية والمراوغات بحجة السياسة والمصلحة.. كل هذا لا يتفق وصدق الداعية وسلامة قلبه.
ومن لوازم الصدق في الدعوة إلى الله سبحانه أن يعتني كل مسلم منا بنفسه بالوسائل الشرعية للتربية، وذلك في وسط بيئة صالحة معروفة بصحة الفهم وحسن القصد، يتربى معها، ويعد نفسه للتضحية في سبيل الله عز وجل وبذل المال والنفس في ذلك، وأن يوطن نفسه لابتلاءات الطريق ومشاقه، التي هي سنة من سنن الله عز وجل لتمحيص الصفوف، قال تعالى: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[العنكبوت:2-3] فلا يتبين الصادق في دعوته من الكاذب إلا بالابتلاء. نسأل الله عز وجل العافية والصبر عند البلاء.

إن الداعية الذي يهمل نفسه فلا يربيها ويعدها للبيع على الله عز وجل، يوشك أن ينهزم وتخذله نفسه عند أول هزة وأول اختبار، مع أنه يحب لنفسه غير ذلك مما يعيشه في حال الرخاء والأمن من الحماس العاطفي والكلام الذي لا يجاوز التراقي.

وإنني بهذه المناسبة أوصي نفسي وإخواني الدعاة والمجاهدين ألا نتكلم في أمر، أو نقدم على موقف من مواقف الدعوة حتى تتوفر فيه الشروط التالية:
1- الاطمئنان التام أنه الحق الذي يحبه الله تعالى، وإعداد النفس لتحمل تبعاته.
2- الاطمئنان التام على أن القيام في هذا الأمر هو لله سبحانه وحده وابتغاء مرضاته.
3- الاستعانة بالله وحده في تحقيق هذا الأمر والثبات عليه، إذ لا قدرة للعبد لحظة واحدة بدون عون الله وتوفيقه.
يا إخواني الدعاة: والله.. إن الأمر جد ليس بالهزل.
قد رشحوك لأمر لو فطنت له .. .. فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

 

www.islamweb.net