لفظ (السبب) في القرآن

15/02/2015| إسلام ويب

أصل (السبب) عند العرب: كل ما تسبب به إلى الوصول إلى المطلوب: من حبل، أو وسيلة، أو رحم، أو قرابة، أو طريق، أو محجة، وغير ذلك. تقول: فلان سببي إليك، أي: وصلني. وما بيني وبينك سبب، أي: وصلة ورحم. وقطع الله به السبب، أي: الحياة. ويقال للطريق: سبب؛ للتسبب بركوبه إلى ما لا يُدرك إلا بقطعه. ويقال للمصاهرة: سبب؛ لأنها سبب للحرمة. ويقال للوسيلة: سبب؛ للوصول بها إلى الحاجة، وكذلك كل ما كان به إدراك الطِّلْبة، فهو سبب لإدراكها. وجمع (السبب) أسباب. وأسباب السماء: مراقيها، ونواحيها، أو أبوابها. 

ولفظ (السبب) ورد في القرآن الكريم في تسعة مواضع، جاء في جميعها بصيغة الاسم؛ فجاء مفرداً في خمسة مواضع، منها قوله سبحانه: {فأتبع سببا} (الكهف:58). وجاء بصيغة الجمع في أربعة مواضع، منها قوله عز وجل: {إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب} (البقرة:166).

ولفظ السبب ورد في القرآن على أربعة معان:

فجاء لفظ (السبب) بمعنى (الباب)، وبه فُسر قوله سبحانه: {وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب} (غافر:36)، أي: أبواب السموات. وهذا مروي عن قتادة. ونحو هذا قوله عز وجل: {أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب} (سورة ص:10) أي: إن كان لهم ملك السموات والأرض وما بينهما، فليصعدوا في أبواب السماء وطرقها. عن مجاهد، قوله: {فليرتقوا في الأسباب} قال: طرق السماء وأبوابها. قال العسكري: "ويجوز أن يكون قوله: {فليرتقوا في الأسباب} الحبال وغيرها مما يُتوصل به إلى الموضع العالي. ويجوز أن يكون أراد الهواء، الذي هو سبب لصعود الملائكة إلى السماء، يمدون فيه أجنحتهم فيصعدون، وهذا على جهة التعجيز للكفار المخاطبين بهذه الآية، والإخبار بأنهم يُغلبون، ولا يتم أمرهم، والشاهد على صحة هذا قوله: {جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب} (سورة ص:11).

وجاء لفظ (السبب) بمعنى (المنزل) و(الطريق)، وبه فُسر قوله عز وجل: {فأتبع سببا} (الكهف:85) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {فأتبع سببا} يعني بـ (السبب) المنزل. وعن مجاهد، قال: منزلاً وطريقاً ما بين المشرق والمغرب. وقال قتادة: اتبع منازل الأرض ومعالمها. ومثل هذا أيضاً قوله سبحانه: {ثم أتبع سببا} (الكهف:89) يعني: ثم سار طرقاً ومنازل، وسلك سبلاً حتى بلغ مقصده الذي أراد.

أما قوله تعالى: {أسباب السموات} (غافر:37) روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المراد بـ (الأسباب) هنا: منازل السماء. وروي عن قتادة أن المراد: الأبواب، أي: أبواب السموات. وروي عن السدي أن المراد: طرق السماء. قال الطبري: "وأولى الأقوال بالصواب أن يقال: معناه لعلي أبلغ من أسباب السموات أسباباً أتسيب بها إلى رؤية إله موسى، طرقاً كانت تلك الأسباب منها، أو أبواباً، أو منازل، أو غير ذلك".

وجاء لفظ (السبب) بمعنى (العلم)، وبه فُسر قوله تعالى: {وآتيناه من كل شيء سببا} (الكهف:84) أي: آتيناه من كل شيء، يعني ما يتسبب إليه، وهو العلم به. وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وجمهور التابعين. ولم يأت لفظ (السبب) وفق هذا المعنى في القرآن الكريم سوى في هذه الآية. 

وجاء (السبب) بمعنى (الحبل) وبه فُسر قوله تعالى: {من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء} (الحج:15) قال ابن عباس رضي الله عنهما في المراد من الآية: (من كان يظن أن لن ينصر الله محمداً، فليربط حبلاً في سقف، ثم ليختنق به حتى يموت). ومعنى الآية كما ذكر المفسرون: من كان يحسب أن لن يرزق الله محمداً صلى الله عليه وسلم وأمته في الدنيا، فيوسع عليهم من فضله فيها، ويرزقهم في الآخرة من سَني عطاياه وكرامته، استبطاء منه فعل الله ذلك به وبهم، فليمدد بحبل إلى سماء فوقه: إما سقف بيت، أو غيره مما يعلق به الحبل من فوقه، ثم يختنق إذا اغتاظ من بعض ما قضى الله، فاستعجل انكشاف ذلك عنه، فلينظر هل يذهبن كيده اختناقه كذلك ما يغيظ، فإن لم يُذهب ذلك غيظه؛ حتى يأتي الله بالفرج من عنده فيذهبه، فكذلك استعجاله نصر الله محمداً ودينه، لن يؤخر ما قضى الله له من ذلك عن ميقاته، ولا يعجل قبل حينه. وهذا هو الموضع الوحيد في القرآن الكريم الذي جاء فيه لفظ (السبب) بمعنى (الحبل).

أما قوله عز من قائل: {إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب} (البقرة:166)، فقد قيل في المراد بـ {الأسباب} هنا أقوال؛ فعن مجاهد: {وتقطعت بهم الأسباب} قال: الوصال الذي كان بينهم في الدنيا. وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المراد بـ {الأسباب} في الآية: المودة. وعن قتادة أن المراد بـ {الأسباب} هنا: أسباب الندامة يوم القيامة، وأسباب المواصلة التي كانت بينهم في الدنيا يتواصلون بها. وقال آخرون: بل معنى {الأسباب} المنازل التي كانت لهم من أهل الدنيا، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً. وروي عنه أيضاً أن المراد بـ {الأسباب} هنا: الأرحام. وعن السدي وابن زيد أن المراد بـ {الأسباب} الأعمال التي كانوا يعملونها في الدنيا.

وقد ذهب الطبري بعد أن سرد الأقوال التي قيلت في المراد بـ {الأسباب} في الآية إلى أن "الصواب من القول أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أن الذين ظلموا أنفسهم -من أهل الكفر الذين ماتوا وهم كفار- يتبرأ -عند معاينتهم عذاب الله- المتبوع من التابع، وتتقطع بهم الأسباب. وقد أخبر تعالى ذكره في كتابه أن بعضهم يلعن بعضاً، وأخبر عن الشيطان أنه يقول لأوليائه: {ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل} (إبراهيم:22) وأخبر تعالى ذكره أن {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} (الزحرف:67)، وأن الكافرين لا ينصر يومئذ بعضهم بعضاً، فقال تعالى ذكره: {وقفوهم إنهم مسئولون * ما لكم لا تناصرون} (الصافات:24-25) وأن الرجل منهم لا ينفعه نسيبه، ولا ذو رحمه، وإن كان نسيبه لله وليًّا، فقال تعالى في ذلك: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه} (التوبة:114) وأخبر تعالى ذكره أن أعمالهم تصير عليهم حسرات. وكل هذه المعاني (أسباب) يُتسبب في الدنيا بها إلى مطالب، فقطع الله منافعها في الآخرة عن الكافرين به؛ لأنها كانت بخلاف طاعته ورضاه، فهي منقطعة بأهلها. فلا خِلالُ بعضهم بعضاً نَفَعَهم عند ورودهم على ربهم، ولا عبادتهم أندادهم ولا طاعتهم شياطينهم، ولا دافعت عنهم أرحام، فنصرتهم من انتقام الله منهم، ولا أغنت عنهم أعمالهم، بل صارت عليهم حسرات. فكل أسباب الكفار منقطعة. فلا معنى أبلغ -في تأويل قوله: {وتقطعت بهم الأسباب}- من صفة الله ذلك، وذلك ما بينا من تقطع جميع أسبابهم دون بعضها".

فحاصل القول إذن: إن لفظ (السبب) في القرآن الكريم جاء على أربعة معان: الباب، والطريق والمنزل، والعلم، والحبل (بالمعنى المادي أو المجازي). وقد تبين أن المفسرين تعددت أقوالهم في تحديد المراد من بعض ألفاظ الآيات التي ورد فيها لفظ (السبب)، بيد أن هذا التعدد في المحصلة لا يخرج عن هذه المعاني الأربعة.

www.islamweb.net